بعد يوم من الاستقالة المدوية التي فاجأ بها رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين، العالم، حذّر مراقبون من انعكاسات سلبية كبيرة للأزمة، تحول إثيوبيا إلى «كرة لهب» تحرق الإقليم بل القارة، باعتبارها مركز ثقل يستضيف الاتحاد الأفريقي والمنظمات الدولية المعنية بالقارة كلها. ويضيف هؤلاء أن إثيوبيا تواجه نقطة تحول في تاريخها بعد استقالة ديسالين، وأن الحزب الحاكم يواجه خيارات صعبة لإنهاء أشهر من الاحتجاجات، واستبدال آخر بديسالين. ويوضح الخبير المختص بشؤون القرن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس، إن استقالة ديسالين كشفت أن التحالف الإثني الحاكم يعاني تصدعات كثيرة، ظلت تخفت ثم تحتد في أوقات مختلفة. وقال أبو إدريس لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن الاحتجاجات التي دفعت ديسالين إلى الاستقالة، كشفت أزمة التحالف الحاكم الحقيقية، وأزمة فشل الفيدرالية الإثنية الحاكمة، في إدارة التنوع وقسمة السلطة والثروة في إثيوبيا. إلا أن رئيس مكتب الائتلاف الحاكم شفراو شغوطي قال بأن استقالته «لن تؤثر على الحزب والحكومة».
المحلل السياسي الإثيوبي هليلوجاه لولي، رأى -كما نقلت عنه وكالة «بلومبيرغ»- أن قرار الحزب، سيحدد ما إذا كانت إثيوبيا ستستقر، أو ستنحدر إلى اضطرابات مدنية واسعة النطاق وربما إراقة دماء.
ومنذ بداية الأسبوع لقي 7 أشخاص مصرعهم في احتجاجات انتظمت في إقليم «أروميا» المحيط بالعاصمة أديس أبابا، تطالب بالإفراج عن معتقلين سياسيين، وأغلقوا الطرق المؤدية إلى العاصمة بالصخور، وأحرقوا إطارات السيارات، وعطلوا شبكات النقل العام، فيما أُغلقت الشركات في جميع أنحاء منطقة أورومو الشاسعة كجزء من الإضراب. ونقلت إذاعة «فانا» المقربة من الحكومة الإثيوبية عن مسؤول محلي، أن السلطات استجابت لمطالب المحتجين، وأفرجت عن 7 معارضين بارزين، ينتمون إلى حزب «مؤتمر الأورومو الفيدرالي» أقوى أحزاب المعارضة، والذي يطالب بالعفو عن السجناء السياسيين وتحقيق توافق وطني في إثيوبيا.
وأسقطت حكومة أديس أبابا منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، تهماً بحق أكثر من 7 ألف معتقل وسجين سياسي، وأطلقت المئات منهم الأسبوع الماضي، بينما تعتقل منذ احتجاجات أغسطس (آب) 2016، أعداداً غير معروفة من السياسيين تقدَّر بالآلاف، أغلبهم من مناطق إقليمي «أمهرا» و«أوروميا» جنوب، الذين يطالبون برفع التهميش عن إقليمهم، ويتهمون الحكومة بإقصائهم سياسياً.
ووفقاً للولي فإن ديسالين حاول معالجة المشكلات العرقية في حكومته بتعيين أعضاء من جماعتي «الأورومو» و«الأمهرا»، نواباً للرئيس جنباً إلى جنب مع المسؤولين من أقلية «التقراي»، لكن الحزب الحاكم قد يضطر الآن إلى تسمية رئيس وزراء من هاتين الجماعتين ليبدو بمظهر الجاد في الإصلاح السياسي.
ووفقاً للوكالة الرسمية «إينا» فإن ديسالين استقال من منصبه لـ«يكون جزءاً من الجهود الرامية لإيجاد حل دائم للوضع الحالي»، وقال ديسالين وفقاً لـ«رويترز»: «إنني أعتبر استقالتي حيوية، في محاولة تنفيذ إصلاحات من شأنها أن تؤدي إلى سلام وديمقراطية مستدامين».
