موسكو تتهم التحالف الدولي بـ«تدمير» الرقة

جددت الرغبة بالتعاون مع واشنطن في سوريا

TT

موسكو تتهم التحالف الدولي بـ«تدمير» الرقة

اتهمت وزارة الدفاع الروسية التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «داعش» بالتركيز في سوريا على التصدي لقوات النظام السوري، «وقصف مواقعها مباشرة في بعض الأحيان، كما جرى في دير الزور».
وأصدرت الوزارة، أمس، بياناً ردت فيه على تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي عبر عن دهشته بأن روسيا نسبت الانتصار على «داعش» لنفسها. وقالت إن التحالف تمكن مؤخراً فقط من تحقيق الإنجاز الوحيد، وأضافت بعبارات لا تخلو من التهكم إن ذلك الإنجاز هو «تدمير مدينة الرقة مع سكانها المدنيين نتيجة القصف الجوي العنيف. لهذا إذا كان هناك دور إيجابي لعبه التحالف في عمليات القضاء على (داعش)، فإن ذلك الدور يتجسد حصراً في عدم تمكنهم من تدمير المدن السورية الأخرى بالقصف العنيف كما فعلوا في الرقة».
وكان وزير الخارجية الفرنسي عبر عن دهشته لإعلان روسيا نفسها صاحبة النصر على تنظيم داعش في سوريا، وقال في حوار تلفزيوني: «أجد أن نسب روسيا النصر على (داعش) في سوريا لنفسها أمر يثير الدهشة»، وأشار إلى أن «القوات الروسية أتت متأخرة إلى حد ما، لمساعدة قوات بشار الأسد، وفي نهاية المطاف تمكنت من تحرير دير الزور». ورأت «الدفاع الروسية» أنه «من المستغرب سماع مثل هذا الكلام من رأس الدبلوماسية الفرنسية»، وقالت إن «الفضل في أن (داعش) هزم اليوم في سوريا يعود في المقام الأول للقيادة السورية والقوات الحكومية»، وأكدت أن تلك القوات تمكنت بدعم من القوات الجوية الروسية، من تحرير مئات المناطق السكنية في سوريا و«استعادت القوات الحكومية السيطرة فعلاً على معظم أراضي البلاد».
ويتبادل الجانبان الاتهامات، وينتقد كل منهما دور الآخر وعملياته العسكرية في سوريا، بصورة شبه دائمة، منذ ثلاث سنوات تقريباً، وتقول روسيا إن عمليات التحالف في سوريا، التي بدأت في سبتمبر (أيلول) عام 2014، بقرار من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ليست شرعية لأنها تجري دون إذن وموافقة وتنسيق مع السلطات السورية، ولم تحصل على تفويض من مجلس الأمن الدولي. ومن جانبه، يتهم الغرب روسيا بأنها تدخلت في الأزمة السورية، وتحت غطاء «عملية ضد الإرهاب» قدمت كل أشكال الدعم للنظام السوري في المواجهات مع فصائل المعارضة السورية، وأن القصف الروسي تسبب بدمار المدن واستهدف منشآت حيوية مثل المشافي والمدارس.
وفي الأشهر الأخيرة أصبحت الاتهامات الروسية للتحالف الدولي شبه يومية. ومن أهم تلك الاتهامات تحميل روسيا التحالف المسؤولية عن مقتل الجنرال فاليري أسابوف، كبير المستشارين العسكريين الروس في سوريا، نتيجة قصف في سبتمبر الماضي في دير الزور. حينها اعتبر سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، أن مصرع أسابوف نتيجة ازدواجية الموقف الأميركي في الحرب على الإرهاب، وفي الوقت ذاته اتهمت واشنطن القوات الروسية بقصف مواقع مجموعات معارضة تتلقى الدعم الأميركي، بما في ذلك «قوات سوريا الديمقراطية».
