لجنة أميركية ـ تركية لحل الخلافات في الشمال السوري

تيلرسون تعهد بإخراج «الوحدات» الكردية من منبج

وزيرا الخارجية الأميركي والتركي في أنقرة أمس (أ.ب)
وزيرا الخارجية الأميركي والتركي في أنقرة أمس (أ.ب)
TT

لجنة أميركية ـ تركية لحل الخلافات في الشمال السوري

وزيرا الخارجية الأميركي والتركي في أنقرة أمس (أ.ب)
وزيرا الخارجية الأميركي والتركي في أنقرة أمس (أ.ب)

خرجت تركيا بوعد من وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بالعمل على تنفيذ تعهدات سابقة قطعتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بمغادرة عناصر وحدات حماية الشعب التركية من مدينة منبج في شمال سوريا إلى شرق الفرات.
كما أقرَّ تيلرسون بحق تركيا في حماية أمنها القومي من التهديدات الإرهابية، وطالَبَها في الوقت ذاته بضبط النفس خلال عملية «غصن الزيتون» العسكرية الجارية في عفرين، فيما أكدت أنقرة وواشنطن تمسكهما بوحدة الأراضي السورية، والعمل معاً في سوريا في المرحلة المقبلة مع تشكيل لجنة لبحث المسائل الخلافية تعقد أول اجتماعاتها قبل منتصف مارس (آذار) المقبل.
ولم يُشِر إلى مسألة الدعم العسكري والمالي للميليشيات الكردية في سوريا، التي تثير غضب أنقرة، قال تيلرسون إن واشنطن تضع ضمن أولوياتها العمل على الوعود المقدمة لتركيا بشأن منبج، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة قدّمت مجموعة من الوعود لتركيا، لكنها لم تتمكن من استكمالها، وأن ذلك سيتم في إطار مجموعات عمل ستضع «قضية منبج» على رأس الأولويات.
وأشار تيلرسون، خلال مؤتمر صحافي، أمس، مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو جاء في ختام زيارة لتركيا بدأها، مساء أول من أمس، بلقاء مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إلى أن التعاون بين واشنطن وأنقرة لن يقف عند هذا الحد، بل «سيشمل جميع مناطق الشمال السوري في إطار تنسيق وثيق، مع العمل على تقديم الدعم اللازم لمباحثات جنيف، لأنها السبيل الوحيد للوصول إلى حل سلمي ودائم للأزمة في سوريا، وبهذه الطريقة أيضاً يتم ضمان توفير حماية دائمة للحدود التركية».
وأضاف تيلرسون أن تركيا والولايات المتحدة «لن تتحركا بعد الآن كل بمفرده» في سوريا، وتريدان المضي قدماً في العمل معاً لتجاوز الأزمة الحالية لافتا إلى تحديد «آلية» مشتركة لحل مصير مدينة منبج السورية «كأولوية».
وتابع: «سنعمل معاً، لدينا آليات جيدة حول كيفية تحقيق هذه الأمور وهناك الكثير من العمل للقيام به».
وقال تيلرسون إن بلاده تقر بحق تركيا المشروع في تأمين حدودها، لكنه دعاها في الوقت ذاته إلى التحلي بضبط النفس في العملية التي تشنها في منطقة عفرين بسوريا (غصن الزيتون) وتجنب الخطوات التي من شأنها تصعيد التوتر.
وبدأت تركيا في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي عملية جوية وبرية في منطقة عفرين بشمال غربي سوريا لإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن حدودها الجنوبية. وتُعتَبَر أنقرة الوحدات ذراعاً لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يشن منذ عام 1984 كفاحاً مسلحاً ضد الدولة التركية بغرض إقامة كيان يتمتع بالحكم الذاتي في جنوب شرقي البلاد.
وطالبت أنقرة مراراً بانسحاب مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية إلى شرق نهر الفرات في سوريا. وهددت بدفع قواتها إلى مدينة منبج على بعد نحو 100 كيلومتر شرق عفرين، حيث تتمركز قوات أميركية قرب منبج داعية واشنطن إلى سحبها تجنباً للصدام بين قوات البلدين الحليفين في الناتو.
وأكد تيلرسون أن علاقات بلاده وتركيا قديمة واستراتيجية، مشيراً إلى أنه عرض على الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال اجتماعهما أول من أمس بحضور نظيره التركي، جملة اقتراحات بشأن كيفية حل القضايا الخلافية بين البلدين، ولفت إلى وجود تطابق في وجهات النظر بين بلاده وتركيا فيما يتعلق بالأهداف في سوريا.
ولخص تيلرسون هذه الأهداف في تخليص المنطقة من تنظيم داعش الإرهابي، وتحقيق الاستقرار في سوريا، وتأمين عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم.
