متاحف قصر عابدين... بانوراما لتاريخ مصر عبر 150 عاماً

يمكن للزائرين احتساء القهوة في حدائقه ومشاهدة مقتنيات الملوك والرؤساء

يمكنك احتساء القهوة  في حديقة القصر الملكية
يمكنك احتساء القهوة في حديقة القصر الملكية
TT

متاحف قصر عابدين... بانوراما لتاريخ مصر عبر 150 عاماً

يمكنك احتساء القهوة  في حديقة القصر الملكية
يمكنك احتساء القهوة في حديقة القصر الملكية

رغم أن القاهرة تعج بالمتاحف التاريخية، إلا أن زيارة متاحف قصر عابدين لها متعة خاصة؛ لأنها تأخذك إلى الحقبة الملكية المصرية بكل ثرائها وفخامتها وزخمها وتقربك من شخصية ملوك مصر وهواياتهم المميزة في جمع كل ما هو فريد ونادر.
كان القصر مقراً للحكم منذ عام 1874م، وقد شهد خلالها القصر أهم الأحداث التي كان لها دور كبير في تاريخ مصر الحديث والمعاصر. يقع القصر المهيب في قلب القاهرة على مساحة 15 فدانا وهو محاط بأسوار وبوابات حديدية ضخمة وتحيط به حدائق صغيرة ويطل على ميدان فسيح هو ميدان عابدين الشهير.
وتبدأ الجولة بالوصول إلى شارع باب باريس حيث مدخل زوار القصر والمتاحف، في الجهة اليمنى مبنى صغير ومرأب للسيارات حيث يمكنك حجز تذاكر الدخول وتذكرة خاصة للتصوير بكاميرا بسعر زهيد.
قبل أن تخطو عبر بوابة «باب باريس»، توقف قليلا لتتأمل روعة ودقة تصميم البوابة الخشبية العملاقة بنقوشها وزخارفها البديعة، وهي التي أمر الخديوي إسماعيل بتصنيعها خصيصا في مدينة باريس الفرنسية لاستقبال الإمبراطورة أوجيني خلال زيارتها لمصر بمناسبة افتتاح قناة السويس.
وبعد البوابة الرئيسية ستجد نفسك أمام بهو تتوسطه نافورة تحفها تماثيل لملوك مصر من أبناء محمد علي باشا. وهنا سوف تلتقي بأحد المرشدين الذي سيأخذك في جولة مجانية ممتعة تتعرف فيها على كل قطعة من مقتنيات المتحف. وسوف يكشف لك المرشد بأن فكرة متاحف القصر قديمة وأول من بدأها كان الملك فؤاد الأول الذي حرص على تخصيص عدد من قاعات قصر عابدين لتكون متاحف تتضمن مقتنيات الأسرة من أسلحة وذخائر وأوسمة ونياشين ووثائق، يتباهى بها أمام ملوك العالم حينما يزورون قصره المنيف. وورث الملك فاروق الأول ولع والده بالتحف وأضاف للمتاحف الكثير من المقتنيات الخاصة به التي جمعها من مزادات أوروبا والتي يعود معظمها إلى القرن الثامن عشر.
تتضمن متاحف قصر عابدين: متحف النياشين والأوسمة، ومتحف الأسلحة، ومتحف الفضيات، ومتحف السلام ومتحف الوثائق التاريخية.
في أول جولتك سوف تجد عدداً من البزات العسكرية التي تعود للعصور الوسطى، والتي كانت تصنع للفرسان من الحديد الصلب ويصل وزنها لنحو 50 كيلوغراما، ومقسمة لتغطي أجزاء الجسم من الرأس وحتى القدم، ثم مجموعة من البدل العسكرية تعود لعصر المماليك وهي مصنوعة من حلقات حديدية متداخلة تسمى «الزرد»، كما توجد بزة حربية لمحارب من عصر الشاه الإيراني عباس الصفوي، تعود للقرن الخامس عشر.
وتتراص دواليب العرض المتحفي في تناغم حيث تجد دواليب لعرض الخناجر بأشكال متنوعة تستعرض تاريخ تطور صناعتها وتنوعها ما بين الشرق والغرب. ثم دواليب لعرض الأسلحة النارية بأنواعها والتي يعود بعضها للقرن السابع عشر. والمبهر حقا الأسلحة المخادعة التي كان يقتنيها الملك فاروق، ومنها أقلام وقداحات وعصا خشبية تطلق الرصاص في حال تعرض الملك لغدر مفاجئ. كما يضم مجموعة من الخناجر العربية المهداة من الملوك العرب، وأبرزها الخنجر الذي أهداه الملك عبد العزيز آل سعود للملك فاروق وهو مصنوع من الذهب الخالص ومطعم بفصوص من الألماس.
