الدور المخرب لقوس إيران الايديولوجي

أذرعها تمتد من العراق وسوريا ولبنان وتقفز إلى اليمن

مقاتل يمر بجانب دبابة تحمل شعارات وأعلام «حزب الله» في القلمون (أ.ف.ب)
مقاتل يمر بجانب دبابة تحمل شعارات وأعلام «حزب الله» في القلمون (أ.ف.ب)
TT

الدور المخرب لقوس إيران الايديولوجي

مقاتل يمر بجانب دبابة تحمل شعارات وأعلام «حزب الله» في القلمون (أ.ف.ب)
مقاتل يمر بجانب دبابة تحمل شعارات وأعلام «حزب الله» في القلمون (أ.ف.ب)

في الثامن من شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، زار زعيم «عصائب أهل الحق» العراقية المنضوية تحت الحشد الشعبي العراقي، قيس الخزعلي، الحدود اللبنانية الإسرائيلية، متفقداً مواقع المقاومة ومهدداً العدو الإسرائيلي.
وقال في مقطع الفيديو الذي تم تسريبه على الإنترنت: «نحن هنا مع (حزب الله) نعلن استعدادنا التام للوقوف جنباً إلى جنب مع الشعب اللبناني والقضية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي».
وفي الوقت الذي يمكن تفسير بيان الخزعلي بالحيلة الإعلامية لمحاولة صرف النظر عن تقاعس «حزب الله» في الرد على قرار الرئيس الأميركي ترمب القاضي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، فإنه يشير أيضاً إلى تقارب مصالح الميليشيات الإقليمية الموالية لإيران، مما قد يسمح لطهران بإنشاء قوس أمني يمتد من طهران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.
لقد استند توسع إيران في بلاد الشام إلى سياسة مزدوجة اعتمدت على نشر الميليشيات الشيعية الأجنبية وعلى إنشاء الفصائل العراقية والسورية الموالية لطهران على غرار «حزب الله» اللبناني. فإيران نشرت أكثر من 34 ألف مقاتل أجنبي في سوريا «من بينهم الفاطميون الأفغان، والزينبيون الباكستان، والعراقيون «حيدريون»، فضلاً عن مقاتلي (حزب الله) الذين كان عددهم يتراوح بين ألفين و10 آلاف مقاتل اعتماداً على متطلبات العمليات العسكرية» وفق الخبير المتخصص في الشؤون السورية سمير حسن.
كما لعبت الميليشيات العراقية و«حزب الله» دوراً بارزاً في حلب، من خلال قيادة الهجمات العسكرية. ونقلاً عن عناصر من «حزب الله»، فإن الحزب شارك في غرفة العمليات المشتركة خلال معارك أُديرت بالتعاون مع الإيرانيين والروس.
لقد استفادت إيران من هشاشة الدولة السورية لإنشاء الوكلاء المحليين وتدريبهم ودعمهم، على غرار نموذجها في لبنان والعراق. فمنذ عام 2012 عززت الجماعات المسلحة والممولة من إيران قبضتها على الأرض في سوريا. وشملت هذه المشاريع الإيرانية عدة مجموعات، مثل قوات الدفاع الوطني التي أنشئت في عام 2012 تحت إشراف إيراني كقوة لمكافحة التمرد، والتي في مرحلة من المراحل شكلت -وفق أرون لوند، الخبير المتخصص في الشؤون السورية- أكبر الميليشيات التي تم إنشاؤها من خلال إعادة تسمية، وإعادة هيكلة، ودمج اللجان الشعبية المحلية وغيرها من الجماعات المسلحة الموالية للأسد. ومع ذلك كان من الصعب على قوات الدفاع الوطني أن تكون متجانسة مع الجيش، لعدد كبير من الاعتبارات أهمها الآيديولوجية العسكرية.
إلى جانب قوات الدفاع الوطني، هناك مجموعة من الميليشيات الخاصة بمنطقة حلب المعروفة باسم قوات الدفاع المحلية التي تضم عدداً من الميليشيات المحلية مثل: كتائب النيرب، ولواء الباقر، وفوج السفيرة، وفوج نبل والزهراء. وفي هذا الصدد يشرح حسن: «إن هذه الفصائل مثل فوج نبل والزهراء الذي يضم 5000 مقاتل، مدربة تدريباً جيداً من قبل (حزب الله)، والأهم من ذلك هي أكثر تماسكا وأقوى من الفصائل الأخرى نظراً إلى الآيديولوجيا التي تحركها».
ويشدد الباحث أيمن جواد التميمي على أن التوجه الجديد هو لدمج هذه الميليشيات الموالية لإيران ضمن قوات الدفاع المحلية التي تعد الآن جزءاً من الجيش. ففي أبريل (نيسان) من العام الماضي، أصدرت دائرة التسلح السورية تعميماً يحدد عملية دمج قوات الدفاع المحلية داخل الجيش، وعلى الأرجح ستحل قوات الدفاع شيئاً فشيئاً محل الفصائل الأجنبية الموالية لإيران المنتشرة في سوريا.