من جانبه، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إنه سيكون بوسع أنقرة أن تتخذ خطوات مشتركة مع الولايات المتحدة في سوريا بمجرد أن تغادر وحدات حماية الشعب الكردية مدينة منبج.
واعتبر، خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الأميركي، أن زيارة تيلرسون تمثل نقطة حاسمة في مستقبل العلاقات بين البلدين، قائلاً إنه اتفق معه على تشكيل آلية لمتابعة وضمان تنفيذ القرارات المتفق عليها وعدم بقائها مجرد تعهدات وتصريحات، منتقداً عدم التزام واشنطن بتعهداتها الكثيرة التي قطعتها لتركيا، والتي لم تقم بتنفيذها حتى الآن خصوصاً فيما يتعلق بالدعم الأميركي للميليشيات الكردية في سورا.
وأشار جاويش أوغلو إلى أن الأولوية بالنسبة لهم هو خروج عناصر الوحدات الكردية من مدينة منبج وانسحابها إلى شرق نهر الفرات، وأن أنقرة تشعر بانعدام الثقة تجاه واشنطن، وأن على الأخيرة أن تعيد هذه الثقة من خلال الذهاب إلى ما هو أبعد من الوعود واتخاذ خطوات ملموسة على الأرض.
والتقى جاويش أوغلو نظيره الأميركي في أنقرة، أمس، في جلسة مباحثات ثنائية، أعقبها جلسة موسعة بمشاركة الوفد الأميركي المرافق لتيلرسون ومسؤولين في الخارجية التركية.
وجاءت زيارة تيلرسون إلى أنقرة ومباحثاته مع المسؤولين الأتراك بعد زيارة مماثلة لمستشار الأمن القومي الأميركي ماكماستر، يومي السبت والأحد الماضيين، حيث التقى المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين لبحث التوتر حول الملف السوري ودعم الميليشيات الكردية والقضايا العالقة بين البلدين في مختلف المجالات.
وصدر بيان تركي أميركي مشترك، عقب لقاء وزيري خارجية البلدين في أنقرة أمس، أكد فيه البلدان وقوفهما بحزم ضد جميع محاولات التغيير الديموغرافي وفرض الأمر الواقع في سوريا.
وشدد البيان على «التزام البلدين بشكل متبادل بالحرص على أمنهما ودفاعهما، بصفتهما حليفتين وشريكين استراتيجيين»، وأكد التزام تركيا والولايات المتحدة بوحدة أراضي سوريا والمحافظة على وحدتها الوطنية.
وأشار البيان إلى أن البلدين سيواصلان التنسيق بشأن تحقيق التحول والاستقرار في سوريا، ويؤكدان على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية، الأمر الذي يتطلب تحولاً سياسياً مستداماً.
وكان تيلرسون وصل إلى أنقرة مساء أول من أمس في زيارة قال مسؤولون إنها ستشهد على الأرجح مناقشات صعبة بين البلدين اللذين توترت علاقاتهما بسبب عدد من القضايا، لا سيما الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية يرافق تيلرسون إنه أجرى مناقشات «بناءة وصريحة» مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مساء أول من أمس، بشأن تحسين العلاقات وذلك بعدما أطلقت أنقرة تصريحات تنتقد واشنطن على مدى الأسابيع الأخيرة.
وأفاد مسؤولون أتراك بأن إردوغان عبّر خلال لقائه تيلرسون، الذي استغرق نحو ثلاث ساعات ونصف الساعة، «بشكل واضح» عما تريده تركيا، خصوصاً في شأن سوريا والعراق وفيما يتعلق أيضاً بالقائمة الطويلة من المسائل الخلافية التي تسمم العلاقات بين واشنطن وتركيا الحليفتين في الناتو.
وأفادت مصادر في الرئاسة التركية بأن إردوغان وتيلرسون بحثا خلال لقائهما بالمجمع الرئاسي في أنقرة، مساء الخميس، التطورات الإقليمية وعلى رأسها سوريا والعراق ومكافحة الإرهاب والعلاقات الثنائية.
وذكرت المصادر أنه تم خلال اللقاء إبلاغ تيلرسون بكل وضوح أولويات تركيا وتطلعاتها في جميع هذه المواضيع.
من ناحيته، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية رافق تيلرسون في زيارته إنه أجرى «محادثات إيجابية وصريحة»، مع الرئيس إردوغان بشأن سبل تحسين العلاقات بين البلدين.

«غصن الزيتون»
على صعيد عملية غصن الزيتون العسكرية في عفرين حققت القوات المسلحة التركية والجيش السوري الحر تقدماً أمس في اليوم الثامن والعشرين للعملية وسيطرت على قريتي حسن كلكاوي، وجلمة ليرتفع عدد النقاط التي تمت السيطرة عليها منذ انطلاق العملية إلى 65 نقطة، تشمل مركز ناحية، و44 قرية، و3 مزارع، و17 تلاً وجبلاً استراتيجياً.
وأعلن الجيش التركي تحييد ما مجموعه 1551 من عناصر حزب العمال الكردستاني، والوحدات الكردية و«داعش» منذ بدء عملية «غصن الزيتون».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.