الدور المخرب لقوس إيران الايديولوجي

أذرعها تمتد من العراق وسوريا ولبنان وتقفز إلى اليمن

مقاتل يمر بجانب دبابة تحمل شعارات وأعلام «حزب الله» في القلمون (أ.ف.ب)
مقاتل يمر بجانب دبابة تحمل شعارات وأعلام «حزب الله» في القلمون (أ.ف.ب)
TT
20

الدور المخرب لقوس إيران الايديولوجي

مقاتل يمر بجانب دبابة تحمل شعارات وأعلام «حزب الله» في القلمون (أ.ف.ب)
مقاتل يمر بجانب دبابة تحمل شعارات وأعلام «حزب الله» في القلمون (أ.ف.ب)

في الثامن من شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، زار زعيم «عصائب أهل الحق» العراقية المنضوية تحت الحشد الشعبي العراقي، قيس الخزعلي، الحدود اللبنانية الإسرائيلية، متفقداً مواقع المقاومة ومهدداً العدو الإسرائيلي.
وقال في مقطع الفيديو الذي تم تسريبه على الإنترنت: «نحن هنا مع (حزب الله) نعلن استعدادنا التام للوقوف جنباً إلى جنب مع الشعب اللبناني والقضية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي».
وفي الوقت الذي يمكن تفسير بيان الخزعلي بالحيلة الإعلامية لمحاولة صرف النظر عن تقاعس «حزب الله» في الرد على قرار الرئيس الأميركي ترمب القاضي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، فإنه يشير أيضاً إلى تقارب مصالح الميليشيات الإقليمية الموالية لإيران، مما قد يسمح لطهران بإنشاء قوس أمني يمتد من طهران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.
لقد استند توسع إيران في بلاد الشام إلى سياسة مزدوجة اعتمدت على نشر الميليشيات الشيعية الأجنبية وعلى إنشاء الفصائل العراقية والسورية الموالية لطهران على غرار «حزب الله» اللبناني. فإيران نشرت أكثر من 34 ألف مقاتل أجنبي في سوريا «من بينهم الفاطميون الأفغان، والزينبيون الباكستان، والعراقيون «حيدريون»، فضلاً عن مقاتلي (حزب الله) الذين كان عددهم يتراوح بين ألفين و10 آلاف مقاتل اعتماداً على متطلبات العمليات العسكرية» وفق الخبير المتخصص في الشؤون السورية سمير حسن.
كما لعبت الميليشيات العراقية و«حزب الله» دوراً بارزاً في حلب، من خلال قيادة الهجمات العسكرية. ونقلاً عن عناصر من «حزب الله»، فإن الحزب شارك في غرفة العمليات المشتركة خلال معارك أُديرت بالتعاون مع الإيرانيين والروس.
لقد استفادت إيران من هشاشة الدولة السورية لإنشاء الوكلاء المحليين وتدريبهم ودعمهم، على غرار نموذجها في لبنان والعراق. فمنذ عام 2012 عززت الجماعات المسلحة والممولة من إيران قبضتها على الأرض في سوريا. وشملت هذه المشاريع الإيرانية عدة مجموعات، مثل قوات الدفاع الوطني التي أنشئت في عام 2012 تحت إشراف إيراني كقوة لمكافحة التمرد، والتي في مرحلة من المراحل شكلت -وفق أرون لوند، الخبير المتخصص في الشؤون السورية- أكبر الميليشيات التي تم إنشاؤها من خلال إعادة تسمية، وإعادة هيكلة، ودمج اللجان الشعبية المحلية وغيرها من الجماعات المسلحة الموالية للأسد. ومع ذلك كان من الصعب على قوات الدفاع الوطني أن تكون متجانسة مع الجيش، لعدد كبير من الاعتبارات أهمها الآيديولوجية العسكرية.
إلى جانب قوات الدفاع الوطني، هناك مجموعة من الميليشيات الخاصة بمنطقة حلب المعروفة باسم قوات الدفاع المحلية التي تضم عدداً من الميليشيات المحلية مثل: كتائب النيرب، ولواء الباقر، وفوج السفيرة، وفوج نبل والزهراء. وفي هذا الصدد يشرح حسن: «إن هذه الفصائل مثل فوج نبل والزهراء الذي يضم 5000 مقاتل، مدربة تدريباً جيداً من قبل (حزب الله)، والأهم من ذلك هي أكثر تماسكا وأقوى من الفصائل الأخرى نظراً إلى الآيديولوجيا التي تحركها».
ويشدد الباحث أيمن جواد التميمي على أن التوجه الجديد هو لدمج هذه الميليشيات الموالية لإيران ضمن قوات الدفاع المحلية التي تعد الآن جزءاً من الجيش. ففي أبريل (نيسان) من العام الماضي، أصدرت دائرة التسلح السورية تعميماً يحدد عملية دمج قوات الدفاع المحلية داخل الجيش، وعلى الأرجح ستحل قوات الدفاع شيئاً فشيئاً محل الفصائل الأجنبية الموالية لإيران المنتشرة في سوريا.