غير أن موسكو نفت قصف تلك المواقع، ووجهت من جانبها اتهامات أكثر من مرة للقوات الأميركية في سوريا، منها على سبيل المثال، الإهمال في الحرب ضد الإرهاب، والتواطؤ مع تنظيم داعش، والسماح لمقاتليه بالمرور عبر مناطق السيطرة الأميركية نحو دير الزور لعرقلة تقدم قوات النظام السوري، وقالت إن القوات الكردية التي تتلقى الدعم والحماية من الأميركيين، لا تقوم بأي عمليات عسكرية شرق الفرات، وتتحرك بحرية في مناطق سيطرة التنظيم الإرهابي، وغيرها من اتهامات كثيرة خلال الشهرين الماضيين بصورة خاصة.
ومع دخول المعارك ضد «داعش» في الرقة بدعم أميركي، وفي دير الزور بدعم روسي، المرحلة النهائية، كثفت روسيا حملة انتقاداتها لقوات التحالف الدولي. وبعد إعلان القوات الأميركية في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن عملية الرقة دخلت مرحلتها النهائية، وصفت وزارة الدفاع الروسية، القوات الأميركية بـ«قصف دموي للأحياء السكنية في مدينة الرقة السورية»، وقالت إن «القصف الدموي الذي تستخدمه الولايات المتحدة والتحالف الدولي على الأحياء السكنية، والتدمير المتعمد لكل المصادر الطبيعية للمياه، لم يأت حتى الآن بأي شيء، سوى سقوط آلاف الضحايا من المواطنين الذين تجري العملية لتحريرهم». بالمقابل أشادت الوزارة بـ«إنجازات» حققتها قوات النظام بدعم روسي، وتحديداً تحرير الميادين، ووصفت ما تقوم به الولايات المتحدة في الرقة بأنه فشل «يتباين بشكل شديد مع التقدم الناجح للقوات الحكومية في الميادين، التي تم تحريرها من الإرهابيين».
ورغم كل تلك الاتهامات فإن موسكو كانت حريصة دوماً على التعاون مع الولايات المتحدة في سوريا، ووقعت معها بداية مذكرة لتفادي التصادم بين مقاتلات التحالف والمقاتلات الروسية أثناء تنفيذ مهام في الأجواء السورية. وترى موسكو أن المذكرة أمر إيجابي لكنه غير كافٍ، وتدعو إلى تعاون أوسع بين الجانبين. إلا أن موسكو لم تحصل على مبتغاها بإطلاق تعاون شامل مع الأميركيين في سوريا، على الرغم من الاتصالات على أرفع مستويات، بما في ذلك بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما، ومن ثم دونالد ترمب، هذا فضلا عن اتصالات مستمرة عبر القنوات العسكرية والدبلوماسية، وعبر مجموعات العمل في جنيف وفي عمان.
وكان الإعلان عن الاتفاق الأميركي - الروسي على إقامة منطقة خفض التصعيد جنوب غربي سوريا الثمرة الوحيدة لكل تلك الاتصالات. وحتى المرحلة الأخيرة من العمليات العسكرية ضد «داعش» كانت روسيا تأمل بتعاون وعمليات مشتركة، وهذا ما برز في موقف وزارة الدفاع الروسية خلال معركة الرقة، حين شككت بقدرة التحالف الدولي على طرد تنظيم داعش الإرهابي من المدينة، عاصمة التنظيم في سوريا، وحذرت من التفاؤل المفرط في هذا الصدد، وألمحت إلى ضرورة التنسيق مع القوات الروسية، حين قالت، على لسان المتحدث الرسمي إيغر كوناشينكوف، إن «النجاح الفعلي، والمهلة التي يمكن خلالها إنجاز العملية في الرقة، مسائل تعتمد بصورة مباشرة على فهم التحالف الدولي، واستعداده لتنسيق عملياته مع كل القوى التي تتصدى للإرهاب الدولي في سوريا».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.