للقدس أبناء يحمون تاريخها وإرثها ومستقبلها

للقدس أبناء يحمون تاريخها وإرثها ومستقبلها
TT

للقدس أبناء يحمون تاريخها وإرثها ومستقبلها

للقدس أبناء يحمون تاريخها وإرثها ومستقبلها

فيما أنهمكت القيادة الفسطينية، ومن خلفها شعبنا، في الحشد السياسي والقانوني والشعبي، على الصعيدين الوطني والدولي، لجعل عام 2017 عام إنهاء الاحتلال، باعتباره استحقاقاً يتوجب على دول العالم إنجازه بعد مائة عام على ظلم شعبنا وتشريده والانتقاص المتعمد لحقوقه، واصلت أيضاً إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، سباق الزمن من أجل خلق واقع جديد على الأرض قبل الوصول إلى أي تسوية سياسية، وهيَّأت الأرض لهذه التسوية المحتملة بعلم المجتمع الدولي ورغماً عن إرادته وبتحدٍّ لمنظومته القانونية الدولية.
وعلى الرغم من أن هذا العام لم يختلف كثيراً عن سابقه من الأعوام، فإنه حمل مضامين سياسية وإنسانية خاصة، إذ أصر فيه شعبنا على تذكير العالم بمسؤولياته السياسية والقانونية والأخلاقية حول ما حلّ به من نكبات متواصلة لم تتوقف حتى لحظتنا هذه، منذ وعد بلفور المشؤوم قبل مائة عام، إلى قرار التقسيم قبل سبعين عاماً، ونكبته الكبرى قبل ما يقرب السبعين عاماً، إلى الاحتلال قبل خمسين عاماً، إلى عمليات التطهير العرقي المتواصلة، وقائمة لا تحصى من الخروقات والجرائم كابدها شعبنا، ولا يزال يدفع وحيداً ثمن صموده وثباته على هذه الأرض.
وبمراجعة سريعة لعام 2017 الذي كان نتاجاً وتراكم عمل لأعوام سابقة، فإن القيادة الفلسطينية لم تدّخر جهداً في استثمار أدوات القانون الدولي وحصانته، من أجل حماية حقوق شعبنا غير القابلة للتصرف ومحاسبة الاحتلال ومسؤوليه على احتلالهم وجرائمهم المتواصلة والممنهجة ضد الأرض والإنسان الفلسطيني. واتخذت فلسطين خلال تلك الفترة مكانتها الطبيعية كشريك، بل كندٍّ في المنظومة الدولية، وتحملت مسؤولياتها وواجباتها على أكمل وجه. واستمر نضالنا الرسمي والشعبي في مقاومة الاحتلال وفضح انتهاكاته وتعريته في جميع المنابر، في الوقت الذي لم نرفض فيه أي مبادرات دولية للوصول إلى حل سياسي عادل وقائم على أساس رؤية الدولتين على حدود 1967، على العكس رحبنا وانخرطنا في دفع مبادرات السلام، ومنها الفرنسية، وأعلنا قبولنا جميع الدعوات الدولية لبحث سبل تقدم العملية السياسية، بينما رفضها رئيس وزراء الاحتلال وقاطعها.
إنه لمن غير المنصف أو المنطقي المقارنة بين شعب ودولة يقعان تحت الاحتلال، والدولة المحتلة، إلا أننا مع ذلك، قمنا مرة تلو الأخرى، بالتدليل للمجتمع الدولي على حجم المفارقات والمقارنات بين ما قدمته فلسطين وما قامت به، وما قابلتها به دولة الاحتلال ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، من أجل جلاء الحقائق أكثر أمام دول العالم التي أصبح يتحتم عليها اليوم أكثر من أي وقت مضى مواجهة قوة الاحتلال، ومعالجة عينها العوراء، وفتحها على ضرورة إنهاء حقبة طويلة أساءت أولاً لمعاييرها ومبادئها التي التزمت بها، بنفس القدر الذي أساءت فيه وعطلت إنجاز حقوق الشعب الفلسطيني.
وبعد أن تم تداول الأفكار الأميركية «الخارجة عن الصندوق»، وما يسمى «صفقة القرن» التي لم تُعرض علينا، أوضحنا موقفنا حيال ما تسرب حولها وحيال أي مبادرة أخرى، مؤكدين أن أي مبادرة لا تستند إلى قواعد القانون والشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام، ولا توقف الاستيطان، ولا تدعم حل الدولتين على حدود 1967، وتجسيد سيادة فلسطين وعاصمتها القدس، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين وفقاً لقرار 194، وبسقف زمني واضح، لن يتم التعامل معها. وطالبنا الولايات المتحدة تحديداً، بالالتزام بمواقف الإدارات الأميركية السابقة، فيما يتعلق بالاستيطان غير الشرعي وغيره من انتهاكات الاحتلال، وإعلان موقفها بوضوح، حتى أضحت ملامح هذه «الصفقة» التي تحولت إلى صفعة، واضحةً للقاصي والداني.
كانت إسرائيل خلال ذلك تواصل خلق الأمر الواقع على الأرض بقوة الاحتلال، والاستيطان الاستعماري، والعسكرة، وتدمير ما تبقى من حل الدولتين، لصالح فرض مشروع «إسرائيل الكبرى على أرض فلسطين التاريخية»، بمزيد من تكثيف مشاريع الاستيطان غير القانونية، وتهويد القدس ومحيطها ومناهجها، وسياسات التطهير العرقي والفصل العنصري والعقوبات الجماعية، من هدم وتهجير قسري، وقتل وتدمير واجتياح المناطق الفلسطينية، ومحاصرة وفصل قطاع غزة عن محيطه الفلسطيني، وتحويل الضفة الغربية إلى كنتونات وجزر معزولة، بالتزامن مع تشريع القوانين العنصرية الداعمة للاحتلال الاستعماري والاستيطان التي وصلت إلى 150 مشروع قرار عنصري، منذ بدء الولاية العشرين للكنيست من مايو (أيار) 2015 حتى يوليو (تموز) 2017، وهي في مجملها قوانين ضم وإحلال، من أبرزها قانون «القومية» وقانون «القدس»، وضم المستوطنات إلى إسرائيل، وقوننة سلب ونهب الأراضي الفلسطينية ذات الملكية الخاصة ومصادرتها لصالح المستوطنين (تسويات الاستيطان)، وقانون خصم أموال السلطة. ولم توفر هذه القوانين أهلنا في الـ48، وأخذت بشرعنة قوانين عنصرية مثل تدمير نحو 50 ألف بيت لفلسطينيي الـ48 وغيرها العشرات. يرافق ذلك جميعاً خطاب رسمي تحريضي يبث التطرف والكراهية وإقصاء الآخر.
هذا هو تماماً الواقع الذي اعترف به ترمب دون غيره من زعماء وشعوب الكرة الأرضية، واقع الاحتلال الاستعماري الذي أنشأته القوة العسكرية لإسرائيل، معلناً بتاريخ 6 ديسمبر (كانون الأول) اعترافه بالقدس عاصمةً لدولة إسرائيل، متبنياً الرواية الصهيونية، ومتوافقاً مع الخطاب الديني الأصولي الغيبي الذي روّجه نتنياهو طوال هذه السنوات. من جهة، جاء هذا الاعتراف ترسيخاً للاحتلال الاستعماري واستيطانه في المناطق المحتلة عام 1967، واعترافاً بمشروع الضم لأجزاء واسعة من الضفة الغربية، وتشجيعاً لسياسة «الأبرتايد»، وبشكل خاص، جاء لينقذ نتنياهو ويعزز موقعه في مواجهة تهم الفساد، وليرمم ائتلافه الحكومي من جهة أخرى.
وكأمر مفروغ منه ولا جدال عليه، بأن اعتراف ترمب الأحادي لم ولن يغير من مكانة القدس القانونية التي كفلتها وأقرتها الشرعية الدولية، وأن قراره يعدّ انتهاكاً لقواعد القانون الدولي، خصوصاً قرارات مجلس الأمن التي تنص، صراحةً، على أن أي تغيير على الوضع الراهن للقدس هو باطل ولاغٍ، إلاّ أن هذا الاعتراف استدعى التنبه إلى الخطر الشديد الذي يشكله قرار ترمب، ليس على القضية الفلسطينية فحسب، وإنما على النظام الدولي برمته الذي بنت أسسه وقواعده ومبادئه دول العالم لحماية حقوق الإنسان من جبروت القوة الغاشمة التي قد تستخدمها الدول، وجعلنا مقبلين على فصل عالمي جديد وسوداوي، تُشجع فيه الدول على خرق المنظومة القانونية الدولية، ويكافأ فيه كل من يخرق مبادئ حقوق الإنسان والإجماع الدولي، والأهم من ذلك، أنه سيفتح الأبواب على مصراعيها لإشعال فتيل حروب طائفية ودينية لا تنتهي، تنتصر فيها قوى التطرف والظلام مثل «داعش» وأخواته، وتنحصر فيها القوى المعتدلة والتقدمية.
هذه هي فقط النتائج الحتمية لعقيدة ترمب القاضية بتنفيذ «السلام من خلال القوة» وفرض العقوبات أو الضغوطات وغيرها. كان على الولايات المتحدة الاسترشاد بالتاريخ جيداً، فهذه ليست المرة الأولى التي تطرح فيها مثل هذه العقيدة المشوهة التي اتبعتها الدول الاستعمارية الكبرى واحدةً تلو الأخرى منذ القرن السادس عشر، والتي أدت إلى انهيار إمبراطورياتها، ولم تتمتع بالسلام يوماً واحداً.
