البازعي يناقش سمات التحضّر وتحدّيات التجديد في «القصيدة الشعبية»

البازعي يناقش سمات التحضّر وتحدّيات التجديد في «القصيدة الشعبية»
TT

البازعي يناقش سمات التحضّر وتحدّيات التجديد في «القصيدة الشعبية»

البازعي يناقش سمات التحضّر وتحدّيات التجديد في «القصيدة الشعبية»

عن أكاديمية الشعر في لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، صدر كتاب «القصيدة الشعبية - سمات التحضر وتحديات التجديد»، للدكتور سعد البازعي.
ويضم الكتاب دراسة نقدية عن عدد من قضايا الشعر النبطي وظواهره المرتبطة بمرحلة التجديد التي مرت بها القصيدة في العقود الماضية. وتتمحور دراسة المؤلف حول أربعة سياقات نقدية هي: «ملاحظات حول السمات الفنية في شعر بن لعبون»، و«قلق التحضر وألق الترحال»، و«القصيدة الحديثة وجماليات التجديد»، و«الحميدي الثقفي: شعر يتحرّر (ورا) اللهجة».
وأوضح المؤلف في مقدمة دراسته مجموعة محدّدات إجرائية ضرورية منها قوله إن «ما يضمه هذا الكتاب قد يكون شعبياً أو محكياً أو دارجاً من حيث لهجته، لكنه بالتأكيد ليس نبطيّاً من حيث إن دلالة نبطي ارتبطت بلون من الشعر البدوي البعيد عن الحياة المدنية بسماتها وألفاظها ودلالاتها». واعتبر المؤلف أن نص ابن لعبون الشاعر النبطي الكبير ليس نبطيّاً خالصاً من حيث موضوعاته وألفاظه، ويصفه بأنه يتسم بخاصيّة التحضّر، ويقصد بالتحضّر «التوطّن الفيزيائي»، لإقامة الشاعر في القرى الزراعية، مما جعل شعره يتأثر بالقاموس اللغوي الذي أنتجه الاستقرار على الرغم من كون تأسيسه ذا مرجعية بدوية نبطية.
وفي هذا الإطار درس المؤلف ثلاثة أبعاد في شعر بن لعبون وأورد نماذج لها هي: «البعد التراثي، ويقصد به استعادة التراث وتوظيفه»، و«البعد البلاغي، ويقصد به الاعتماد على تقنيات بلاغية تقليدية»، و«البعد التجديدي، ويقصد به استيلاد مجازات وتراكيب مدهشة وإيقاعات وأشكال نظم جديدة أو غير مألوفة كثيراً».
وضرب المؤلف أمثلة كثيرة من ملامح التجديد في شعر بن لعبون منها:

أسأل الصدى يا للعجب هل لهم تالي
قال الصدى يا للعجب هل لهم تالي

ويقول المؤلف إن هذا البيت يذكّر بقول بدر شاكر السياب:

أصيح بالخليج يا خليج
يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى
فيرجع الصدى كأنه النشيج
يا واهب المحار والردى
وإذا كان شعر بن لعبون يتسم عموماً بكونه مزيجاً بين عالم الصحراء وعالم الاستقرار الزراعي مثله مثل محسن الهزاني ومحمد السديري وخالد الفيصل فإن التطور الاجتماعي والتاريخي لمجمعات الخليج العربي أنتج - حسب رؤية المؤلف - ما سماه «الشعر البرزخي»، أي الشعر المُنتج في المنطقة الوسطى بين البداوة والتحضّر، ومن فرسان هذا النمط الشعري: عبد الله بن سبيّل، وفهيد المجماح، وعويّد الدوسري، ومشعان الهتيمي. علماً بأن هؤلاء الشعراء عاشوا في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي والربع الأول من القرن العشرين. وقد أفرد المؤلف في إطار هذه الرؤية مساحة جيدة للتدليل على ثبوت الوسطية البرزخية في نصوص شاعرين هما فهيد المجماح، وعبد الله بن سبيّل.
ولعل من أهم المحاور في الكتاب دراسة الدكتور البازعي لجماليات التجديد في القصيدة الحديثة على عدد من الشعراء، منهم الأمير بدر بن عبد المحسن، والحميدي الثقفي، وفهد عافت، ومساعد الرشيدي، ونايف صقر وغيرهم. ويرى المؤلف أن نصوص هؤلاء تصدر عن وعي بتغير الزمن والثقافة ومقاييس الجمال، بل هي نصوص تعبر عن «تجربة شعرية تنطلق من متغيرات الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي نعيش، تجربة تكتسي أهميتها من أنها تعبر عن رؤى وأذواق فئة كبيرة من مجتمعنا».
ويقسم المؤلف شعراء هذه المرحلة إلى قسمين، القسم الأول ويضم: مساعد الرشيدي، ونايف صقر، وسليمان المانع. ويتسم شعر هؤلاء بكونه نمطاً جديداً (بالقياس لما يُعرف من شعر نبطي). ويتسم أيضاً بنوع من الجرأة والعفوية والمجازات غير المألوفة على الرغم من كونها في أحيان كثيرة تأتي ممزوجة بأجواء بدوية، عكس شعراء القسم الثاني «الحميدي الثقفي، وفهد عافت، وعواض العصيمي» الذين «يذهبون في التجديد والخروج على المألوف حدّاً أبعد من المجموعة الأولى، حدّاً يكاد في بعض الحالات يقطع صلتهم بالمتلقين على اختلاف مستوياتهم». وبعد أن ضرب المؤلف أمثلة من معالم التجديد لدى المجموعة الأولى والثانية، منح مساحة أوسع لجماليات الصورة وروعة المجاز في نماذج للحميدي الثقفي ومنها:

أبي صباحاتك مدن تستاهل دموعي ندى
أبي نهار مصافحك يستاهل أعصابي يدين
أبي تزيديني ضلال... الشاعر إن ضل اهتدى
أبي على طول انتظر وانتي تجين... ولا تجين

ومنها ما خرج عن نمط الشطرين:

البحر
ويش البحر؟
لولا رمال الشط، والأطفال، واليامال...
والمرجان والأصداف والماء... والسفينة
والمسا...
ويش المسا...؟
لولا دفا لون الستاير من شبابيك المنازل... والنسا
وخشوع جمر الليل ف أحضان المباخر



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».