ويُخشى على نطاق واسع أن تؤدي الاضطرابات التي تشهدها إثيوبيا، إلى أزمات تتجاوز حدودها، إلى الإقليم وأفريقيا بشكل عام. ووفقاً لأبو إدريس، فإن التحالف الحاكم قدّم رئيسه ديسالين «كبش فداء» لأخطاء تجربته المستمرة من عام 1991، وفشله في «إقناع الإثنيات الإثيوبية» بنجاحاته الاقتصادية وتدفق الاستثمارات على البلاد، وتحولها إلى الأعلى نمواً في أفريقيا. ويوضح أن النجاحات الاقتصادية لم تحلّ الأزمات التحتية الكامنة، ولم تحقق الرضا للمواطنين، ويقول: «التحدي الأكبر الذي يواجه التحالف الذي تسيطر عليه عرقية (التقراي)، هو استعداده لتقديم تنازلات صعبة لصالح القوميات الأخرى».
ويصف استقالة ديسالين بأنها «مسكن وقتي» لن يحل المشكلة، مرجحاً تنازل مجموعة «التقراي» الحاكمة عن منصب رئيس الوزراء لواحدة من المجموعتين الكبيرتين والمؤثرتين «الأمهرا» و«الأورومو». ويرى أن مجرد التنازل عن المنصب لن يحل المشكلة، مشيراً إلى أنهم تنازلوا عن 9 وزراء لصالح قومية «الأورومو»، بما يعادل 40% من مجلس الوزراء، بينهم وزير الخارجية، على خلفية احتجاجات واضطرابات 2016، وبقيت المشكلة قائمة.
وحسب أبو إدريس، تسيطر المجموعة الحاكمة على الاقتصاد والأجهزة الأمنية، ولن تفرط فيها لصالح «الأورومو» أو «الأمهرا». ويقول: «لا أعتقد أنهم سيقدمون تنازلات أخرى، وينسون أن الشارع الإثيوبي يردد بغضب أن (التقراي) جمعوا الأموال من تدفقات الاستثمارات، ويسيطرون على مفاصل السلطة والأجهزة الأمنية، وغير مستعدين لتقديم تنازل عنها».
ويقطع أبو إدريس بأن في ذهاب الرئيس ديسالين خسارة كبيرة للسودان، باعتباره حليفاً مهماً لحكومة الخرطوم، وهو الأمر الذي يغضب «الأمهرا» و«الأورومو» الذين يرددون على الدوام: «تحالف الحكومة السودانية و(التقراي)، ساعدهم على البقاء في الحكم وحل المشكلات».
كما يتوقع أن تتأثر إريتريا بالأوضاع في إثيوبيا بشكل كبير، وأن تشهد أوضاعاً صعبة حال سيطرة مجموعتي «الأمهرا» و«الأورومو»، بقوله: «الأمهرا يرفضون استقلال إريتريا عن إثيوبيا من حيث المبدأ، فإذا لم يُحل النزاع سلمياً فإن كلٍّ من السودان وإريتريا سيتأثران، بل وربما تمتد النيران لتشعل الإقليم كله». واستبعد أبو إدريس احتمال تأثير الأحداث على مشروع «سد النهضة» استراتيجياً، وقال: «الإثيوبيون يعتبرونه مشروعاً وطنياً». بيد أنه أشار إلى إمكان تأثره لفترة قصيرة حال فقدان البلاد لاستقرارها، وتابع: «ربما يتأثر لمرحلة قصيرة لكنه لن يواجه مشكلات على المدى الطويل». وحذر مما سماه امتداد لسان «كرة النار» إلى السودان، ومن تدفقات لأعداد كبيرة من اللاجئين، وتزايد نشاط العصابات التي تعمل في الاتجار بالبشر وتهريبهم وتهريب السلاح في المنطقة الحدودية بين البلدين.
وتوقع ازدياد حدة النزاع الحدودي بين البلدين حال وصول «الأمهرا» لمركز السلطة، محذراً من مطامعهم في منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة، التي يسيطر عليها مزارعون أمهرا منذ 1996، وقال: «قد يصرون على تبعية الفشقة لإثيوبيا».
مخاوف من «كرة لهب» بعد الاستقالة المدوّية لرئيس الوزراء الإثيوبي
السودان وإريتريا «الأكثر تضرراً» من التغيير في أديس أبابا
مخاوف من «كرة لهب» بعد الاستقالة المدوّية لرئيس الوزراء الإثيوبي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة