تدور القصة برمتها حول ناديي كرة قدم كبيرين في إطار الدوري الممتاز الإنجليزي واثنين من المليارديرات، وكيف أدت العلاقة الوثيقة بينهما، وحالة الغموض والسرية المحيطة بالشركات التي يملكانها في ملاذات ضريبية «أوفشور» إلى إثارة علامات استفهام حول من يملك ماذا. وعليه، تعالت أصوات داعية لإدخال تغييرات على القواعد الرامية لحماية الملكية المستقلة لأندية الدوري الإنجليزي.
تبدأ أحداث القصة بآرسنال ومشجع بالغ الثراء وهو رجل أعمال أوزبكستاني ـ روسي يدعى أليشير عثمانوف. منذ 10 سنوات، قرر عثمانوف شراء حصة في نادي آرسنال العملاق في الدوري الممتاز ومقره لندن. ويضم النادي استاد الإمارات الضخم الذي يتسع لـ60.000 مقعد، وقد لجأ إلى شركة «أبلبي» للاستشارات القانونية في جزيرة مان لإنجاز الصفقة.
وكشفت وثائق اطلعت عليها «الغارديان» أن عثمانوف أصدر توجيهات إلى «أبلبي» لإدارة حصته البالغة 30 في المائة من آرسنال على امتداد 10 سنوات من أغسطس (آب) 2007.
بعد 9 سنوات، تولت «أبلبي» - الشركة التي تحتل بؤرة اهتمام الوثائق المسربة تحت اسم «أوراق بارادايس» ـ أيضاً إدارة صفقة الاستحواذ على حصة كبيرة من نادي إيفرتون المشارك في الدوري الممتاز، ومقره مدينة ليفربول، وذلك لصالح رجل أعمال آخر مقيم في موناكو يدعى فارهاد موشيري. جدير بالذكر أن موشيري شريك تجاري منذ أمد بعيد لعثمانوف، بل وسبق له العمل موظفاً لديه، وحتى شرائه حصة في إيفرتون كان يشارك عثمانوف ملكية أسهم داخل آرسنال.
إلا أن هذه الترتيبات افتقرت على نحو خطير إلى المباشرة والوضوح. وتسلط الوثائق المرتبطة بـ«أبلبي» الضوء على العلاقة الوثيقة بين المليارديرين، التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، بالنظر إلى كون موشيري رئيس «يو إس إم»، الشركة القابضة فاحشة الثراء التي يملك عثمانوف حصة ضخمة فيها.
وقد دفع ذلك نشطاء إلى طرح تساؤلات بخصوص القواعد التي يفرضها مسؤول الدوري الممتاز، وتحظر «الملكية المزدوجة» للأندية، وما إذا كانت واسعة النطاق بالقدر الكافي. جدير بالذكر أن هذه القواعد تحظر على شخص واحد امتلاك حصة في ناديين، لكنها لا تفرض الحظر ذاته على الشركاء التجاريين وثيقي الصلة.
أيضاً، تسلط الوثائق الضوء على أدوات الملكية التي لا يراها الرأي العام، والهياكل «أوفشور» التي يجري من خلالها امتلاك الكثير للغاية من المؤسسات البريطانية، بما في ذلك أندية رياضية عريقة مثل آرسنال وإيفرتون.
من ناحيته، يداعب طموح امتلاك آرسنال خيال عثمانوف منذ فترة بعيدة. ويذكر أن عثمانوف بنى ثروته بفضل خصخصة الصناعات الحكومية داخل روسيا في أعقاب انهيار الشيوعية. ولطالما أعلن رجل الأعمال الروسي أنه يمتلك الحصة المبدئية في أغسطس (آب) 2007، والإضافات التالية العديدة الأصغر التي أعقبتها، لترفع إجمالي الحصة التي يملكها إلى 30 في المائة، بالتساوي مع موشيري.
كان عثمانوف قد تدرب بادئ الأمر في العمل بمجال المحاسبة في عدد من كبريات الشركات في لندن. أما موشيري، فإنه منذ عام 1993 عمل بصورة أساسية مع ولحساب عثمانوف، وتولى إدارة ثروته. كانت البداية مع الأصول المرتبطة بقطاعي المعادن والتصنيع المملوكة لعثمانوف، ثم الأسهم المرتبطة بالصناعات الرقمية والاتصال عن بعد، التي تقدر قيمتها بمليارات الجنيهات الإسترلينية.
