الحياة تحت نار الحرب في شمال سيناء

{الشرق الأوسط} ترصد يوميات عائلات عزلها الإرهاب

مزارع يجلب الماء على طريق في جنوب الشيخ زويد («الشرق الأوسط»)
مزارع يجلب الماء على طريق في جنوب الشيخ زويد («الشرق الأوسط»)
TT

الحياة تحت نار الحرب في شمال سيناء

مزارع يجلب الماء على طريق في جنوب الشيخ زويد («الشرق الأوسط»)
مزارع يجلب الماء على طريق في جنوب الشيخ زويد («الشرق الأوسط»)

يحاول المصري الأربعيني المقيم في شمال سيناء حسن سالم التغلب على خوفه من المجهول، عبر التمسك بالحياة فوق أرضه، فيسير مترجلاً مرة، أو ممتطياً ظهر دابته لمسافة تصل لنحو 10 كيلومترات تبدأ من منزله في قرية الجورة (جنوب الشيخ زويد)، وصولاً إلى أقرب نقطة تصلها السيارات. ومنها يبحث عن سيارة نصف نقل يستقلها مع آخرين يُحشرون في صندوقها الخلفي المتهالك، وصولاً إلى السوق للتزود بحاجيات تكفى معيشته وأسرته المكونة من 5 أطفال ووالديه المسنَّين.
وتعبر المسيرة الأسبوعية لسالم عن واقع عدد غير قليل من سكان قرية الجورة الواقعة على بعد 15 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة الشيخ زويد، والتي تشهد منذ سنوات صوراً مختلفة من مراحل مواجهة قوات الجيش والشرطة في مصر مع جماعات إرهابية (أغلبها من عناصر تنظيم «ولاية سيناء» التابع لـ«داعش») والتي تنشط في شمال سيناء منذ أكثر من 5 سنوات. ولا تزال تدور رحى تلك الحرب في الجزء الشمالي الشرقي من شبه جزيرة سيناء.
يتحدر سالم من إحدى عشائر قبيلة السواركة (أكبر قبائل سيناء عدداً)، ولا تزال عائلته مع 400 أسرة أخرى (تضم نحو 3 آلاف رجل وامرأة وطفل) يقيمون في قرى أبو العراج والجورة والظهير في الشيخ زويد، فيما قرر آخرون النزوح إلى مناطق أكثر أماناً داخل سيناء ومحافظات أخرى، فراراً من نيران الحرب وملاحقات «داعش» أفراداً من بينهم، بتهمة التعاون مع قوات الأمن المصرية.
ووفقاً لقاعدة البيانات الرسمية لمركز معلومات محافظة شمال سيناء، فإن مركز الشيخ زويد يقع على مساحة 783 كيلومتراً مربعاً، من إجمالي مساحة شمال سيناء البالغة 27 ألف كيلومتر مربع، ويقدر عدد سكان المركز بنحو 60 ألفاً من إجمالي سكان شمال سيناء البالغ 455 ألفاً حتى عام 2016.
وقدّرت إحصائية رسمية غطت الفترة بين 2013 ومنتصف 2017، أعداد النازحين من نيران الحرب على الإرهاب في مراكز شمال سيناء كافة إلى مناطق آمنة داخل المحافظة بنحو 6700 أسرة تضم أكثر من 26 ألف شخص.
ويقول حسن سالم لـ«الشرق الأوسط» إن «الصعوبات الفعلية التي تواجه مَن يعيشون في مناطق الحرب على الإرهاب بدأت بعد إغلاق مناطقهم كلياً في أواخر 2016، والسماح بالتحرك للدخول والخروج منها في نطاق ضيق، وذلك عبر السير في ممرات أو على عربات تجرّها الدواب».
ويضيف متفاخراً: «لن نغادر قُرانا. نعيش على أرض يداهمها خطر الموت من كل جانب، لكننا سعداء بأننا من فئة الصامدين في شمال سيناء. أقول ذلك رغم المعاناة من مسألة بسيطة مثل الذهاب إلى السوق، والتي نتحملها أسبوعياً لإحضار متطلبات الأسرة من سوق مدينة الشيخ زويد، حتى إننا نُحضّر لها مسبقاً، ونستهدف شراء البقوليات والمعلبات التي لا تتلف مع الوقت».
ويشير سالم إلى أن «الجزء الأصعب في طريق الذهاب إلى الشيخ زويد، يحدث عند إصابة أحدهم بمرض مفاجئ أو تعرض سيدة للولادة المفاجئة، أو التعرض للإصابة بطلقات النيران العشوائية». وأوضح أنه «إذا كان الوقت ليلاً نضطر إلى الانتظار حتى ساعات الصباح، لتجنب قرار حظر التجوال ليلاً، ثم قطع المسافة على عربات الكارو (التي تجرها الدواب)، وصولاً إلى أقرب نقطة تصلها السيارات، لأن مناطقنا ممنوع فيها كلياً سير المركبات والدراجات البخارية بأنواعها، وفي حال ظهورها تصبح عرضة للطلقات النارية».
ببساطة يصوغ الرجل معادلة الحياة تحت نيران الحرب على الإرهاب، فيقول: «أصبحنا نعرف المسموح والممنوع، ونلتزم بالتعليمات الأمنية التي تنص على حرية التحرك نهاراً مترجلين أو بواسطة الدواب، والتزام البيوت ليلاً».
