الحريري: لن أسلّم بخروج لبنان عن محيطه العربي

مهرجان ذكرى اغتيال والده رسّخ تداعي فريق «14 آذار»

TT

الحريري: لن أسلّم بخروج لبنان عن محيطه العربي

أعلن رئيس الحكومة اللبنانية ورئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري أن المواجهة السياسية والانتخابية الحقيقية لتياره هي مع «حزب الله»، متهماً «أصدقاء» سابقين في الداخل اللبناني بالعمل لمصلحة الحزب والمراهنة على «فتات الموائد في تيار المستقبل».
وحدد الحريري في الاحتفال الذي نظمه تيار «المستقبل» في مجمع «البيال» في وسط بيروت في الذكرى الثالثة عشرة لاغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، برنامجه الانتخابي ووجه رسائل واضحة للدول العربية، مشدداً على أنه لن يبيع «الأشقاء العرب بضاعةً سياسيةً لبنانيةً مغشوشة، ومواقف للاستهلاك في السوق الإعلامي والطائفي»، ولن يُسلّم بـ«خروج لبنان عن محيطه العربي، ولا بدخول لبنان في محرقة الحروب العربية»، مجدداً التمسُّك بقرار «النأي بالنفس وتثبيت لبنان في موقعه الطبيعي، دولةً تقيم أفضل العلاقات مع الدول العربية وترفض أي إساءة لها».
إلا أن المهرجان الذي حمل عنوان «للمستقبل عنوان: حماية لبنان»، والذي شارك فيه وزير العدل سليم جريصاتي ممثلاً رئيس الجمهورية، علماً بأنّه كان مستشاراً لفريق الدفاع في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تنظر في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، رسّخ واقع تداعي فريق 14 آذار الذي لم يشارك أي من رموز الصف الأول فيه إلى جانب الحريري، إذ أوفد رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط نجله تيمور جنبلاط، فيما أوفد رئيس حزب «القوات» سمير جعجع نائبه جورج عدوان، ووزراء القوات الثلاثة للمشاركة في إحياء الذكرى. أما رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل فأوفد الوزير السابق آلان حكيم لتمثيله ورئيس الجمهورية السابق أمين الجميل، إلا أن حكيم غادر الاحتفال بسبب ما قال موقع حزب «الكتائب» إنّه «عدم احترام البروتوكول وعدم تخصيص مكان للرئيس أمين الجميّل ولا لرئيس الكتائب سامي الجميّل»، ما دفع بالنائب نديم الجميل أيضاً إلى الانسحاب. وتوالت الانسحابات احتجاجاً على فوضى التنظيم، فأشار رئيس حركة «الاستقلال» ميشال معوّض إلى أنه اضطر إلى المغادرة لـ«أسباب بروتوكولية وربما ما وراءها»، فيما قالت الإعلامية مي شدياق التي نجت من عملية اغتيال في عام 2005: «يبدو أن الشهادة لا مكان لها على قائمة البروتوكول، ولم يعد لها كرسي يليق بالوفاء».
وجزم عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل» راشد فايد بأن عدم تخصيص كرسي لممثل حزب «الكتائب» خطأ غير مقصود على الإطلاق، لافتاً إلى أن ما حصل في هذا الإطار «جزء من الفوضى التي واكبت المهرجان».
من جهتها، لمحت مصادر في حزب «القوات» إلى أن عدم حضور رئيس الحزب سمير جعجع للاحتفال وإرسال ممثلين عنه هو تعبير واضح عن المتغيرات التي طرأت على العلاقة مع «المستقبل»، إلا أنها شددت في الوقت عينه في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن ذلك «لا يعني على الإطلاق الاستخفاف بالمناسبة، من هناك كان حضور نائب رئيس الحزب ووزراء القوات الثلاثة». وأضافت المصادر: «الاتصالات لا تزال قائمة مع المستقبل لمعالجة أسباب ونتائج الأزمة الأخيرة».