على صعيد متصل، يعتبر عثمانوف الشريك صاحب الحصة الأكبر وبفارق ضخم عمن يليه داخل شركة «يو إس إم» القابضة منذ عام 2012، وتقدر حصته بـ48 في المائة. أما موشيري، إضافة لكونه رئيس «يو إس إم»، فإنه يملك حصة بالشركة ذاتها تقدر بـ10 في المائة، وذلك في أعقاب ترتيبات أقرها عثمانوف، وتسمح للمسؤولين التنفيذيين في الشركة بامتلاك حصص خاصة بهم فيها.
في مارس (آذار) 2016، اتخذ موشيري تحركات مفاجئة نحو شراء إيفرتون. وباع موشيري أسهمه في آرسنال إلى عثمانوف، ليحصل بذلك على النقد اللازم لشراء حصة 49.9 في المائة من إيفرتون مقابل 87.5 جنيه إسترليني، وتوجيه مزيد من الاستثمارات إلى النادي.
وكان من المهم كذلك أن يبيع حصته في آرسنال لضمان الالتزام بالقواعد التي يفرضها مسؤولو الدوري الممتاز، والتي تحظر على أي شخص يملك أكثر عن 10 في المائة من أسهم نادٍ ما، مثلما الحال مع عثمانوف في آرسنال، امتلاك ولو سهم واحد في أي نادٍ آخر.
في الواقع، ترمي هذه القواعد بصورة أساسية لحماية النزاهة الرياضية، بناءً على فكرة مفادها أنه حال وجود فريقين يملكهما الشخص ذاته، فإنهما ربما لا يلعبان بصورة مستقلة، ولا يتنافسان في مواجهة بعضهما البعض بالحماس اللازم، بل وربما يتعمدان طرح نتائج مفتعلة تخدم مصلحة واحد منهما.
من ناحيتهما، أكد موشيري وعثمانوف أنه رغم الشراكة التجارية وثيقة الصلة بينهما، والممتدة لأكثر عن 25 عاماً، فإن استثمارات موشيري في إيفرتون منفصلة تماماً، وليس لعثمانوف ثمة مصلحة بها، مباشرة أو غير مباشرة. واضطر الاثنان لمعاودة التأكيد على هذا الأمر في يناير (كانون الثاني) هذا العام، عندما أعلن إيفرتون أن ملعب التدريب الخاص به في فينش فارم سيحظى برعاية سخية من جانب «يو إس إم»، المملوكة بصورة أساسية من قبل عثمانوف، الذي يملك بدوره حصة 30 في المائة من آرسنال.
وأكد موشيري ومحاموه لمسؤولي الدوري الممتاز أن صفقة شرائه إيفرتون تخصه حصرياً، على نحو مستقل تماماً عن عثمانوف. وبالفعل، وافق المسؤولون على الصفقة.
وكانت «أبلبي» الشركة التي وقع الاختيار عليها لإدارة كل من صفقتي شراء أسهم آرسنال من جانب عثمانوف وموشيري عبر شركتهما القابضة «ريد آند وايت سيكيوريتيز»، وشراء موشيري لحصة في إيفرتون.
ويبدو أن «أبلبي» شعرت ببعض الارتباك في التعرف على مدى الانفصال بين أموال موشيري وعثمانوف. وتشير الوثائق إلى أن القسم المعني بضمان الالتزام بالقوانين داخل الشركة شرح مصدر ثروة موشيري عام 2007 بالإشارة إلى أن رجل الأعمال تلقى «هدية» من عثمانوف. وأضافت الوثائق: «إنها أرباح من (غالاهر هولدينغز) - كانت تشكل في هذا الوقت الشركة القابضة الرئيسية لدى عثمانوف، ومسجلة في قبرص - إلى أليشير عثمانوف، الذي سيهدي الأموال بعد ذلك إلى موشيري، الذي سوف يستثمرها في الشركة».
وعلى ما يبدو، كان هذا التفسير الذي جرى تداوله داخل «أبلبي»، ولم يطرح مزيداً من الشرح أو التفاصيل بخصوص هذه «الهدية» في الوثائق التي اطلعت عليها «الغارديان». وبعد عام، تحديداً 2008، ذكرت تقارير أن عثمانوف منح موشيري حصة ضخمة من «غالاهر هولدينغز» بلغت 10 في المائة. وأشار ممثلو موشيري إلى أن هذا جرى كهدية مباشرة في إطار منظومة حوافز عبر التشارك في الأسهم، وأن عثمانوف منح موشيري هذه الحصة باعتباره المسؤول التنفيذي الأول الذي تحققت تحت قيادته أرباح ضخمة على استثمارات «غالاهر هولدينغز».