والمعلوم أن هذا الأسلوب ليس بجديد بل سبق أن تم اعتماده في العراق مع قوات الحشد الشعبي العراقية وفي لبنان مع «حزب الله»، اللذين أصبحا لاعبين لا يمكن تجنبهما في بلدانهما وتم إدماجهما في الحياة السياسية، وذلك بفضل سياسة طويلة الأجل اعتمدت على جذب قلوب وعقول السكان.
ففي العراق، تعود نشأة قوات الحشد الشعبي، كمفهوم، إلى فتوى آية الله علي السيستاني التي أصدرها في 13 يونيو (حزيران) 2014، حيث دعت الفتوى جميع المواطنين القادرين، للدفاع عن البلاد وشعبها وشرفها وأماكنها المقدسة ضد «داعش». ومع انتهاء الحرب ضد «داعش» وخسارته للسلطة، لم يعد من سبب يبرر استمرار وجود هذه القوات. وبما أن فتوى السيستاني كانت مشروطة ومؤقتة، لم يكن استمرار صلاحيتها ليحظى في نهاية المطاف بمساندة دينية مشروعة. وفي 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، أقر البرلمان العراقي قانون هيئة «الحشد الشعبي» الشيعية، الذي قضى بأن يصبح الحشد الشعبي تشكيلاً عسكرياً مستقلاً وجزءاً من القوات المسلحة العراقية ليغدو بذلك جزءاً من الجيش العراقي رسمياً، أي أن هذا القانون سمح بتكوين جيشين متوازيين، أحدهما يستمد قوته من العقيدة العسكرية الغربية والآخر من الاعتبارات الدينية المحلية. وقد اتُّبع هذا التحرك هذا العام مع «فصل» قادة وحدة الحشد عن الفصائل العسكرية بهدف الترشح للانتخابات في تشكيلات مختلفة.
أما على الساحة اللبنانية، فإن «حزب الله» المدعوم من إيران يحظى بتأييد واسع من المجتمع الشيعي، وللحزب أعضاء في البرلمان، وله وزراء في الحكومة، الأمر الذي يجعل من الصعب جداً إن لم يكن من المستحيل فصله عن الدولة.
ناهيك بأن الحزب تحول إلى قوة خارجية أجنبية، وتمكن من نشر ما بين 2000 و10 آلاف مقاتل في سوريا. وقادت قواته عمليات عسكرية هجومية منسقة مع جيوش أخرى وشاركت في غرفة العمليات المشتركة مع إيران وروسيا. كما لعب دوراً بارزاً في تدريب الميليشيات الموالية للنظام وفقاً لمقابلات سابقة مع مقاتلي «حزب الله»، «ولدى الحزب قادة ومستشارون داخل قوات الدفاع الوطني السوري وقوات الدفاع المحلي»، حسب مقاتل من «حزب الله»، ما يؤكد الدور القيادي الذي تلعبه إيران في دعم وتدريب هذه القوات.
من ناحية ثانية، عمد الحزب إلى تعزيز ترسانته من الصواريخ أرض-أرض الموجهة، «فحزب الله وإيران والسوريون كانوا يطورون أشكالاً مختلفة من صواريخ (فتح – 110) الإيرانية، فعملوا مثلاً على تقليص حجم الرؤوس الحربية من أجل زيادة مدى الصواريخ وتعزيز أنظمة التوجيه فيها. ويشرح نيكولاس بلاندورد الخبير المختص في شؤون (حزب الله)، أن القدرة على ضرب أهداف دقيقة في إسرائيل في حالة مواجهة بين الطرفين لها أهمية حاسمة لـ(حزب الله)».
رغم ذلك، إن النجاح الأكبر الذي ستحققه إيران يبقى مرتبطاً بالعلاقات الضيقة بين الفصائل العراقية والسورية واللبنانية. إلا أن ما يميز «حزب الله» عن الفصائل الأخرى هي الآيديولوجية التي يعتنقها مقاتلوه، على حد قول مقاتل من «حزب الله»، الذي يضيف «أن الفصائل الأقوى في سوريا هي تلك التي يديرها (حزب الله) عسكرياً وآيديولوجياً».
إن آيديولوجية «حزب الله» متجذرة في الآيديولوجية الإسلامية الإيرانية العالمية، وهي التزام بتصدير الثورة الإسلامية، بحيث تؤكد ديباجة دستور الجمهورية الإسلامية هذا الالتزام بمواصلة الثورة في الخارج من أجل خلق «مجتمع موحد وعالمي من المؤمنين (الأمة)». التزام تمت ترجمته بنجاح في العراق ولبنان.
وعليه، هل تكون إيران قد نجحت في بناء قوس دولي شبه عسكري متماسك آيديولوجيا يمتد من العراق وسوريا إلى لبنان؟ يقول أحمد، أحد مقاتلي «حزب الله»: «إن (حزب الله) اللبناني ليس وحده، بل هناك (حزب الله سوريا) و(حزب الله العراق)، لا أقصد حرفياً، بل ككيان منظم يتقاسم نفس الآيديولوجية والغرض في المنطقة، وجميع هذه الفصائل في العراق وسوريا ولبنان ستقاتل معاً في الحرب المقبلة».
* زميل مشارك
في {مركز الملك فيصل
للأبحاث والدراسات الإسلامية»



