صبري موسى يغادر «فساد الأمكنة»

الكاتب المصري أثرى الرواية والقصة القصيرة والسيناريو السينمائي

صبري موسى
صبري موسى
TT

صبري موسى يغادر «فساد الأمكنة»

صبري موسى
صبري موسى

ودعت الأوساط الثقافية المصرية بمشاعر يكسوها الألم والحزن الكاتب صبري موسي، صاحب العطاء المتميز في فضاء الرواية والقصة القصيرة، وأدب الرحلات، وكتابة السيناريو السينمائي. ونعت وزارة الثقافة المصرية موسى الذي غيبه الموت أمس، ببيته بالقاهرة عن عمر ناهز 86 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، ووصفته الوزارة في بيان لها بأنه «أحد أبرز كتاب القصة في مصر» معربة عن تعازيها لأسرة الراحل وأصدقائه ومحبيه.
ولد موسى عام 1932 في مدينة دمياط الساحلية بشمال مصر على البحر المتوسط. وتعلم في مدارسها، ودرس الفنون الجميلة، وعمل في بداية حياته معلما للرسم لمدة عام، ثم امتهن الصحافة بجريدة «الجمهورية» ومنها انتقل إلى مؤسسة «روزاليوسف»، ليعمل بها كاتبا متفرغا، وكان أحد مؤسسي مجلة «صباح الخير» عام 1956.
بدأ رحلته مع الإبداع بكتابة القصة القصيرة بمجلات «الرسالة الجديدة» و«القصة» و«التحرير» و«روزاليوسف» وغيرها قبل أن يصدر مجموعته الأولى «القميص» عام 1958. ثم توالت بعد ذلك أعماله الأدبية، ومن أبرزها المجموعة القصصية «السيدة التي... والرجل الذي لم!»، وروايتا «فساد الأمكنة» و«وحادث النصف متر». ومن أبرز مؤلفاته في أدب الرحلات: «حكايات صبري موسى» و«في البحيرات» و«في الصحراء» و«رحلتان في باريس واليونان». كما كتب السيناريو والحوار لعدد من أفلام من أبرزها «البوسطجي» و«قنديل أم هاشم» المأخوذين عن عملين أدبيين للكاتب يحيى حقي، و«رغبات ممنوعة»، و«أين تخبئون الشمس».
تميز صبري موسي بخيال أدبي جامح ومغامر، وكان أحد الكتاب القلائل الذين أخذوا على عاتقهم تطوير فن السرد القصصي وضخ دماء جديدة في شرايينه فنيا وفكريا. ورغم عطائه المتنوع ظل يصف نفسه بأنه كاتب هاو، وفوضوي إلى حد كبير، يكتب تحت ضغط الضرورة والحاجة الإبداعية، وتسكنه دائما حالة من التوتر مصحوبة بالخوف واليأس والأمل، والإحساس الرهيب بالمسؤولية تجاه القراء، لكنه حين ينغمر في الكتابة لا يشعر بما يدور حوله، عكس الكاتب المحترف الذي يخضع لنظام معين تتسم به حياته، في الكتابة والمعيشة والمأكل والمشرب.
تحت مظلة هذه المغامرة ومن واقع إيمانه الشديد بأن الأدب هو مرآة للحياة، تنعكس في ظلالها خطى البشر ودبيبهم فوق دروبها ومسالكها، ومطاردتهم لأحلامهم، وصراعاتهم من أجل تحققها، ترك صبري موسى بصمات قوية وممتعة في الأدب الروائي... فكشفت روايته المبكرة «فساد الأمكنة» 1970 عن مقدرة فنية عالية على كيفية تخليق الزمن الروائي الفني الخاص من داخل الزمن المادي المعيش، متخذا من فساحة الصحراء ووحشتها فضاء للقص، تتباين فيه ملامح البشر، وتفترق وتلتقي مصالحهم وصراعاتهم العشائرية البدوية ومعتقداتهم ابنة الأعراف والتقاليد، ما يعني أننا إزاء أزمنة متعددة، متجاورة ومتقاطعة، يسعى بعضها للنهوض على أنقاض الآخر. وبلغة سردية مسكونة بروح الشعر، وجدلية السطح والعمق، تكشف الرواية عن مكان وزمان آخرين مخبوأين في هذا الفضاء، هما زمن الأسطورة والخرافة الشعبية، التي صنعها البشر أيضا على هامش وعيهم ببيئتهم وذواتهم المراوغة، وتناقضاتهم التي تضمر الشر والخير معا، والنقاء والفساد أيضا.
وفي روايته «السيد من حقل السبانخ» عام 1987، قدم أرضا بكرا للرواية العربية، تكتسب هويتها من آفاق الخيال العلمي. حيث تبرز الرواية مأساة محكّمة لعالم فقد السيطرة على نفسه فسمح للآلة أن تستعبده وتقيد حريته وخياله، وللكومبيوتر أن يقوده ويدله ويحدد له اختياراته، وما يجب أن يحب ويكره، كأن الإنسان أصبح يخوض حربا ضد نفسه، لا تُبقي له ذرة أمل، في أن يعي وجوده بملء إرادته وحريته.
هذا المعادلة الشيقة بين الإنسان ومظاهر وجوده، وما يلحق بهما من تطور، وكذلك مشاعره وانفعالاته العاطفية وعلاقته بالمرأة والآخر، لم تغب عن مناخ مجموعاته القصصية، ومغامرته في المجالات الأدبية الأخرى التي خاضها، فحين كتب السيناريو لأفلام مأخوذة عن أعمال روائية، حافظ على الخيط الرفيع الذي يربط المشهد السينمائي وعين الكاميرا بخصوصية الصراع في الرواية... وفي أدب الرحلات، اهتم بقراءة الأثر والإنسان معا، في كل البلاد التي زارها، كأنهما خطوتان في خطوة واحدة على سلالم التاريخ والزمن، كما تميزت كتابته بروح قصصية شفيفة، محبة للمكان بعين فنان، تتأمل دائما ما وراء الأشياء.
حصل صبري موسى على عدد من الجوائز المحلية والدولية، منها جائزة الدولة للسيناريو والحوار في مصر، عام 1968، وجائزة الدولة التشجيعية في الأدب عام 1974، ووسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولى عن أعماله القصصية والروائية عام 1975، وجائزة الدولة للتفوق عام 1999، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2003، كما حصل جائزة «بيجاسوس» الدولية من أميركا، والميدالية الذهبية للأعمال الأدبية المكتوبة بغير اللغة الإنجليزية، عام 1978.
شغل صاحب «فساد الأمكنة» كثيرا من المناصب الأدبية فكان مقرراً للجنة القصة «في المجلس الأعلى للثقافة»، وعضوا في اتحاد الكتاب المصريين، واتحاد الكتاب العرب، وقد ترجمت أعماله الأدبية لعدة لغات أجنبية.



التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
TT

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)

التقط التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لوكالة «ناسا»، للمرّة الأولى، صورة لِما بدت عليه مجرّتنا في الوقت الذي كانت تتشكَّل فيه؛ جعلت علماء الفضاء يشعرون بسعادة غامرة. وقالت عالِمة الفلك الملكية في اسكوتلندا، البروفيسورة كاثرين هيمانز، لـ«بي بي سي»: «أحبُّ المجرّة البراقة والمتألِّقة بأضواء عيد الميلاد، كأنّ هذه ما كان عليه الكون وهو يبلغ من العمر 600 مليون عام فقط». تُظهر الصورة 10 كرات من النجوم بألوان مختلفة، تبدو مثل زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون. وهذه المرّة الأولى التي شاهد فيها العلماء كتلاً من النجوم تتجمَّع لتُشكل مجرّة مثل «درب التبانة»، فأطلقوا على المجرّة البعيدة اسم «اليراعة المتألّقة»، لتشابُهها أيضاً مع سرب من اليراعات متعدِّد اللون.

من مداره في الفضاء، من دون عوائق من الغلاف الجوّي للأرض، أظهر لنا أقوى تلسكوب على الإطلاق، مزيداً من المجرّات الأبعد، وبالتالي الأقدم؛ لكنها ليست مثل مجرّتنا في المراحل المُبكرة من التشكيل. ووفق الدكتورة لاميا ماولا، من كلية «ويليسلي» في ماساتشوستس، المُشاركة في قيادة البحث، فإنّ «البيانات الخاصة بما حدث في هذه المرحلة من الكون ضئيلة جداً». وأضافت: «هنا نُشاهد مجرّة وهي تتشكَّل حجراً بحجر. فالمجرّات التي نراها عادة حولنا تشكَّلت بالفعل، لذا فإنها المرّة الأولى التي نشهد فيها هذه العملية».

ووصفت البروفيسورة هيمانز، عالِمة الفلك الملكية في اسكوتلندا، والمستقلّة عن فريق البحث، الاكتشاف بأنه «رائع، ومهمّ علمياً وبالغ الاحتفاء»؛ وقالت: «مدهش أن يبني البشر منظاراً يتيح التطلُّع إلى الماضي البعيد جداً، فنرى هذه المراحل الوليدة جداً من المجرّة بطريقة احتفالية جميلة كهذه».

لغز الكون وعجائبه (ناسا)

وتختلف ألوان العناقيد النجمية باختلاف مراحل تكوينها، وفقاً للدكتورة ماولا: «إنها جميلة لأنّ الحياة الباكرة للمجرّة نشطة جداً. نجوم جديدة تولد، ونجوم ضخمة تموت، وكثير من الغاز والغبار حولها، وكثير من النيتروجين والأكسجين... بسبب الحالة التي هي فيها، تتراءى هذه الألوان الجميلة». عندما صادفت ماولا المجرّة، لم ترَ قط كتلاً من النجوم بمثل هذه الألوان الزاهية والمتنوّعة. قادها ذلك للاعتقاد بأنّ ثمة شيئاً مختلفاً حول هذا النظام، لذا تحقّقت من مدى بُعد ذلك. لدهشتها تبيَّن أنه يبعد أكثر من 13 مليار سنة ضوئية.

النور الآتي من «اليراعة المتألّقة» استغرق أكثر من 13 مليار سنة ليصل إلينا. صغير جداً وبعيد جداً، حدَّ أنه لم يكن بإمكان تلسكوب «جيمس ويب» رؤيته، لولا حظوظ المصادفة الكونية. وكان هناك تجمّع من المجرّات بين «اليراعة المتألّقة» وتلسكوب «جيمس ويب»، شوَّهت الزمكان لتمدُّد الضوء من المجرّة البعيدة، وتعمل بفعالية مثل عدسة مكبرة عملاقة.

يٌسمّي علماء الفلك هذه العملية «عدسة الجاذبية»، التي، في هذه الحالة، مكَّنت الباحث المُشارك الدكتور كارثيك أيير من جامعة «كولومبيا» في نيويورك، وأعضاء آخرين من الفريق، من أن يروا للمرّة الأولى، تفاصيل مذهلة لكيفية تكوُّن المجرّات الأولى مثل مجرتنا «درب التبانة». وقال: «إنها تأخذ الضوء الآتي من اليراعة وتثنيه وتضخّمه حتى نتمكن من رؤيته بتفاصيل رائعة».