يذكر أنه عندما اشترى الرجلان أسهم آرسنال للمرة الأولى، لم تظهر ثمة دلائل في سجلات حسابات «أبلبي» تشير إلى مشاركة موشيري بأي أموال من جانبه. كانت الشركة الوحيدة التي ظهرت في السجلات مشاركتها بأموال «إبيون هولدينغز»، وذلك في بادئ الأمر عبر قرض بقيمة 118 مليون جنيه إسترليني، وهي شركة مملوكة بالكامل لعثمانوف.
وتكشف السجلات أن أموال «إبيون هولدينغز» تدفقت عبر «ريد آند وايت سيكيوريتيز» لشراء أسهم آرسنال لحساب كلا الرجلين. وتشير الوثائق إلى أن «تمويل (ريد آند وايت سيكيوريتيز) جاء من جانب (إبيون هولدينغز ليمتد)».
ظاهرياً، يثير هذا احتمالية أن تكون حصة الـ30 في المائة في آرسنال، التي تقدر قيمتها حالياً بـ494 مليون جنيه إسترليني، قد اشترتها الشركة المملوكة لعثمانوف بالكامل، وأن موشيري حصل على حصة الـ50 في المائة كهدية، ولم يشارك بأي أموال من جانبه.
بالنظر إلى أن موشيري لاحقاً باع نصف حصته في آرسنال مجدداً إلى عثمانوف، واستغل الأموال التي تلقاها في الاستثمار في إيفرتون، فإن هذا يثير انطباعاً بأن عثمانوف واقع الأمر ربما يملك حصة داخل إيفرتون، ببساطة لأن مصدر جميع الأموال التي جرى شراء النادي بها ينتمي إليه.
من ناحية أخرى، ثمة اثنان من المسؤولين التنفيذيين شاركا في إدارة استثمارات موشيري داخل إيفرتون على صلة بعثمانوف، الأمر الذي يعزز الانطباع بأن الأخير ربما يقف خلف صفقة شراء موشيري حصة الأغلبية داخل إيفرتون.
من جانبه، أكد متحدث رسمي باسم موشيري في حديث إلى «الغارديان» أن شركة «إبيون» المملوكة لعثمانوف، التي تتخذ من جزر فيرجين البريطانية مقراً لها، دفعت كامل ثمن صفقة شراء حصته في آرسنال. ومع هذا، أشار المتحدث الرسمي إلى أن هذا لا يكشف كامل الصورة الخاصة بطبيعة العلاقات القائمة بين الرجلين، وأن موشيري قد دفع لعثمانوف مقابل نصف الحصة الأولية في آرسنال بالاعتماد على أموال كان يملكها في شركة استثمارية منفصلة خاصة به.
وأضاف: «المبلغ النقدي (مقابل أسهم آرسنال) جرى تمويله من خلال أرباح تلقاها موشيري عام 2007 من شركة استثمارية كنت مملوكة له بنسبة 100 في المائة. وقد جرى تناول كل ذلك بالتفصيل في اتفاقات موقعة بين الطرفين».
وقال: «من الواضح أن مشاركة موشيري في (ريد آند وايت سيكيوريتيز) تعتمد في الأصل على أموال خاصة به، وأن موشيري يملك ثروة شخصية كبيرة، وكان هذا الوضع قائماً عام 2007».
من ناحيتها، اطلعت «الغارديان» على وثيقة تعترف خلالها «إبيون» بتلقيها مبلغاً مالياً من شركة يملكها موشيري مقابل نصف حصته في آرسنال بالكامل.
جدير بالذكر أنه في أغسطس 2008، دخل الرجلان في اتفاق جديد يقضي بعدم التشارك في حصة آرسنال 50-50. وإنما جرى التشارك تبعاً للمبلغ الذي ساهم به كل منهما. ويقال إن عثمانوف دفع مبلغاً أكبر من المال فيما بعد لشراء أسهم في آرسنال. وعليه، عندما سعى موشيري لبيع حصته إلى عثمانوف، تقاضى أقل عن 50 في المائة من قيمة الحصة البالغة 30 في المائة.
على الجانب الآخر، وجد مسؤولو الدوري الممتاز أنفسهم مضطرين للموافقة على صفقة شراء موشيري لإيفرتون، موضحين أنهم أصبحوا على قناعة بأن عثمانوف لا يملك أي نصيب في حصة إيفرتون، على نحو مباشر أو غير مباشر. ومن المعتقد أن مسؤولي الدوري الممتاز جرى إطلاعهم على تفاصيل الاستثمار الأولي في آرسنال من جانب عثمانوف وموشيري للتأكد من أن الأخير شارك بأموال خاصة به.