مصريون يلتمسون «تدخلاً رئاسياً» لحل مشاكلهم

أحد فروع محلات «بلبن» عقب إغلاقها (صفحة الشركة - فيسبوك)
أحد فروع محلات «بلبن» عقب إغلاقها (صفحة الشركة - فيسبوك)
TT
20

مصريون يلتمسون «تدخلاً رئاسياً» لحل مشاكلهم

أحد فروع محلات «بلبن» عقب إغلاقها (صفحة الشركة - فيسبوك)
أحد فروع محلات «بلبن» عقب إغلاقها (صفحة الشركة - فيسبوك)

حفّز تدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أزمة سلسلة محال «بلبن»، التي أثارت ضجة كبيرة الأيام الماضية، قطاعات واسعة من المصريين، التمسوا حل مشاكلهم عند رئيس البلاد.

ووجَّه مصريون استغاثات مرئية ومكتوبة عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي يطلبون فيها تدخل الرئيس لحل شكاوى «يُفترض حلها على مستويات تنفيذية أقل»، وهو ما دعا برلمانيون لمطالبة الجهات المعنية بـ«التخفيف عن كاهله».

كانت السلطات المصرية قد أغلقت سلاسل محال «بلبن» للحلوى، وأرجعت ذلك إلى «استخدام مكونات ضارة»، و«عدم استيفاء الأوراق الرسمية لتشغيل بعض الفروع»، وهو ما دعا الشركة إلى نشر استغاثة للرئيس السيسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في 18 أبريل (نيسان) الحالي، مشيرة إلى أن غلق 110 فروع لها يضر بنحو 25 ألف عامل وعائلاتهم.

وفي اليوم التالي، أعلن مجلس الوزراء المصري، وفق «توجيهات رئاسية»، عن التواصل مع مالكي السلسة لعقد اجتماع تنسيقي لإيضاح الإجراءات التصحيحية والوقائية المطلوب اتخاذها نحو إعادة النشاط في حال توفيق وتصحيح الأوضاع في أقرب وقت، وهو ما دعا الشركة لتوجيه رسالة شكر إلى الرئيس.