لقد شكل قرار الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل مصدر قلق عالمي شديد، حيث أدركت دول العالم جمعاء، ضرورة حماية النظام الدولي من هذا الخطر الداهم، وتداعت فوراً إلى رفض وإدانة القرار الأميركي غير المسؤول، وأجمعت على ضرورة تراجع الولايات المتحدة عن غيّها ومخالفتها الصارخة لقواعد القانون الدولي. وفي محاولة لإنقاذ هذه القواعد ومواجهة ترمب بخطوات مضادة لإبطال وتعطيل هذه الخطوة، كانت أولى هذه الخطوات تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن يطالب الولايات المتحدة بالتراجع عن خطوتها، ويمنعها من المشاركة في التصويت باعتبارها أصبحت طرفاً في النزاع المقدم إلى مجلس الأمن وفقاً لميثاق الأمم المتحدة بند 3-27. وحيث إنه من المعلوم جيداً أن الولايات المتحدة ستجهض هذا القرار، توجهنا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستصدار القرار نفسه تحت جلسة بعنوان «متحدون من أجل السلام». وبالفعل، اتحد العالم في تلك الجلسة التاريخية من أجل السلام، وانتصر فيها لا لفلسطين وعاصمتها القدس فحسب، بل لكرامته التي حاولت الولايات المتحدة هدرها، وانتصر لمنظومته ومبادئه القانونية والإنسانية التي عملت أميركا على ترهيبها ورشوتها وابتزازها. ولذلك، فإن المطلوب من هذه الدول اليوم الإصرار على مواقفها المبدئية، وعدم السماح بالتلاعب بالقانون الدولي وفرض شريعة الغاب بديلاً عنه، وإنفاذ إرادتها التي تجلت صراحة في الإجماع الدولي العارم على ضرورة إنهاء الاحتلال الاستعماري، وإنجاز استقلال دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ومن هنا، فإن الموقف الفلسطيني كان بيّناً منذ البداية، وقد أعلنه السيد الرئيس محمود عباس في القمة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي، وهو رفضنا المطلق لأي دور أميركي راعٍ للعملية السياسية، والتي بقرار منها أخرجت نفسها من هذه المعادلة التي لم تكن فيها يوماً وسيطاً نزيهاً، فأي وسيط هذا الذي يمارس جميع أنواع التهديدات والضغوطات والعقوبات على الطرف الأضعف، بدءاً من وسمنا بالإرهاب، وممارسة الابتزاز الرخيص من قبل الكونغرس، وقطع المساعدات وتقليصها وربطها بشروط تعجيزية للتخلي عن حقوقنا الوطنية الأصيلة كوقف رواتب الأسرى وأسر الشهداء، وتهديدنا الدائم بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتحذيرنا من ممارسة حقنا الطبيعي والقانوني في الانضمام إلى المنظمات والمعاهدات الدولية، ومحاسبة الاحتلال، وجلب مجرمي الحرب إلى العدالة الدولية، إلى رفض الالتزام بمواقف الإدارات الأميركية السابقة، بما في ذلك إدانة الاستيطان، إلى المساهمة الفاعلة والدائمة في إلقاء اللوم على الطرف الفلسطيني في الوقت الذي لم يتم فيه، ولا مرة واحدة، لوم الطرف الإسرائيلي على انتهاك الاتفاقات والمرجعيات والقانون الدولي وتدمير حل الدولتين بشكل متعمد، بل تم الاحتفاء به في قلب المستوطنات غير الشرعية في أرضنا المحتلة؟
لقد قضينا وقتاً وجهداً كبيرين من أجل إحياء العملية السياسية ودفعها إلى الأمام، ولم نوفر فرصة في تحذير العالم من خطورة انتهاكات الاحتلال واستمراره في فلسطين، كما حذرنا بأننا لا نمتلك رفاهية تبديد الوقت وأننا لن نقبل المزيد من خسارة الأرض والإنسان، وأن عجز المجتمع الدولي عن محاسبة إسرائيل وإنهاء احتلالها يضعنا أمام خيارات أشد قسوة من أجل إنقاذ هذه المسيرة، ولم نكن نحذر بسبب عجزنا عن اتخاذ القرارات أو تنفيذها، بل من منطلق تحملنا لمسؤولياتنا الوطنية تجاه شعبنا والحفاظ على حقوقه بشكل خاص، واحتراماً للمنظومة الدولية ومنحها المساحة لاتخاذ الإجراءات المناسبة بشكل عام. إلاّ أن الجريمة مستمرة منذ سبعين عاماً، والوقت يمضي على حساب حياة أبنائنا وأرواحهم الغالية وكرامتهم ومستقبلهم.
