تركيا تؤكد إتمام صفقة «إس 400» مع روسيا مقابل 2.5 مليار دولار

اعتقال أكاديميين وموظفين في جامعة مقربة من غولن

تركيا تؤكد إتمام صفقة «إس 400» مع روسيا مقابل 2.5 مليار دولار
TT

تركيا تؤكد إتمام صفقة «إس 400» مع روسيا مقابل 2.5 مليار دولار

تركيا تؤكد إتمام صفقة «إس 400» مع روسيا مقابل 2.5 مليار دولار

أكد وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي، أن بلاده أنهت الاتفاق مع روسيا بشكل كامل على شراء 94 بطارية صواريخ «إس - 400» للدفاع الجوي.
وجاء ذلك في تعليق للوزير التركي، الذي رافق الرئيس رجب طيب إردوغان في زيارته إلى تونس أمس، حول إعلان رئيس شركة «روستيخ» الحكومية الروسية سيرغي تشيميزوف شراء تركيا 4 بطاريات صواريخ «إس - 400» من روسيا بقيمة 2.5 مليار دولار. وقال جانيكلي إن تركيا ستدفع جزءا من ثمن الصفقة بشكل مباشر، والجزء الآخر سيكون على شكل قروض.
وفي 12 سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن إردوغان توقيع اتفاقية مع روسيا لشراء منظومة (إس - 400) المضادة لطائرات الإنذار المبكر وطائرات التشويش وطائرات الاستطلاع ومضادة أيضا للصواريخ الباليستية متوسطة المدى، مشيرا إلى أن بلاده سددت دفعة أولى إلى موسكو.
وكشف المسؤول الروسي عن أن تركيا اشترت 4 منظومات «إس - 400» من روسيا مقابل 2.5 مليار دولار، وأن 55 في المائة من قيمة العقد هو قرض روسي. وأكّد تشيميزوف، في مقابلة مع صحيفة «كومرسانت» نقلتها وكالة «سبوتنيك» أمس، أنه بقيت فقط الموافقة على الوثائق النهائية، قائلا: «أستطيع أن أقول إن 45 في المائة من إجمالي قيمة العقد سيسددونه كسلفة، و55 في المائة من قيمة العقد هو قرض روسي، ونخطط للبدء بالتوريد في مارس (آذار) 2020».
وستكون تركيا، التي تسعى لتسلم منظومات الصواريخ عام 2019 بدلا عن 2020، أول بلد عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) يقتني منظومة «إس - 400» الدفاعية الروسية المتطورة. ورفضت تركيا اعتراضات الناتو والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية على الصفقة، مؤكدة أنه ليس من حق أحد التدخل في الأمر. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن «الدول الغربية التي تعارض شراء تركيا منظومات روسيا، لم تبد أي استياء عندما اشترت اليونان المنظومات نفسها من روسيا في السابق، علماً بأن اليونان أيضاً عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأضاف أن تركيا طلبت كثيرا من الناتو تزويدها بأسلحة من هذا النوع، غير أنه لم يستجب لمطالب أنقرة، وتركيا لديها كامل الحق في اتخاذ التدابير اللازمة للدفاع عن أجوائها وحدودها، على حد قوله.
وتابع إردوغان منتقدا موقف واشنطن من الصفقة، قائلا: «من يرفضون بيع الأسلحة إلى تركيا بمقابل مدفوع أرسلوا 3000 شاحنة أسلحة مجانا إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (الذي سماه التنظيم الإرهابي) في سوريا».
ولا تزال واشنطن تصر على موقفها المتحفظ إزاء شراء تركيا هذه الصواريخ، فيما اعتبر حلف الناتو أن من حق تركيا اقتناء الأسلحة التي تساعدها في حفظ أمنها بعد أن أعلنت أنقرة أن المنظومة الروسية لن تدمج في منظومات الناتو.
على صعيد آخر، اعتقلت الشرطة التركية أمس 54 من موظفي جامعة «الفاتح»، التي كانت تتبع حركة الخدمة التي يتزعمها الداعية فتح الله غولن الذي تتهمه السلطات التركية بتدبير محاولة انقلاب فاشلة شهدتها تركيا في منتصف يوليو (تموز) 2016.
وقالت مصادر أمنية إن النيابة العامة أصدرت أوامر باعتقال 171 أكاديميا وموظفا من جامعة «الفاتح» في إسطنبول التي أغلقتها الحكومة عقب محاولة الانقلاب، على اعتبار أنهم على صلة وثيقة بغولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية منذ عام 1999، والذي نفى مرارا أي علاقة له بمحاولة الانقلاب. ووجّهت النيابة العامة للعاملين بالجامعة تهمة استخدام تطبيق الرسائل النصية المشفرة (بايلوك) الذي تقول الحكومة إنه شائع الاستخدام بين أنصار غولن.
وسجنت السلطات التركية منذ محاولة الانقلاب الفاشلة أكثر من 60 ألفا بانتظار المحاكمة، فيما فصلت أو أوقفت عن العمل أكثر من 160 ألفا آخرين، بينهم موظفون حكوميون وعسكريون وصحافيون ورجال أمن وسياسيون معارضون في أوسع حملة لا تزال مستمرة حتى الآن. وتقول الحكومة إن هذه الحملة ضرورية لمنع التهديدات بسبب تغلغل أنصار غولن في مؤسسات الدولة، لكن الحملة التي تنفذ في ظل حالة الطوارئ تثير قلق حلفاء تركيا في الغرب والمنظمات الحقوقية الدولية، لا سيما بعد توسيع نطاقها لتشمل سياسيين معارضين لإردوغان فيما اعتبر محاولة لقمع المعارضة.
وأصدرت الحكومة التركية الأحد الماضي مرسوما بموجب حالة الطوارئ ينص على فصل 2756 شخصا من أعمالهم في مؤسسات حكومية، من بينهم عسكريون ومعلمون وموظفون في الوزارات بزعم صلات تربطهم بتنظيمات «إرهابية». وجاء في المرسوم الذي نشرته الجريدة الرسمية، أن صلات اتضحت بين المفصولين وجماعات وكيانات إرهابية تعمل ضد الأمن القومي.
كما تضمن المرسوم مادة مثيرة للجدل تحصن المدنيين الذين شاركوا في إحباط محاولة الانقلاب ونزلوا إلى الشوارع تلبية لنداء إردوغان ليلة محاولة الانقلاب من الملاحقة القضائية، انتقدها سياسيون وحقوقيون معتبرين أنها تفتح الباب لتشكيل ميليشيات مسلحة موالية للحكومة تتمتع بالحصانة.
ويتعرض الرئيس التركي السابق عبد الله غل لموجة من الهجوم من جانب مسؤولين ونواب بحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي كان أحد مؤسسيه، بسبب دعوته الحكومة إلى إعادة النظر في القرار لمخالفته للدستور وصحيح القانون. ورد نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة بكير بوزداغ بالتأكيد أن الحكومة لن تجري أي تعديلات على هذه المادة.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»