ومع سرعة حل الأزمة، توالت الاستغاثات الموجهة إلى السيسي، كل يلتمس حل أزماته عند بابه، بداية من أهالي قرية سرسنا في محافظة الفيوم جنوب العاصمة الذين شكوا إليه «قلة المشروعات» في القرية، وأزمة المواصلات بها، مروراً بمعلمين تتعاقد معهم وزارة التربية والتعليم بنظام «الحصة»، مطالبين بتعيينهم.

وصمم المعلمون شعاراً لحملتهم على غرار تصميم شعار محل «بلبن»، وبألوانه نفسها.

وكتب المعلم تامر الشرقاوي على مجموعة تواصل خاصة بهذه الفئة من المدرسين أنهم يريدون أن يرسلوا استغاثة للرئيس للاهتمام بقضيتهم على غرار ما حدث مع شركة «بلبن»، وهو اقتراح لاقى تفاعلاً كبيراً.

شعار صممه معلمون مؤقتون مستلهمين شعار محلات «بلبن» الشهيرة (فيسبوك)
شعار صممه معلمون مؤقتون مستلهمين شعار محلات «بلبن» الشهيرة (فيسبوك)

ولم تقتصر الاستغاثات على طلبات موجهة من مجموعات، فكانت بعضها شخصية، مثل استغاثة وجهها الدكتور جودة عواد بعد صدور قرار من نقابة الأطباء يمنعه من مزاولة المهنة لمدة عام، لـ«ترويجه عقاقير» عبر صفحاته، واستخدامه «أساليب جديدة في التشخيص والعلاج لم يكتمل اختبارها بالطرق العلمية»، حسب بيان وزارة الصحة.

وناشد عواد الرئيس بالتدخل لرفع «الظلم عنه»، وقال إن «صفحات استغلت صورته وركَّبت فيديوهات تروج للأدوية».

وحملت بعض المناشدات اقتراحات مثل عودة «عساكر الدورية» ليجوبوا الشوارع، مع زيادة الحوادث، حسب استغاثة مصورة وجهها أحد المواطنين للرئيس عبر تطبيق «تيك توك».

وبينما أقر أعضاء بمجلس النواب بحقيقة أن تدخل الرئيس يسرع بالحل فعلياً، أهابوا بالقطاعات المختلفة سرعة التحرك لحل المشاكل المنوطة بها تخفيفاً عن كاهله.

ومن هؤلاء النواب مصطفى بكري الذي قال إن تدخل الرئيس في بعض المشاكل وقضايا الرأي العام «يضع حداً للإشاعات والأكاذيب، ويرد الاعتبار لحقوق الناس التي يسعى البعض إلى إهدارها»، لكنه طالب الجهات المعنية عبر منصة «إكس» بالتخفيف عنه والتحرك لحل المشاكل وبحث الشكاوى.

اتفق معه النائب فتحي قنديل، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «الرئيس على عاتقه الكثير من المسؤوليات والأعباء. يجب على المواطنين أن يدركوا ذلك، وألا يوجهوا كل استغاثة إليه، خصوصاً أن بعض هذه المشاكل تكون مفتعلة»، وطالب موظفي الدولة «بعدم التعنت أمام المواطنين والعمل على حل مشاكلهم».

ويرى النائب البرلماني السابق ومنسق الاتصال بأمانة القبائل والعائلات المصرية بحزب «الجبهة الوطنية»، حسين فايز، أنه على الرغم من الأعباء التي تُلقى على عاتق الرئيس بكثرة المناشدات «فإن ذلك أيضاً يعزز مكانته لدى الشارع».

وسبق أن تدخل السيسي لحل أزمات أو تحقيق آمال مواطنين بعدما ظهروا عبر مواقع التواصل أو في أحد البرامج التلفزيونية. ففي سبتمبر (أيلول) 2021، أجرى اتصالاً على القناة الأولى المصرية، عقب عرض تقرير مصور عن سيدة تعمل في مهنة «الحدادة» لإعالة أسرتها وتطلب توفير شقة، وهو ما استجاب له الرئيس.

ويعدّ أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور سعيد صادق، أن نمط توجيه استغاثات إلى الرئيس «راسخ في المجتمع المصري»، إيماناً بأن مجرد تدخله سيحل المشاكل فوراً. وعدّ أن ذلك يعكس «مركزية الدولة».