فضلا عن الخنجر الشخصي لثعلب الصحراء روميل عليه عبارة باللغة الألمانية «كلنا من أجل ألمانيا». والسلاح الشخصي لموسوليني، والذي اقتناه الملك فاروق من مزاد بإيطاليا.
ومن المعروضات المبهرة حقا في متحف الأسلحة (سيف العدل والتتويج) وهو الذي توج به قيصر روسيا الأول، ولا يوجد مثيل له حتى في روسيا وقد حصل عليه الملك فاروق عام 1948 من أحد المزادات في أوروبا بمبلغ 11 ألف جنيه إسترليني. السيف صنع في ألمانيا في القرن السابع عشر من الفضة الخالصة ومطلي بالذهب ومطعم بالأحجار الكريمة والعقيق والياقوت والزمرد. وهناك سيف مميز من الذهب ومطعم بالألماس، أهداه ملك إنجلترا جورج الثالث، كهدية زفاف الملك فاروق على الملكة فريدة. وسيف آخر من أمير الكويت عبد الله السالم الصباح كهدية زفاف الملك فاروق الثاني من الملكة ناريمان عام 1951. وأيضا يوجد السلاح الشخصي للملكة فريدة، وهو عبارة عن مسدس صغير مصنوع من الفضة ومقبضه من الصدف صنع خصيصا لها في بلجيكا.
الشعور بالانبهار والدهشة سوف يلازمك في كل فاترينة عرض، سواء لروعة المقتنيات أو لغرابتها. في جزء آخر ستجد مقتنيات مكتب الملك فاروق ومنها ساعة مكتب سويسرية الصنع، علب السجائر الخشبية أو الملونة بلوحات فرنسية بألوان رائعة، تيجان فرعونية مطعمة بالياقوت والفيروز وكؤوس ذهبية. وفي ركن آخر فاترينة عرض للآلات الموسيقية للفرقة الملكية تتوسطها النوتة الموسيقية للنشيد الوطني المصري.
ويمكن أن تأخذ جولتك في متحف النياشين والأوسمة أكثر من 30 دقيقة بعد أن تتفحص تاريخها ودلالاتها. يتكون المتحف من قسمين الأول منها يحتوي على مقتنيات أسرة محمد علي باشا من تحف متنوعة ونادرة كقلادة الملك فؤاد وقلادة الشريف حسين بن علي. أما القسم الآخر فيضم مجموعة رائعة من الأوسمة والنياشين والميداليات. خلف هذا القسم توجد أغرب المقتنيات وهي خزانة المجوهرات السحرية المدججة بالطلقات النارية، والتي اشتراها الملك فاروق من مزاد في فرنسا وتعود للقرن السابع عشر. وبمجرد أن يحاول أي شخص غير الملك فتح الخزانة التي لها كود سري لفتحها، تشهر الفوهات النارية الأربعة الأشبه بمدافع صغيرة في وجه السارق وتصيبه بالرصاص.
والأمر اللافت أن كل ركن وكل حائط من حوائط القصر تزينه لوحات فنية ممهورة بتوقيع فنانين فرنسيين، سواء لمشاهد حربية أو للأزياء العسكرية المصرية عبر العصور، ما يجعل الجولة بين أروقة المتاحف غنية وشيقة. وأيضا مجموعة صور فوتوغرافية للأسرة المالكة وصورة الزفاف الملكي للملك فاروق.
وتحوي متاحف عابدين أيضا متحفا خاصا بالفضيات يتضمن أدوات وأواني من الفضة والكريستال والبلور الملون والصيني حيث توجد قطع وأدوات مائدة صنعت خصيصا للأسرة المالكة في فرنسا وبلجيكا والنمسا وإنجلترا، خلال عهود حكمها المختلفة. ومن أبرزها إثارة للإبهار أطباق الفاكهة الضخمة والتي تزن أكثر من مائة كيلوغرام من الفضة والتي يشارك في حملها عدد من الخدم، وكذلك أواني الحساء الضخمة التي كانت تقدم في الحفلات الملكية. ومن أروع المجموعات التي يعرضها هذا المتحف تحف (الجالييه) من الزجاج الملون عليها مناظر طبيعية منفذة بالأسلوب البارز وأغلبها لأشجار ونخيل وجبال وأنهار وأفرع نباتية وأزهار بألوان رائعة تحاكي الطبيعة الفرنسية صنعها الفنان الفرنسي إميل جالييه.
