«مجموعة الدعم الدولية» تحيي القرار 1559

TT

«مجموعة الدعم الدولية» تحيي القرار 1559

حمَل البيان الصادر عن مجموعة الدعم الدولية للبنان، لا سيما الفقرة التي تؤكد على «ضرورة تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما فيها القرار 1559 الذي ينصّ على تفكيك الميليشيات ونزع سلاحها» تفسيرات عدّة، لكن كل التفسيرات أجمعت على الربط بينه وبين التغيّرات التي تحصل على مستوى المنطقة، والمرتبطة بانتهاء الحرب على «داعش»، والحديث عن حل الميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا وصولاً إلى لبنان.
ورغم تباين القراءات حول هذا البيان، إلا أن الخبراء أجمعوا على أن صدوره بهذا التوقيت يدلّ على تبدّل بالموقف الدولي، حيال تعزيز سيادة الدولة اللبنانية، حيث ذكر أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور شفيق المصري، أن «القرار 1559 نفذ بكامل بنوده، خصوصاً المتعلق منها بانسحاب القوات الأجنبية، عبر انسحاب الجيش السوري وانتخاب رئيس للجمهورية، والتأكيد على سيادة لبنان التي تتكرر في كل قرار مجلس الأمن». وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هذا القرار «لم يتبقِ منه سوى البند الذي ينص على تفكيك الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع أسلحتها، وهذا مكمن القصد من بيان باريس»، مؤكداً أن هذا البيان «يشكل إحراجاً كبيراً للبنان، لأنه يلقى تحفظاً من جهات لبنانية، لا تستطيع أن تسمي حزب الله ميليشيات، لأن ذلك يتماشى مع توصيف الأميركيين له كمنظمة إرهابية، وهذا يتعارض مع وجود الحزب في كل مؤسسات الدولة، أي في البرلمان والحكومة والإدارات الرسمية»، لافتاً إلى أن «هذا البند سيبقى موضع نقاش».
وكانت مجموعة الدعم الدولية للبنان التي اجتمعت في العاصمة الفرنسية باريس يوم الجمعة الماضي، شددت في بيانها على «ضرورة تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتقيد بها على نحو تام، بما فيها القراران 1559 (2004) و1701 (2006)».
ويذهب البعض إلى حد ربط هذا البيان بـ«تحرير القرار اللبناني من هيمنة حزب الله»، وفق تقدير النائب والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون، الذي رأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل دول القرار تدرك أن سعد الحريري (رئيس الحكومة اللبنانية)، لا يمكن أن ينجح في الحكم في ظل ازدواجية السلاح»، معتبراً أن «لا قيمة للقرار 1701 ما لم ينزع سلاح حزب الله»، مشيراً إلى أن «الأمم المتحدة أنفقت خلال السنوات الـ11 الماضية 8.5 مليار دولار على القوات الدولية (اليونيفيل)، من أجل تعزيز سيادة الدولة اللبنانية في جنوب لبنان، في وقت نجد الآن أن السيادة في الجنوب اللبناني هي لإيران، بدليل جولات قيس الخزعلي وكوادر من الميليشيات العراقية والأفغانية».
وأكد بيضون أن «الموقف الأميركي هو الأساس في ترجمة تطبيق بيان باريس، ولكن لا أحد يعرف كيف ستطبقه الإدارة الأميركية»، مشدداً على أن «كل المعطيات تفيد بأن واشنطن قررت إنهاء الأذرع العسكرية الإيرانية في المنطقة، وأن تعود القوة العسكرية الإيرانية إلى داخل إيران، ولن تسمح لها بالانفلاش في المنطقة». ونبّه إلى أن هذا البيان «قد يكون الجزء الظاهر من جبل الجليد».
ولا يخفي الدكتور سامي نادر رئيس مركز «المشرق» للشؤون الاستراتيجية، وجود «بصمة أميركية واضحة في بيان مجموعة الدعم الدولية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «إعادة إحياء هذا القرار من قبل دول القرار، تهدف إلى حماية التسوية السياسية في لبنان وإعادة التوازن إليها، بعدما جنحت هذه التسوية لمصلحة حزب الله وإيران»، مضيفاً: «صحيح أن البيان لم يسمّ حزب الله مباشرة، لكن التذكير بالقرار 1559، يعني التلويح بعامل القوة المتمثلة بقرار دولي، ويشدد على أن حسم مسألة سلاح الحزب لا بد منها».
ولا شكّ أن محتوى البيان يذهب إلى حد الإحاطة بكل القرارات الدولية المرتبطة بلبنان، ويلاحظ الدكتور شفيق المصري أن «القرار 1559 متحرّك، لأن مجلس الأمن كلّف المبعوث الأممي تيري رود لارسن بإعداد تقرير كل ستة أشهر حول المرحلة التي وصل إليها تطبيق هذا القرار، كما أن القرار 1701 عطف إليه القرارين 1559 و1680 (الذي يذكر بمقتضيات الـ1559، ويحذّر من عمليات نقل أسلحة إلى ميليشيات داخل الأراضي اللبنانية)، وبالتالي هناك مراعاة للترابط بين القرارات الثلاثة».
وربط الدكتور سامي نادر بين هذا البيان والمتغيرات الحاصلة على مستوى المنطقة، أهمها إعلان انتهاء الحرب على «داعش». وقال: «ليس صدفة أن يأتي الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) إلى قاعدة حميميم ويعلن عن سحب قواته، وهي رسالة باتجاه الأميركي الذي يربط وجوده العسكري في سوريا بالمرحلة الانتقالية، ورسالة صامتة باتجاه إيران الموجودة عسكرياً بقوة على الأرض السورية». وأشار إلى أن «الشأن اللبناني هو الأسهل، لأن سلاح حزب الله مرتبط بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن واتفاق الطائف». ورأى أن «كل هذه المتغيرات تفسّر هرولة حزب الله إلى الانتخابات النيابية، علّه يأتي بأكثرية تشرّع سلاحه، ولكن للأسف هذا يدخل لبنان في متاهات كبيرة جداً».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.