رحيل الفنان نهاد طربيه في باريس

كان يستعد لتسجيل أغان «ميدلي» لفريد الأطرش

الفنان نهاد طربيه
الفنان نهاد طربيه
TT

رحيل الفنان نهاد طربيه في باريس

الفنان نهاد طربيه
الفنان نهاد طربيه

كان في طريقه من مطار شارل ديغول إلى منزله في العاصمة باريس، عائداً من زيارة له إلى لبنان، عندما عاجله الموت في سيارة الأجرة التي يستقلها، وفارق الحياة على أثر نوبة قلبية فاجأته.
المطرب اللبناني نهاد طربيه الذي أمضى نحو ثلاثة أشهر بين أحضان أهله في بلدته صوفر، قبل أن يقرّر العودة إلى مقره الدائم في باريس، غادرهم على أمل اللقاء القريب بهم، إلا أن الموت كان له بالمرصاد، فكانت زيارته الأخيرة لأهله وأقربائه. «سكت القلب الكبير» تقول شقيقته أندريه طربيه خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»، وتضيف: «كان يتمتع بكامل صحته، يتنقل بيننا كالفرحة بقامته ورشاقته، لم يكن يتسنى لنا رؤيته كثيراً لانشغاله الدائم بتسجيل أغان جديدة في الاستوديو الذي يملكه في صوفر. غادرنا على أمل اللقاء القريب، وتكلّم معنا لحظة وصوله منزله، فكان آخر اتصال لنا معه».
والمعروف أن الفنان الراحل غادر لبنان منذ فترة طويلة إثر اندلاع الحرب. وفي باريس فتح قنوات اتصال فنية كبيرة ساعده فيها الإعلامي الراحل حكمت وهبي، حين كان يعمل في إذاعة «مونت كارلو». وحسب ما ذكرت لنا شقيقته، فقد تلقت اتصالاً من رئيس الجمهورية ميشال عون ومن وزراء عدة يعزونها بفقدانها شقيقها: «لم يقصروا وأنا ممتنة لهم». وعما إذا سيُكرّم على مستوى الدولة في الجنازة التي ستُنظّم له في بلدته صوفر أجابت: «لا أعرف، لكن تناهى إلى مسمعي بأنه سيُمنح وساماً رفيعاً من قبل الدولة اللبنانية».
اشتهر نهاد طربيه بأغانٍ كثيرة «بدنا نتجوز عالعيد»، و«يا أميرة يا بنت الأمرا»، و«أنا فلاح وأبوي فلاح» و«طيب جداً» وغيرها. وعُرف عنه تأثره بفريد الأطرش الذي كان يعتبره قدوته في الفن. «لقد كان يحضر لتسجيل (ميدلاي) أغان لفريد الأطرش مثل (قلبي ومفتاحو) و(يا جميل) وغيرها»، يقول الموسيقي إحسان المنذر في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «كنت على اتصال دائم معه عبر الرسائل الإلكترونية «واتساب» وغيرها، ولقد فوجئت بخبر رحيله، ولا سيما أنه لم يتسنَ لي رؤيته خلال وجوده في لبنان. لقد فقدنا عزيزاً وغالياً، فهو من الكبار الذين غادرونا على غفلة، ونشعر بالأسى والحزن على فراقه».
أما ابن بلدته عفيف شي، فأشار إلى أن طربيه لا تنحصر قيمته الفنية في لبنان فقط، بل على مدى الوطن العربي. وهو إلى جانب موهبته الغنائية كان عازف عود محترفاً وصاحب فكر فني راق». وختم: «رحيله شكّل فاجعة بالنسبة لنا فهو لم يتجاوز الـ69 من عمره، ولقد أوكلتني نقابة الفنانين المحترفين في لبنان القيام بترتيبات رفيعة المستوى على جميع الأصعدة خلال الجنازة التي ستقام له في صوفر».
سافر أخوا نهاد طربيه مع لفيف من أفراد عائلته إلى باريس، ليعودوا بجثته إلى مسقط رأسه على أمل أن تنتهي الإجراءات الخاصة بهذا الموضوع خلال يومين، وتقام له صلاة الجنازة إثرها.
لقّب الفنان الراحل بـ«أمير الغناء» وبـ«الصوت الجبلي»، وتعدّدت الألوان الغنائية التي قدّمها خلال مشواره الفني والتي ركز فيها على الغناء الشعبي القريب من الناس بالكلمة واللحن. نال تكريمات وأوسمة عدة، وشارك في برامج الهواة ولمع نجمه في الثمانينات ويتذكره اللبنانيون ضيفاً مرحباً به في برنامج «استوديو الفن»، للمخرج سيمون أسمر. كرّمته «لجنة رواد الشرق» في عام 2011، على إنجازاته في عالم الغناء والتلحين. ابتعد عن الفن لفترة، بسبب الحرب اللبنانية ثم لاحقاً بسبب الأزمات الصحية المتتالية التي ألمت به، فكان يعاني من مرض القلب وداء السكري في سنواته الأخيرة.
فنانون كثر نعوا نهاد طربيه عبر حساباتهم الخاصة على «تويتر» و«فيسبوك»، ووصفته غالبيتهم بحبة من عنقود زمن الفن الجميل الذي راحت حباته تتساقط الواحدة تلو الأخرى منذ فترة. فرحل الكثير منها أمثال سمير يزبك وملحم بركات ووديع الصافي وصباح، وغيرهم.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.