والمعلوم أن هذا الأسلوب ليس بجديد بل سبق أن تم اعتماده في العراق مع قوات الحشد الشعبي العراقية وفي لبنان مع «حزب الله»، اللذين أصبحا لاعبين لا يمكن تجنبهما في بلدانهما وتم إدماجهما في الحياة السياسية، وذلك بفضل سياسة طويلة الأجل اعتمدت على جذب قلوب وعقول السكان.
ففي العراق، تعود نشأة قوات الحشد الشعبي، كمفهوم، إلى فتوى آية الله علي السيستاني التي أصدرها في 13 يونيو (حزيران) 2014، حيث دعت الفتوى جميع المواطنين القادرين، للدفاع عن البلاد وشعبها وشرفها وأماكنها المقدسة ضد «داعش». ومع انتهاء الحرب ضد «داعش» وخسارته للسلطة، لم يعد من سبب يبرر استمرار وجود هذه القوات. وبما أن فتوى السيستاني كانت مشروطة ومؤقتة، لم يكن استمرار صلاحيتها ليحظى في نهاية المطاف بمساندة دينية مشروعة. وفي 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، أقر البرلمان العراقي قانون هيئة «الحشد الشعبي» الشيعية، الذي قضى بأن يصبح الحشد الشعبي تشكيلاً عسكرياً مستقلاً وجزءاً من القوات المسلحة العراقية ليغدو بذلك جزءاً من الجيش العراقي رسمياً، أي أن هذا القانون سمح بتكوين جيشين متوازيين، أحدهما يستمد قوته من العقيدة العسكرية الغربية والآخر من الاعتبارات الدينية المحلية. وقد اتُّبع هذا التحرك هذا العام مع «فصل» قادة وحدة الحشد عن الفصائل العسكرية بهدف الترشح للانتخابات في تشكيلات مختلفة.
أما على الساحة اللبنانية، فإن «حزب الله» المدعوم من إيران يحظى بتأييد واسع من المجتمع الشيعي، وللحزب أعضاء في البرلمان، وله وزراء في الحكومة، الأمر الذي يجعل من الصعب جداً إن لم يكن من المستحيل فصله عن الدولة.
ناهيك بأن الحزب تحول إلى قوة خارجية أجنبية، وتمكن من نشر ما بين 2000 و10 آلاف مقاتل في سوريا. وقادت قواته عمليات عسكرية هجومية منسقة مع جيوش أخرى وشاركت في غرفة العمليات المشتركة مع إيران وروسيا. كما لعب دوراً بارزاً في تدريب الميليشيات الموالية للنظام وفقاً لمقابلات سابقة مع مقاتلي «حزب الله»، «ولدى الحزب قادة ومستشارون داخل قوات الدفاع الوطني السوري وقوات الدفاع المحلي»، حسب مقاتل من «حزب الله»، ما يؤكد الدور القيادي الذي تلعبه إيران في دعم وتدريب هذه القوات.
من ناحية ثانية، عمد الحزب إلى تعزيز ترسانته من الصواريخ أرض-أرض الموجهة، «فحزب الله وإيران والسوريون كانوا يطورون أشكالاً مختلفة من صواريخ (فتح – 110) الإيرانية، فعملوا مثلاً على تقليص حجم الرؤوس الحربية من أجل زيادة مدى الصواريخ وتعزيز أنظمة التوجيه فيها. ويشرح نيكولاس بلاندورد الخبير المختص في شؤون (حزب الله)، أن القدرة على ضرب أهداف دقيقة في إسرائيل في حالة مواجهة بين الطرفين لها أهمية حاسمة لـ(حزب الله)».
رغم ذلك، إن النجاح الأكبر الذي ستحققه إيران يبقى مرتبطاً بالعلاقات الضيقة بين الفصائل العراقية والسورية واللبنانية. إلا أن ما يميز «حزب الله» عن الفصائل الأخرى هي الآيديولوجية التي يعتنقها مقاتلوه، على حد قول مقاتل من «حزب الله»، الذي يضيف «أن الفصائل الأقوى في سوريا هي تلك التي يديرها (حزب الله) عسكرياً وآيديولوجياً».
إن آيديولوجية «حزب الله» متجذرة في الآيديولوجية الإسلامية الإيرانية العالمية، وهي التزام بتصدير الثورة الإسلامية، بحيث تؤكد ديباجة دستور الجمهورية الإسلامية هذا الالتزام بمواصلة الثورة في الخارج من أجل خلق «مجتمع موحد وعالمي من المؤمنين (الأمة)». التزام تمت ترجمته بنجاح في العراق ولبنان.
وعليه، هل تكون إيران قد نجحت في بناء قوس دولي شبه عسكري متماسك آيديولوجيا يمتد من العراق وسوريا إلى لبنان؟ يقول أحمد، أحد مقاتلي «حزب الله»: «إن (حزب الله) اللبناني ليس وحده، بل هناك (حزب الله سوريا) و(حزب الله العراق)، لا أقصد حرفياً، بل ككيان منظم يتقاسم نفس الآيديولوجية والغرض في المنطقة، وجميع هذه الفصائل في العراق وسوريا ولبنان ستقاتل معاً في الحرب المقبلة».
* زميل مشارك
في {مركز الملك فيصل
للأبحاث والدراسات الإسلامية»



تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية، من عرقلة ذلك المسار المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ذلك الموقف المصري، الرافض لتجزئة الإعمار أو تقسيم قطاع غزة أو وضع شروط إسرائيلية بشأن قوات الاستقرار في القطاع، يحمل رسائل مهمة للضغط على إسرائيل قبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وتوقعوا أن تضغط واشنطن لبدء المرحلة الثانية في ضوء تلك الرسائل المصرية.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في تصريحات، الجمعة، أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع المتوقع أن تنتشر الشهر المقبل.

هذه الخطوة تعزز مخاوف مصرية، تحدث بها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، متهماً نتنياهو بأنه «يحاول إعادة صياغة المرحلة الثانية وحصرها في مطلب نزع سلاح المقاومة، وهو ما لا ينص عليه الاتفاق، وتدركه الولايات المتحدة جيداً»، مشيراً إلى مساعٍ إسرائيلية لإقحام قوة حفظ الاستقرار في أدوار لا تتعلق بتكليفها، مثل نزع السلاح، وهو أمر لن توافق عليه الدول المشاركة.

وأكد رشوان، الخميس، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن «محاولات نتنياهو قد تؤدي إلى تأجيل أو إبطاء التنفيذ، لكنها لن تنجح في إيقاف المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يسعى بكل السبل لتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ودفع واشنطن إلى مواجهة مع طهران، بما قد يعيد إشعال غزة ويُفشل المرحلة الثانية من الاتفاق».

والخميس، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية - الإيرانية.

أمين عام «مركز الفارابى للدراسات السياسية»، الدكتور مختار غباشي، قال إن التصريحات المصرية واضحة وصريحة، وتحمل رسائل للكيان الإسرائيلي وواشنطن قبل الزيارة المرتقبة، مؤكداً أن الغضب المصري عندما يصل لهذه المرحلة من الرسائل المباشرة، تضع واشنطن في حساباتها الوصول لنقطة تقارب بين القاهرة وتل أبيب.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن التصريحات المصرية تحمل في طياتها رسائل ومخاوف حقيقية من ترسيخ إسرائيلي للوضع القائم من منظور أمني وليس سياسياً، على أمل أن تتحرك واشنطن بجدية لوضع نهاية له.

منازل مدمرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا يتوقف الموقف المصري عند مجرد المخاوف، بل يحمل تحذيرات واضحة، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، في مقابلة مع التلفزيون المصري، إن «هناك خطين أحمرين في غزة، الخط الأحمر الأول يتمثل في عدم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا مستحيل، المنطقتان تشكلان وحدة واحدة لا تتجزأ للدولة الفلسطينية القادمة، والخط الأحمر الثاني عدم تقسيم قطاع غزة».

وأضاف أن «الكلام اللغو الذي يقال عن وجود تقسيم القطاع إلى مناطق حمراء وخضراء أو أن الأماكن التي تقع تحت سيطرة إسرائيل مباشرة تأكل وتشرب وترى إعماراً، بينما الـ90 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في الغرب تحت دعاوى أن (حماس) موجودة لا يأكلون ولا يشربون، هذا عبث ولن يتم ولن يتم التوافق عليه».

وفي ضوء ذلك، شدد مختار غباشي على أن مصر عندما تعلن خطوطاً حمراء، فهذا حد فاصل، وثمة مخالفات على أرض الواقع غير مقبولة، للقاهرة، مشيراً إلى أن القاهرة تتعمد هذه الرسائل في هذا التوقيت على أمل أن تعزز مسار الوسطاء نحو بدء المرحلة الثانية قريباً، خاصة أنه «إذا أرادت واشنطن فعلت ما تريد، خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بضغط على الكيان لوقف مساراته المعرقلة للاتفاق».

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الخميس، أن لقاء نتنياهو وترمب المرتقب سيختتم ببيان عن التقدم المحرز نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.

وأكد رشوان أن جميع الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية حسمت موقفها من بدء المرحلة الثانية مطلع يناير المقبل، لافتاً إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في 29 ديسمبر الحالي يرجح أن يكون إشارة الانطلاق الفعلية للمرحلة الثانية دون لبس.

ويتوقع نزار نزال أن يحاول نتنياهو في مقابلة ترمب، تمرير سردية بقاء إسرائيل في الخط الأصفر وتقسيم غزة وبدء الإعمار في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، موضحاً: «لكن الرسائل المصرية التحذيرية خطوة استباقية لتفادي أي عراقيل جديدة أو تناغم أميركي إسرائيلي يعطل مسار الاتفاق».


ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.


بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
TT

بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)

بعد 9 أشهر من الإنكار والتكتم، أقرّت الجماعة الحوثية بخسارة إحدى أهم وحداتها القتالية، مع تشييع قائد سلاح الطيران المسيّر اللواء زكريا حجر وعدد من أبرز معاونيه، الذين يرجح أنهم قُتلوا في غارة أميركية استهدفتهم داخل أحد المنازل بحي الجراف شرق صنعاء خلال شهر رمضان الماضي.

الاعتراف الحوثي المتأخر أعاد فتح ملف الخسائر العسكرية الثقيلة التي مُني بها جناح الجماعة العسكري، وكشف جانباً من حجم الضربات التي طالت بنيته القيادية والتقنية خلال الأشهر الماضية.

وجاء هذا الإقرار من قبل الجماعة المتحالفة مع إيران بعد أشهر من إقرار مماثل بمقتل رئيس هيئة أركانها محمد الغماري، عبر مراسم تشييع نُظمت في صنعاء.

وشملت مراسم تشييع حجر، التي أقيمت الخميس، كلاً من مدير العمليات في وحدة الطيران المسيّر اللواء محمد الحيفي، واللواء عبد الله حجر، والعميد أحمد حجر، والعميد حسين الهاشمي. ويُعد هؤلاء من أبرز القادة في وحدة الطيران المسيّر التي أُنشئت بإشراف وتدريب مباشر من الحرس الثوري الإيراني والجناح العسكري لـ«حزب الله» اللبناني، وشكّلت خلال السنوات الماضية أحد أهم أذرع الحوثيين في تنفيذ الهجمات العابرة للحدود.

الحوثيون تعمّدوا التكتم على خبر مقتل حجر 9 أشهر (إعلام محلي)

وعلى الرغم من أن هذه الخسارة تُعد ثاني أكبر خسارة تعترف بها الجماعة بعد مقتل الغماري، فإن اللافت في مراسم التشييع كان الغياب شبه الكامل للقيادات العسكرية البارزة. إذ غاب وزير دفاع الجماعة محمد العاطفي، الذي تُرجّح مصادر إصابته في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً للحكومة غير المعترف بها في نهاية أغسطس (آب) الماضي، ومنذ ذلك الحين اختفى عن الأنظار.

كما غاب رئيس هيئة الأركان الجديد يوسف المدني، إلى جانب معظم القادة العسكريين، واقتصر الحضور على مفتي الجماعة شمس الدين شرف الدين، والقائم بأعمال رئيس الحكومة غير المعترف بها محمد مفتاح، في مؤشر فسّره مراقبون بحجم الإرباك الذي تعانيه القيادة العسكرية للجماعة.

ضربات موجعة

يرى مراقبون عسكريون أن الهجمات الأميركية التي استهدفت مخابئ القادة الحوثيين ومخازن أسلحتهم ومراكز القيادة والسيطرة، قبل التوصل إلى هدنة بين الطرفين، كادت أن تُخرج القوة الصاروخية وسلاح الطيران المسيّر عن الخدمة. فقد خسر الحوثيون خلال تلك الضربات أبرز كوادرهم المتخصصة، من قائد الوحدة ومسؤول العمليات والدراسات، إلى المسؤولين التقنيين والمشرفين على ورش تركيب وتجهيز الطائرات المسيّرة، إضافة إلى مختصين بعمليات الإطلاق والتوجيه.

غياب القادة العسكريين لجماعة الحوثي عن مراسم التشييع (إعلام محلي)

وفي هذا السياق، وصفت منصة «ديفانس أونلاين» المتخصصة في الشؤون العسكرية والأمنية زكريا حجر (39 عاماً) بأنه خبير محوري في منظومة الصواريخ وبرنامج الطيران المسيّر لدى الحوثيين، وأحد الفنيين الذين عملوا إلى جانب خبراء ومستشارين من «الحرس الثوري» و«فيلق القدس»، إضافة إلى جنسيات عربية، على تطوير القدرات القتالية للجماعة.

وأشارت المنصة إلى أن حجر يرتبط بعلاقة مصاهرة مع عائلة عبد الملك الحوثي، وأن عدداً من إخوته وأفراد أسرته يشغلون مواقع مهمة داخل هياكل الجماعة.

وحسب المعلومات، جرى تعيين حجر عقب اجتياح صنعاء ضمن هياكل وزارة الدفاع التابعة للجماعة، ومنح رتبة عسكرية رفيعة، قبل أن يتولى الإشراف على برنامج الطيران المسيّر ضمن منظومة «القوة النوعية» المرتبطة بالمجلس الجهادي للحوثيين. وتؤكد مصادر متطابقة أن هذه الوحدة لعبت دوراً رئيسياً في الهجمات التي استهدفت العمق اليمني ودول الجوار وخطوط الملاحة الدولية.

اعترافات متأخرة

تشير منصة «ديفانس أونلاين» إلى أن حجر يُعد من العناصر المطلوبين للقضاء اليمني، وقد ورد اسمه ضمن قائمة قيادات خضعت للمحاكمة أمام القضاء العسكري في مأرب منذ مطلع 2022، بتهم تتعلق بالتمرد والقتل والإرهاب.

كما أدرجه التحالف الداعم للشرعية ضمن قوائم الإرهاب في أغسطس (آب) من العام نفسه، إلى جانب أربعة آخرين، لارتباطهم المباشر بعمليات إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، وتهريب الأسلحة الإيرانية، والمشاركة في الهجمات على الشحن الدولي في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن.

ويؤكد الصحافي المتخصص في شؤون الحوثيين، عدنان الجبرني، أن وحدة الطيران المسيّر تلقت «ضربات قاتلة» جراء الغارات الأميركية التي نُفذت خلال الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وأوضح أن حجر قُتل في غارة استهدفت منزلاً بحي الجراف، ومعه اثنان من أبرز مساعديه، أثناء تناول وجبة الإفطار في شهر رمضان، إلا أن الجماعة فرضت تعتيماً مشدداً على هوية المستهدفين.

ناشطون حوثيون كشفوا عن مقتل ثمانية من أشقاء حجر خلال تجنيدهم مع الجماعة (إكس)

وفي نعي آخر، أقرت قيادات حوثية بأن حجر قُتل قبل مصرع محمد الغماري، الذي يُرجّح أنه لقي حتفه في غارة استهدفت منزلاً بحي حدة جنوب صنعاء، كان الحوثيون قد استولوا عليه وحولوه إلى مركز للعمليات العسكرية، رغم ترويج شائعات آنذاك عن نجاته ومغادرته المكان قبل دقائق من الضربة.

وتجمع مصادر حكومية ومراقبون على أن هذه الخسائر القيادية والتقنية كانت عاملاً رئيسياً وراء عرض الحوثيين هدنة مع الجانب الأميركي، التزموا بموجبها بوقف استهداف السفن في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، مقابل وقف الضربات الأميركية التي استهدفت قيادات مهمة في جناحهم العسكري، ودمرت مخازن سرية للأسلحة ومراكز للقيادة والسيطرة في صنعاء وصعدة والحديدة.

ويذهب هؤلاء إلى أن الاعتراف المتأخر بمقتل قادة الطيران المسيّر يعكس حجم الضرر الذي أصاب أحد أهم أذرع الجماعة، ويؤشر إلى مرحلة جديدة من إعادة ترتيب الصفوف تحت ضغط الخسائر.