تنطلق أحاديث المصريين في السياسة من وسائل المواصلات وحتى مكاتب العمل، ومرورا بالأسواق ووصولاً إلى جلسة أصدقاء المقهى يتواصل الكلام بدرجات متفاوتة بين التصريح والتلميح، غير أن السياسة أطلت مؤخراً من مائدة الطعام نفسها؛ إذ امتزج خلال اليومين الماضيين صياح الباعة الذين يروجون لـ«فرخة مجمدة بسعر 15 جنيها»، مع صرخات آخرين يحذرون من انتهاء صلاحيتها.
ورغم ما بدا عليه السعر المخفض للدواجن المستوردة (كانت تباع بـ29 جنيها للواحدة وزن 900 جرام) والذي طرحته وزارة التموين، من فرصة سانحة لعائلة مصرية متوسطة العدد بدأت لتوها دخول ماراثون الفصل الدراسي الثاني، من انخفاض سعر الدجاجة بنسبة تقارب 50 في المائة، لكن اعتياد الجيوب على الأسعار وزيادتها خاصة بعد تحرير صرف العملة المحلية، أثار شكوكاً في قلوب البعض، وتقلصاً في أمعاء البعض الآخر.
الحكومة بدورها حاولت طمأنة القلقين، عن طريق وزير التموين علي مصيلحي، والذي قال، إن «الدولة استوردت 46 ألف طن من الدجاج المجمد منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، فيما ستنتهي صلاحيتها خلال مارس (آذار) المقبل»، وشدد على أنها «سليمة سليمة 100 في المائة».
وفي المقابل، حذرت «شعبة الدواجن» التابعة لاتحاد الغرف التجارية، من «صلاحية الدواجن المطروحة»، لكن وزير التموين قال في المقابل إن «شائعات فساد شحنة الدواجن سببها أصحاب المصلحة والمتضررين من خفض الأسعار».
ووفق بيانات «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» فإن متوسط نصيب الفرد من لحوم الدواجن والطيور في عام 2016 بلغ 10.1 كيلوغرام في السنة، متراجعاً بذلك عن معدلات العام السابق عليه والتي 10.7 كيلوغرام للفرد سنوياً.
وزادت الحكومة في محاولات الطمأنة بإعلان وزارة الصحة والسكان «أن الدواجن البرازيلية المستوردة صالحة للاستهلاك الآدمي وصلاحيتها سارية، وأن 3 جهات رقابية هي وزارة الصحة والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، والهيئة العامة للخدمات البيطرية، فحصت تلك الشحنات».
وتبدو علاقة المصريين بالدواجن، صورة مُصغرة مُقسمة بين السياسة والغذاء، وبينما تسجل ذاكرة من تجاوز أعمارهم الخمسين عاماً ظهور «الفراخ المستوردة» للمرة الأولى في المجتمع المصري في أواسط سبعينات القرن الماضي، إبان عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، ضمن ما عُرف حينها بـ«الأمن الغذائي»، والتي انتهى رمزها الأهم رجل الأعمال، توفيق عبد الحي، مُتهماً باستيراد مئات الأطنان من الدواجن الفاسدة ما اضطره للهرب خارج البلاد لأكثر من عشرين سنة، ورغم «السمعة السيئة» التي أحاطت بالظاهرة لكنها لا تزال قائمة.
وتشير تقديرات اتحاد الغرف التجارية إلى أن حجم إنتاج الدواجن في مصر يبلغ مليار دجاجة سنوياً، فيما يمثل ذلك نحو 90 في المائة من حجم الاستهلاك، ويتم تغطية الفجوة عن طريق الاستيراد.
ويدعو أستاذ الاقتصاد الزراعي، يحيى متولي، إلى النظر وفق رؤية شاملة لمنظومة الإنتاج المصري المحلي من الدواجن واعتبارها هدفاً للتنمية يمكن من خلاله النفاذ إلى أسواق أفريقية وأوروبية، لافتاً إلى أن الفجوة بين ما يتم استيراده واستهلاكه لا تتجاوز 10 في المائة، ومن السهل تعويضها».
ويشرح أن الاتجاه لتقليل التكاليف بالنسبة للمنتجين المحليين، يمكن أن «يكون باباً لتعظيم الفوائد، وتجاوز الجدل الدائر بشأن صلاحية أو فساد المنتجات المستوردة من الدواجن».
وفيما بدا تفاعلاً مع المخاوف المتواصلة من احتمالية «فساد شحنات الدجاج المستورد»، أعلن مركز المعلومات التابع لرئاسة مجلس الوزراء، أول من أمس، أنه «في إطار خطة الدولة لإتاحة وتوفير السلع الأساسية والاستراتيجية بأسعار مناسبة وبسبب المنافسة وزيادة المعروض فقد تم تخفيض سعر كيلو الدواجن المستوردة».
وناشد «المواطنين بأهمية شراء الدواجن من منافذ التوزيع التابعة لوزارة التموين فقط، وذلك لضمان جودتها وحفظها وتجميدها بطريقة سليمة، حتى لا تفسد وتضر بصحة المواطن، وتجنب المنافذ المجهولة».
المصريون و«الفراخ» المستوردة... السياسة على مائدة الطعام
بدأت في عهد السادات... وطرحها بأسعار مخفضة مؤخراً أثار الشكوك
المصريون و«الفراخ» المستوردة... السياسة على مائدة الطعام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة