باريس تستضيف اليوم اجتماعين حول سوريا والأسلحة الكيماوية

TT

باريس تستضيف اليوم اجتماعين حول سوريا والأسلحة الكيماوية

حدثان اثنان تستضيفهما العاصمة الفرنسية اليوم وكلاهما على علاقة بالحرب في سوريا وتشعباتها: الأول، مؤتمر وزاري يضم ممثلي 26 بلدا وثلاث منظمات دولية وغرضه إطلاق شراكة دولية لمحاربة إفلات المسؤولين عن اللجوء إلى السلاح الكيماوي من العقاب.
والمبادرة جاءت من فرنسا وبعد أن تبين، في حالة سوريا، أن الآليات المتوافرة للأسرة الدولية ممثلة بمجلس الأمن الدولي لم تكن فاعلة فيما خص استخدام السلاح الكيماوي المتكرر بسبب لجوء روسيا لسلاح الفيتو. وآخر مثل على ذلك وأد لجنة التحقيق المشتركة «الأمم المتحدة ومنظمة منع استخدام السلاح الكيماوي» التي كانت مكلفة القيام بالتحقيقات اللازمة في حالات استخدام السلاح الكيماوي في سوريا بسبب مناهضة روسيا التي رفضت تمديد مهمتها رغبة في حماية النظام، الأمر الذي أدى إلى زوالها.
وفي حالة سوريا، قالت مصادر دبلوماسية فرنسية أمس في معرض تقديمها للمؤتمر، إن المعلومات الاستخبارية تفيد أن النظام السوري ما زال يمتلك برنامجا سريا لتطوير وإنتاج السلاح الكيماوي، وبالتالي إن ما قام به في العام 2013 من الكشف عن برنامجه في إطار الصفقة الروسية - الأميركية، لم يكن شاملا ولا صادقا. والأمر الثاني أن موسكو، رغم التواصل الدائم بينها وبين باريس على كافة المستويات الفنية والسياسية، رفضت دوما الأخذ بالأدلة التي وضعت أمام أعينها بشأن هذا الملف، وبالتالي كان من الضروري «رفد الآليات» المتوافرة اليوم بشأن السلاح الكيماوي بآلية إضافية ذات دلالات سياسية بالدرجة الأولى. وتسارع باريس إلى التأكيد أن ما سيصدر اليوم عن المؤتمر «ليس بديلا» عما هو موجود على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. وما سيصدر عنه «إعلان نوايا» ينص على التزامات الدول الحاضرة بشأن ما ستقوم به لوضع حد للإفلات من العقاب، و«لإيجاد رادع» حتى لا يتكرر اللجوء إلى الكيماوي المحظور بموجب معاهدة وقعت في العام 1993 ودخلت حيز التنفيذ في العام 1997.
تقول الجهة الداعية إن اختيار الدول المشاركة تم وفق مبدأ تمثيل كافة المجموعات الجغرافية. لكن النظر باللائحة التي وزعتها الخارجية الفرنسية، أمس، يبين أن نصف المشاركين هم من الأوروبيين «14 بلدا والاتحاد الأوروبي». والدول الباقية هي أساسا من الغربيين «الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك» تضاف إليهم تركيا واليابان وأستراليا. أما الدول العربية المدعوة فهي أربع: المملكة السعودية والإمارات والكويت والمغرب. وحرصت المصادر الفرنسية على التأكيد أن هذه البلدان هي «المؤسسة» وأن اللائحة مفتوحة بطبيعة الحال أمام كافة البلدان التي تتبنى «الإعلان عن الشراكة» التي ستصدر بعد ظهر اليوم. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا لم تدع إلى المؤتمر.
عمليا، ثمة ستة التزامات يتعهد المشاركون بالعمل بها وتدور حول إقامة لوائح للضالعين على مختلف المستويات في إنتاج السلاح الكيماوي والتخطيط لاستخدامه، وتنفيذ ذلك من خلال جمع المعلومات المتوافرة لكل طرف عن الأشخاص والهيئات الاعتبارية وتوفير الأدلة والمحافظة عليها. ويلي ذلك التشارك في المعلومات المتوافرة بين كل الأطراف بما فيها المنظمات الدولية بهدف دفع المسؤولين للمحاسبة أمام العدالة التي يمكن أن تكون وطنية أو إقليمية أو دولية. إضافة إلى ذلك، تنص الالتزامات على توفير المساعدة للدول الراغبة وكذلك الالتزام بالعمل على المستوى الجماعي. وسيصار اليوم إلى إطلاق موقع إنترنت مخصص لنشر أسماء الأشخاص والهيئات الاعتبارية والشركات الضالعة في الملف الكيماوي وسيصار إلى تحديثها مرة كل ستة أشهر.
وفي أي حال، تؤكد المصادر الفرنسية أن الغرض ليس إيجاد آليات تحقيق جديدة أو أجهزة قضائية... لأن «الشراكة» «سياسية» بالدرجة الأولى. ومن الأمثلة العملية أن اللائحة الأولية التي ستنشر غدا فيما خص سوريا ستضم المسؤولين عن البرنامج الكيماوي السوري وتحديدا «مركز البحوث العلمية السوري» الذي يعد، وفق باريس، «الذراع الكيماوية الضاربة» للنظام. وعند السؤال عما إذا كان الأسد أو المقربون منه سيكونون على اللائحة كان الجواب بالنفي، لأن اللائحة «لا تتناول المستوى السياسي». كذلك فإن باريس ستنشر اليوم لائحة تضم 25 شخصا وهيئة وشركة ستفرض عليها عقوبات وتتناول شركة فرنسية وجهات لبنانية، وبالطبع أشخاصا وهيئات سورية. وتؤكد باريس أن العقوبات «يمكن توسيعها» وتأمل أن تعمد الدول المشاركة إلى الاحتذاء بها.
أما الحدث الثاني «وربما الأهم» فيتمثل في الاجتماع الذي سيحصل على هامش المؤتمر لمجموعة من الدول المهتمة بالملف السوري وسيخصص للتطورات الأخيرة فيها.
ولم تشأ المصادر الفرنسية أن تكشف عن لائحة المشاركين». لكن فهم منها أنها «ضيقة» ولن تضم كافة الدول المنضوية عادة تحت مسمى «النواة الصلبة» الداعمة للمعارضة السورية. وسيحضر الاجتماع وزير الخارجية الأميركي ريكس تليرسون وسيتشارك رئاسته مع جان إيف لو دريان. ومن الحضور «إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة الأميركية» المملكة السعودية وتركيا وبريطانيا وألمانيا والإمارات ما يعد نسخة «مصغرة» عن «النواة الصلبة». أما منطلق الاجتماع فهو النظر في التطورات الأخيرة في سوريا بعد انطلاق العملية العسكرية التركية «غصن الزيتون» واقتراب موعد اجتماعين اثنين هما جنيف 9 في مدينة فيينا ومؤتمر سوتشي «روسيا» في الثلاثين من الشهر الجاري. ويريد المجتمعون، وفق المصادر الفرنسية، تحديد الأسس التي يمكن أن تشكل قاعدة للخروج من الحرب وإطلاق المسار السياسي علما بأن لغالبيتها «تحفظات» على آستانة وسوتشي اللتين تتمان بدفع من روسيا و«وفقا لأهدافها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.