تتضمن الجولة بقصر عابدين زيارة لمتحف الوثائق التاريخية والذي افتتح في عام 2004 وهو يحتوي على مجموعة من الوثائق النادرة من الفرمانات والوثائق التي تحكي تطور أحداث مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال فترة الحكم الملكي. وهو يعتبر كنزا للباحثين والدارسين المتخصصين في تلك الحقبة الزمنية.
أما متحف السلام والذي تأسس في عهد الرئيس محمد حسني مبارك فهو يتضمن مجموعة من الهدايا والمقتنيات الخاصة التي أهديت له من قبل ملوك ورؤساء الدول وكبار ضيوف الدولة في مناسبات كثيرة من أسلحة ودروع تذكارية ومجسمات وغيرها. وأضيفت له مقتنيات الرئيس الأسبق عدلي منصور والرئيس عبد الفتاح السيسي. ومنها: مجسم للحرم النبوي مهدى من المملكة العربية السعودية، ومجسم لواحة تتوسطه ساعة من الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ومجموعة هدايا قيمة من المخابرات السعودية، ومنها مجسم ذهبي لساعة مكة، ومجموعة مصاحف من ملوك الدول العربية مطعمة بالأحجار الكريمة. ومركب فرعوني من الخشب تعود لعام 2100 ق.م أهداها الرئيس الروسي بوتين للرئيس السيسي أثناء زيارة لروسيا.
ومسك الختام في جولتك بقصر عابدين الجلوس بقاعة عرض سينمائي على الطراز الملكي، تحيط بك التحف الملكية الذهبية من كل جانب، مقاعدها وثيرة وضخمة. هنا سوف تشاهد عرضا لفيلم تسجيلي يأخذك في رحلة بين أروقة القصر وأجنحته الملكية وحجراته المختلفة والتي تم مع زيارتها حفاظا على مقتنياتها الثمينة، وفقا للمرشدين السياحيين بالقصر. فقد تم إتاحة القصر للزيارة لمدة 60 يوما بشكل تجريبي، وحينما وجد المسؤولون بأن المقتنيات لا تلقى الاهتمام الكافي من الزوار وأنها تتعرض للتلف فتم منع الزيارة.
وكان قصر عابدين مقرا للحكم للأسرة الملكية في مصر من عام 1872 حتى عام 1952. وترجع تسميته لأحد القادة العسكريين في عهد محمد علي باشا اسمه (عابدين بك) حين كان يمتلك قصرا صغيرا في مكان القصر الحالي فاشتراه الخديوي إسماعيل من أرملته وهدمه وضم إليه أراضي شاسعة ليبدأ في تشييده عام 1836.
أما إذا أردت أن تحتسي القهوة أو قدحا من الشاي في حديقة قصر عابدين كما كان يفعل أفراد الأسرة المالكة من الملوك والأمراء والأميرات وأصدقائهم من ملوك العالم، فذلك أصبح متاحا بعد افتتاح مقهى للمشروبات الباردة والساخنة وهناك مقاعد وطاولات خشبية تطل على حديقة القصر، وتعلوها الحديقة الملكية الشتوية المغطاة، حيث كانت الأميرات يجلسن فيها لاحتساء الشاي ولقاء صديقاتهن. بعد أن تعيش في تلك الأجواء الملكية يمكنك أن تتوقف عند منفذ لبيع الهدايا التذكارية واقتناء ما تشاء من صور تذكارية لغرف القصر وأفراد الأسرة المالكة وميداليات تحمل صورهم، وأظرف عليها شعار الملكية المصرية وصورة قصر عابدين، وفي طريق خروجك من القصر يمكنك التجول والتقاط الصور في حديقة القصر التي يعود عمر نباتاتها إلى أكثر من 150 عاما وتضم مجموعة من أندر النباتات وكشك ملكي للموسيقى، وتم تخطيطها على غرار حدائق قصر فرساي الفرنسي الشهير. صحيح أن جولتك ستكون قد انتهت لكن الانبهار والشغف بزيارة القصر مرة أخرى لن يخفت، بل إن الشوق لزيارته مرة أخرى سوف يتأجج؛ لأن زيارة واحدة لقصر عابدين لا تكفي.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».