وعليه، فقد أصبح التأسيس لمرحلة الفعل وتصويب هذه العملية السياسية برمتها واجباً لا يحتمل التأجيل، ولهذا نقوم، حالياً، بحشد كل الإمكانيات السياسية والقانونية لتوظيف واستثمار الإجماع الدولي الحالي على رفض القرار الأميركي وعزله ومواجهته، وإنهاء الاستحواذ الأميركي على العملية السياسية، وجعل الولايات المتحدة تصل إلى استنتاج أنه من دون التراجع عن هذه الخطوة لا يمكن أن تكون جزءاً من المسار السياسي، والإصرار على الحقوق الفلسطينية وتأكيد الالتزام بالقانون والشرعية الدولية، والمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين للدول التي لم تعترف بها بعد، ودعوة الدول إلى ربط الاعتراف بإسرائيل بالشرعية الدولية ومراجعة اعترافها بها ما دامت تخالف القانون الدولي، والعودة بملف القضية الفلسطينية إلى حضن الشرعية الدولية في الأمم المتحدة، والانضمام إلى ما تبقى من منظمات ومعاهدات دولية باعتباره حقاً لفلسطين وترسيخاً لمكانتها القانونية، وحث المحكمة الجنائية الدولية على فتح تحقيق في جرائم الاحتلال، وتقديم الإحالات وغيرها من الوسائل القانونية المتاحة للتسريع في محاكمة مسؤولي الاحتلال ومجرميه، كما سنسعى إلى الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في مجلس الأمن. كما سنواصل مطالباتنا لجميع الدول بمقاطعة وتجريم المستوطنات الإسرائيلية بجميع إفرازاتها، ودعم نشر قائمة الشركات العاملة بالاستيطان والمتورطة في انتهاك القانون الدولي ودعم الاحتلال. وسندفع بكل السبل من أجل إعادة فتح مؤسسات منظمة التحرير في القدس، وتعزيز صمود أهلنا بالقدس بدعم الدول العربية والإسلامية الشقيقة باعتباره الحجر لأساس لتقوية وجودهم في وجه مخاطر المخططات الاستعمارية بالطرد والتهجير القسري.
كما سيعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية جلسة خلال الفترة القريبة المقبلة بحضور ومشاركة جميع القوى الوطنية والإسلامية، بما في ذلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي، لرسم استراتيجيات نضاله للمرحلة المقبلة، والعمل معاً من أجل استنهاض النظام السياسي، وإعادة تشكيله بما يكفل مواجهة التحديات المستقبلية وبما ينسجم مع مكانة فلسطين الراسخة في العمل السياسي الدولي، وإعادة ترتيب البيت الداخلي، سيما أننا نتمم ملف المصالحة الوطنية، وإصلاح مؤسسات منظمة التحرير وإعادة الاعتبار السياسي لها، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وبناء التحالفات السياسية المبدئية، وإعادة تعريف القضية الفلسطينية باعتبارها قضية سيادة وقضية شعب يتحرر من سياسة «الأبرتايد» والتطهير العرقي، ومن آخر احتلال استعماري في العالم.
لقد أثار هذا القرار الأحادي والمستهتر ردة فعل الكرة الأرضية بكاملها حتى في داخل إسرائيل وأميركا نفسها، ويعترينا الفخر والاعتزاز الشديدين بأصدقاء فلسطين وحلفاء الحق، ونثمِّن ونقّدر عالياً جميع المواقف الرسمية والشعبية التي اتخذتها الدول والشعوب العربية والإسلامية والدولية، وقوى التحرر والعدل والسلام التي خرجت بعشرات الآلاف تنديداً بقرار ترمب، ودعماً لحق الشعب الفلسطيني بسيادته على دولته وعاصمتها الأبدية القدس الشريف.
لقد اشترت إسرائيل الزمن والدعم الأميركي والصمت الدولي المطبق، أما القضية الفلسطينية فقد عوّلت على عدالتها والإرادة السياسية والإنسانية العالمية، ولا تعوّل اليوم إلا على أبنائها ومواصلة نضالهم الوطني الفلسطيني الذي لم يبخلوا به يوماً على قضيتهم وأرضهم. وهبّات أبناء القدس في حماية تاريخها ومستقبلها، ونضال أبناء غزة وجميع مدن الضفة الغربية نموذج يحتذى به في الصمود والمقامة. وما زالت فلسطين تعوّل على أصدقائها في جميع أنحاء العالم وتدعوهم إلى مواصلة وتكثيف حراكهم السياسي والقانوني والدبلوماسي والشعبي حتى إنهاء الاحتلال الاستعماري لفلسطين بقوة القانون والعدل.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».