وحدد الحريري في الكلمة التي ألقاها ملامح المرحلة المقبلة والعناوين العريضة التي سيخوض على أساسها تيار «المستقبل» الانتخابات المقبلة، فأكد أنّه لن يقود جمهوره إلى الهاوية، أو إلى أي صراع أهلي، وقال: «لسنا تجار مواقف وشعارات، نحن أمناء على دورنا تجاه أهلنا وتجاه أشقائنا، وسأخوض معكم التحدي في كل الاتجاهات، ولن أسلِّمَ بخروج لبنان عن محيطه العربي».
وشدد على أن «قرار النأي بالنفس لم يُتخذ ليكون حبراً على ورق، فمن يوّقع على قرارٍ تتخذه الدولة، عليه احترام هذا القرار».
وشن الحريري حملة على من قال إنّهم «كانوا في عِداد الأصدقاء، لكنهم ضلَّوا سبيل الصداقة، إلى دروب البحث عن أدوارٍ في الداخل والخارج»، فقال: «وصل الإبداع بهم إلى المناداة بتسليم البلد إلى حزب الله، لتحميله مسؤولية التداعيات التي ستحصل بعد ذلك، ثم روجوا لفكرة أن الانتخابات ستسفر عن مجلس نيابي يتولى تشريع سلاح الحزب»، متهما إياهم بـ«تسطير المواقف والتقارير ضد سعد الحريري وتيار المستقبل». وأضاف: «هؤلاء يعلمون جيداً أن المواجهة السياسية والانتخابية الحقيقية، هي بين تيار المستقبل وحزب الله، ويعلمون أيضاً أن كل ما يقومون به، لن يمكِّنَهم من الحصول على ذرة واحدة من رصيد (حزب الله) وحلفائه في الانتخابات. لكنهم يراهنون على أن يتصيدوا فتات الموائد في تيار المستقبل، ليجعلوا من هذا الفتات، وجبة انتخابية يستفيد منها مرشحو حزب الله وحلفاؤه».
وشدد رئيس الحكومة على أن «تيار المستقبل غير قابل للكسر، وهو ركنٌ أساس من أركان الصيغة اللبنانية والتوازن الوطني، ويستحيل أن يشكل جسراً تعبر فوقه أوهام الإطاحة بالصيغة واتفاق الطائف وعروبة لبنان»، وأكد أن «اتفاق الطائف خط أحمر، لا يخضع للتعديل والتبديل والتفسير والتأويل»، مشيراً إلى أنّه لن يغطي «أي سياسة تعمل على خرق وثيقة الوفاق الوطني وتجديد الصراع الأهلي في لبنان».
وتناول الحريري بإسهاب ملف الانتخابات النيابية التي عبّر عن أمله في أن تكون «نقطة تحوُّل في حياتنا البرلمانية»، لافتاً إلى أنه سيعلن خلال أيام أسماء مرشحيه. وقال: «برنامجنا في تيار المستقبل للانتخابات هو إعادة الاعتبار لزمن رفيق الحريري، محررين من ضغوط الوصاية ومن المتسلقين على أكتاف الدولة والقانون».
وعدد «الثوابت التي لا يمكن للبلد أن يستقر ويتقدم من دونها، ولا يمكن أن نتخلى عنها تحت أي ظرف، وهي: (اتفاق الطائف) ومقتضيات الوفاق الوطني، والتزام الحوار في مقاربة الخلافات السياسية، وحماية لبنان من ارتدادات الحروب في المنطقة، ورفض التدخل في شؤون البلدان العربية، واعتبار الأحكام التي ستصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ملزمة للسلطات اللبنانية بملاحقة المتهمين وتوقيفهم، والتأكيد على حصرية السلاح بيد الدولة ومؤسساتها الشرعية، وتفعيل قدرات الجيش والقوى والأمنية لتمكينها من بسط السلطة والدفاع عن السيادة ومكافحة الإرهاب، والتزام القرارات الدولية الخاصة بلبنان، لا سيما القرار 1701، والتأكيد على موجبات التضامن الوطني لمواجهة الأطماع الإسرائيلية بمياهنا الإقليمية، وإنهاء ملف عودة النازحين السوريين إلى بلادهم ورفض كل أشكال التوطين، وحماية المجتمع الإسلامي من تسلل التنظيمات الإرهابية، والعمل على إصدار عفو عام يشمل الموقوفين الإسلاميين الذين لا دماء على أيديهم وتوسيع نطاق مشاركة الشباب والنساء في الحياة السياسية».
وإذ جزم الحريري برفض أي تحالف مع حزب الله، قال: «نحن ليس لدينا مال للانتخابات ونحن تيار لا يقبل أن يضعه أحد في علبة طائفية أو مذهبية ويقفل عليه ويرمي المفتاح».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».