لكنه يتطلع على مستوى آخر وسط كل هذه المعاناة إلى حصول أبنائه على نصيبهم من التعليم. ويقول إن «مدارس القرية تعمل جزئياً بطاقة 4 معلمين من أهلها يتبادلون التدريس للأطفال، بينما توجد حضانة صغيرة تتولى بعض الفتيات مهمة إدارتها، حتى إننا أصبحنا نعتمد على أنفسنا في كل شيء، خصوصاً أنه بات صعباً أن يحضر إلينا موظفون من خارج أسر القرية بسبب صعوبة الحياة هنا».
الحاج علي محمد، وهو مزارع خمسيني من أبناء قرية الجورة، يشير إلى صعوبة الحصول على التيار الكهربائي، إذ تقع محطة التغذية الرئيسية في مدينة الشيخ زويد، ويتعرض للقطع بين الحين والآخر بسبب الهجمات الإرهابية، بينما تتمثل أزمة الحصول على المياه في النقل، إذ كانت تصل في السابق في ناقلات كبيرة وتدخل في خزانات إسمنتية تحت الأرض، لكن ذلك لم يعد سهلاً بعد وقف حركة المركبات، وهو ما يجبرهم على نقلها في عبوات بلاستيكية على عربات تجرها الدواب. وفي حالة قطع الكهرباء وتوقف عمل المحطات، يسير أهالي القرية لمسافة 20 كيلومتراً بوسيلة النقل ذاتها للوصول إلى أقرب بئر مياه جوفية تتجمع فيها مياه رشح عذبة على ساحل البحر المتوسط والتعبئة منها يدوياً.
ويلفت المزارع السيناوي إلى تلقيه وعدداً من أقرانه تهديدات من عناصر «داعش» بعدم الوصول إلى مزارع الزيتون والخوخ الخاصة بهم أو حرثها، «وتبين أن السبب يعود إلى زرعها بالعبوات الناسفة وتلغيمها».
حال الجورة يشبه حال جارتها قرية الظهير التي تبعد عن مدينة الشيخ زويد نحو 13 كيلومتراً إلى الجنوب، وتقطنها نحو 60 أسرة، استطاعت التكيف مع الظروف. ويشرح الشاب العشريني محمد أبو سِلمي أن أهل القرية تمكنوا «بجهد ذاتي» من «تشغيل مدرستين، إحداهما ابتدائية والأخرى إعدادية، وحضانة أطفال، وأصبح مقرها في مجلس ديوان القرية بعد أن دمر عدد من المسلحين مدرسة القرية الإعدادية، وفجروها مستخدمين عبوات ناسفة، ولغموا مدرسة أخرى وأصبح دخولها خطراً».
وقال أبو سِلمي إن «مدرستي» ديوان القرية تدرسان للتلاميذ مناهجهم، «بمساعدة وتكاتف من جهود المتعلمين من الشباب ومَن خرجوا على المعاش من المعلمين من أهل القرية». وأضاف أن «التكاتف المجتمعي هنا فريضة، وكثيراً ما نُفاجأ بنفاد المؤن من أحد البيوت، ويتم تدبيرها من بيت آخر، وبعض الأسر تتقاسم وجبات الطعام في بعض الأحيان لأيام عندما تحدث على أطراف القرية مواجهات وعمليات أمنية، وتصعب مغادرتها لإحضار متطلبات المعيشة».
لا يتغير المشهد كثيراً في قرية ثالثة قريبة من مسرح المواجهات مع الجماعات الإرهابية، وهي أبو العراج، غير أنها تبدو أسعد حظاً، إذ تقع على مشارف آخر نقطة في الطريق البري المسموح فيه بمرور السيارات. وحسب أحد أبناء القرية، ويدعى سامح أبو العراج، فإن 6 منازل في القرية تعرضت لسقوط قذائف، بينما قُتل نحو 7 من الأهالي وأصيب آخرون.
ويقول أبو العراج لـ«الشرق الأوسط» إن «الأهالي هنا يعيشون في أرضهم، وبعضهم يملك مزارع يتم ريّها من آبار مياهُها مالحة لا تصلح للشرب لكنها تصلح للزراعة، ويتم تشغيلها فقط عند توفر التيار الكهربائي غير المنتظم، لكننا وعلى مستوى آخر نتمتع بوجود مدرستين تنتظم فيهما حركة الدراسة بشكل طبيعي، وتعتبر قوة العمل فيها من معلمين من أبناء القرية».
ويقول البرلماني إبراهيم أبو شعيرة، عضو مجلس النواب المصري عن مركز الشيخ زويد، إن قرى جنوب المركز تربطها بالمدينة طريق رئيسية واحدة، وهي مغلقة أمام المدنيين ولا يُسمح بالسير عليها سوى لقوات الأمن، وحافلات تخص القوات الدولية المتعددة الجنسيات التي تتخذ في جنوب قرية الجورة معسكراً ومطاراً لها.
وأشار أبو شعيرة إلى أنه يتلقى «شكاوى من الأهالي في تلك المناطق للمطالبة بفتح الطريق الوحيدة أمامهم، ودائماً ما تحول دون ذلك إجراءات أمنية تخص سير معركة الحرب على الإرهاب هناك».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».