من ناحيته، قال متحدث رسمي باسم موشيري إن: «مسؤولي الدوري الممتاز طلبوا الاطلاع على معلومات ووثائق وأدلة ترتبط بفترة استثمار موشيري في إيفرتون لضمان الالتزام بالمعايير الخاصة بالمالكين ومديري الأندية».
ومع هذا، فإن العلاقة الوثيقة للغاية بين الشريكين التجاريين دفعت بعض النشطاء للقول بأن القاعدة التي أقرها الدوري الممتاز، وتحظر «الملكية المزدوجة» للأندية ليست واقعية بما يكفي. على سبيل المثال، أكد مالكولم كلارك رئيس «اتحاد مشجعي كرة القدم»، في تصريحات لـ«الغارديان»، إنه من المهم ليس فقط ضمان عدم وقوع تضارب مباشر في المصالح، وإنما كذلك مجرد مظهر يوحي بحدوث ذلك.
واستطرد موضحاً أن: «العلاقة الوثيقة بين رجلي الأعمال واللذين عملا معاً على مدار سنوات كثيرة، وتربطهما مصالح مالية واسعة، تثير القلق إزاء ضرورة إقرار مزيد من القواعد الواسعة للحيلولة دون امتلاك الشركاء وثيقي الصلة بمجال الأعمال أندية مختلفة يتنافسان في مواجهة بعضهما البعض».
يذكر أن الدوري الممتاز ليست لديه سياسات لمنع أو تقييد أنديته أن يجري تملكها من قبل كيانات «أوفشور». في الواقع، تنتمي أغلبية الأندية بالفعل لمالكين أجانب، بما في ذلك ملاذات ضريبية مثل جزر كايمان ولكسمبورغ وديلاوير بالولايات المتحدة التي تتميز بانخفاض المعدلات الضريبية بها، وكذلك جزيرة مان التي تنتمي إليها الشركة التي يملكها موشيري، ويتملك من خلالها حصة في إيفرتون. جدير بالذكر أن الدوري أقر قواعد تفرض أن يكون ملاك الأندية ومديروها «أفراد مناسبين وصالحين» ليس لديهم سوابق جنائية. كما يستعين مسؤولو الدوري بشركات للتحري عن مصادر الأموال للتأكد من أن الأموال قادمة من مصادر مشروعة.
من جانبه، قال جورج تيرنر من مركز تتبع للضرائب «تاكس جستس نتورك»، الذي وضع تقرير «لعبة أوفشور» حول ملكية أندية كرة القدم، إن مثل هذه الهياكل يجري استغلالها من جانب أفراد في الطبقة العالمية فاحشة الثراء، لتجنب الضرائب ومتطلبات الشفافية داخل المملكة المتحدة. وأوضح أن: «الملاذات الضريبية موجودة لتوفير مميزات ضريبية، وكذلك لتوفير سرية مالية. إذا كانت الملكية من خلال كيان (أوفشور)، فإنه غالباً ما يكون من الصعب معرفة من أين جاءت الأموال وطبيعة العلاقات المالية التي قد تطرأ أوفشور، وربما تشكل مخاطرة على النزاهة الرياضية».
وأضاف: «سيصبح الأمر أبسط كثيراً إذا ما أقرت السلطات المعنية بكرة القدم قاعدة تنص على أن الشخصين المشاركين معاً في علاقة تجارية لا ينبغي لأي منهما امتلاك حصة كبيرة من الأسهم في أندية كروية مختلفة».
من ناحيتهم، قال مسؤولو الدوري الممتاز إنهم يعتبرون المعلومات التي اطلعوا عليها بخصوص صفقة شراء نادٍ ما أو الملاك الأفراد، سرية. وفي بيان لهم، أوضحوا أن «الدوري الممتاز لديه قواعد واسعة النطاق تنظم المسائل المتعلقة بملكية الأندية وتمويلها تتجاوز ما يفرضه قانون الشركات».
وأضاف البيان: «ويتضمن ذلك ضرورة عقد مقابلة بين الملاك الجدد المحتملين وأعضاء مجلس إدارة الدوري الممتاز، وتقديم الفريق الأول معلومات تفصيلية موسعة حول مصادر تمويلهم ومدى كفاءتها».
إلا أن مسؤولي الدوري الممتاز لم يقدموا رداً مباشراً على الحجة القائلة بضرورة توسيع نطاق قاعدة الملكية المزدوجة لتشمل الشركاء في العمل التجاري.
الصلات بين عثمانوف وموشيري تهدد قواعد ملكية الأندية الإنجليزية
يرتبطان بعلاقات تجارية متشابكة ويملكان حصة كبيرة في أسهم آرسنال وإيفرتون
الصلات بين عثمانوف وموشيري تهدد قواعد ملكية الأندية الإنجليزية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة