مر أكثر من شهر منذ ظهور سام ألاردايس بجانب الناقدين الكرويين ريتشارد كيز وأندي غراي، في أحد الاستديوهات التلفزيونية وهو يشكو من أن الأجانب يحصلون على جميع الوظائف المميزة. وقال ألاردايس بالضبط إن المديرين الفنيين البريطانيين يُنظر إليهم على أنهم «من الدرجة الثانية» في بلدهم و«ليس لديهم مكان يذهبون إليه» لأن الدوري الإنجليزي الممتاز هو «دوري أجنبي في إنجلترا». وفي الحقيقة، كان هذا محض هراء لأنه في غضون أسبوع واحد تولى ألاردايس تدريب نادي إيفرتون، وألان بارديو القيادة الفنية لنادي وست بروميتش ألبيون. وجاء ذلك بعدما شغل روي هودغسون منصب المدير الفني لكريستال بالاس، وتولي ديفيد مويز قيادة وستهام يونايتد. ويعني هذا أن الأمور أصبحت جيدة للغاية مع المديرين الفنيين البريطانيين، ربما بشكل لم يكن موجوداً من قبل.
ويدور نقاش حاد، وغير واضح إلى حد ما، حول هذه التعيينات الأخيرة. فهل من العدل أن نصفهم جميعاً بأنهم عواجيز؟ وكيف يمكن ذلك والفارق بين أصغرهم سناً (مويز، 54 عاماً) وأكبرهم سناً (هودغسون، 70 عاماً) يصل إلى 16 عاماً؟ ومن الناحية التدريبية، متى نصف المدير الفني بأنه عجوز؟ وفي حالة ألاردايس، هناك تاريخ طويل من تبنيه أفكاراً واتجاهات حديثة، فهل هو حقاً مثل «الديناصورات المنقرضة» كما يصوره البعض؟ وأياً كانت وجهة النظر في هذا الإطار، فإن هذا الشعور الكئيب له ما يبرره، حيث تولى هودغسون ومويز وألاردايس وبارديو فيما بينهم مهمة تدريب أندية في الدوري الإنجليزي الممتاز 18 مرة، ولم ينجح أي منهم في الحصول على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز ولا مرة، في الوقت الذي قاد فيه مويز وبارديو أندية للهبوط من الدوري الإنجليزي الممتاز إلى دوري الدرجة الثانية (تشامبيون شيب). وبالتالي، فإن هذا الأداء المتواضع والنتائج المخيبة للآمال سوف توضع في الحسبان من قبل الأندية الكبرى قبل التعاقد معهم.
ومن المفارقة أن هذا التفكير الضيق يأتي على النقيض تماماً من انفتاح الدوري الإنجليزي الممتاز على العالم أكثر من أي وقت مضى للحصول على أفكار جديدة ومبادئ أوسع نطاقاً. ويعد نادي مانشستر سيتي هو المثال الأبرز على ذلك، حيث يضم مجموعة كبيرة من اللاعبين البرازيليين والأرجنتينيين والبلجيكيين والألمان، من بين جنسيات أخرى، كما يشجع اللاعبين الإنجليز الشباب على تقديم مستويات أفضل، ويواصل الاستعانة بمدير فني إسباني بعدما قال كثيرون إنه فشل في أول موسم له مع الفريق. لقد رفض جوسيب غوارديولا الاستسلام وقاتل من أجل تنفيذ أفكاره وفلسفته ونجح خلال الموسم الحالي في تقديم أداء رائع أشاد به الجميع، وليس في ملعب الاتحاد فقط. وكما كتب بارني روناي في صحيفة الـ«غارديان» مؤخراً، فإن هيمنة مانشستر سيتي على الدوري الإنجليزي الممتاز خلال الموسم الحالي هي شيء يمكن للمحايدين أن يتذوقوه ويُعجبوا به لأن الفريق يقدم كرة قدم ممتعة وساحرة.
وقد أنفق مانشستر سيتي أموالاً طائلة من أجل الوصول إلى هذه التوليفة السحرية، والتي مكّنته من التغريد منفرداً في صدارة الدوري الإنجليزي الممتاز بفارق 8 نقاط عن أقرب منافسيه وتحقيق الفوز في 13 مباراة على التوالي، بعد الفوز الدراماتيكي والمثير على ويستهام الأحد الماضي بهدفين مقابل هدف وحيد. لقد تطور شكل الفريق بصورة ملحوظة نتيجة الأموال الطائلة التي أُنفقت عليه من صندوق سيادي، لذا يجب أن نتوقف قليلاً قبل أن نكيل عبارات المديح والثناء للنادي. لكن في المقابل، ورغم أنه يمكن للأموال أن تشتري المواهب فإنها لا تشتري بالضرورة هذا الأداء الجميل والطموح الكبير الذي أظهره مانشستر سيتي خلال الموسم الحالي.
ولا يقتصر هذا الأمر على مانشستر سيتي وحده، حيث يقدم ليفربول وتوتنهام هوتسبير أداءً هجومياً رائعاً يقوم على الفكر الهجومي ليورغن كلوب وماوريسيو بوكيتينو. لكن الوضع يختلف كثيراً بين مانشستر سيتي من جهة وبين ليفربول وتوتنهام من جهة أخرى، لأن الأداء الدفاعي الهزيل لليفربول يؤثر عليه كثيراً رغم تفوقه الهجومي، كما تراجع توتنهام هوتسبير في ترتيب الدوري المحلي وباتت الشكوك تحوم بقوة حول قدرته على مواصلة المنافسة على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز، لكنّ الفريقين يقدمان كرة قدم جيدة ومثيرة ولديهما طموح كبير. وينطبق نفس الأمر على ما يقوم به ماركو سيلفا مع نادي واتفورد، بعدما نجح في تحويل مجموعة من اللاعبين العاديين الموسم الماضي إلى أحد أكثر الفرق قوة وحيوية في الدوري الإنجليزي الممتاز. وحتى بعد الخسارة أمام مانشستر يونايتد يوم الثلاثاء قبل الماضي والتعادل مع توتنهام هوتسبير الأحد الماضي، نال الفريق إشادة كبيرة بفضل الأداء القوي الذي قدمه.
بالطبع هناك مبالغة في تصوير سيلفا على أنه المخلص الذي يمكنه القضاء على مشكلات جميع الأندية، لكنه في واقع الأمر يقدم مستويات جيدة للغاية، وينطبق الأمر نفسه على ديفيد فاغنر، الذي نجح في قيادة نادي هيديرسفيلد من المركز الثامن عشر في جدول ترتيب دوري الدرجة الثانية إلى الصعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز في غضون 18 شهراً فقط. لقد جاء بوكيتينو وسيلفا وفاغنر إلى إنجلترا (مع ساوثهامبتون وهال سيتي وهوديرسفيلد على الترتيب) وسط شكوك كبيرة حول قدرتهم على التكيف مع العمل في الدوري الإنجليزي الممتاز، لكنهم سرعان ما أثبتوا قدراتهم التدريبية الكبيرة وقدرتهم على مساعدة اللاعبين على تقديم أقصى ما لديهم من أجل الفريق.
لا يعد هذا شيئاً جديداً بكل تأكيد، لأن الدوري الإنجليزي الممتاز دائماً ما يجذب الأفكار الجديدة من الجنسيات الأخرى، سواء داخل الملعب أو خارجه، ولا يوجد مدير فني ترك بصمة واضحة في الدوري الإنجليزي الممتاز أكثر من المدير الفني الفرنسي آرسين فينغر، الذي يتولى قيادة آرسنال منذ فترة طويلة. لكن عدد المديرين الفنيين الأجانب في الدوري الإنجليزي الممتاز أصبح أكثر من ذي قبل، ويكفي أن نعرف أنه خلال موسم 1997-1998 الذي حصل فيه فينغر على أول بطولة للدوري الإنجليزي الممتاز مع آرسنال، لم يكن عدد المديرين الفنيين الأجانب من غير البريطانيين في الدوري الإنجليزي الممتاز يزيد على 4 مديرين فنيين، وكان من بينهم المدير الفني الآيرلندي جو كينير. وقد فاز تشيلسي بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي وهو يلعب بثلاثة مدافعين في الخط الخلفي، وهي الطريقة التي اختفت من كرة القدم الإنجليزية، لكن المدير الفني الإيطالي أنطونيو كونتي أعاد تطبيقها مع الفريق وحصل بها على درع الدوري.
وفي الحقيقة، يعد هذا المزيج من الأفكار من جميع أنحاء العالم شيئاً مهماً للغاية وسط أجواء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتنامي الشعور بأن مواطني البلدان الأخرى يشعرون بأنه غير مرحب بهم في بريطانيا، لكن الواقع يقول إن الأندية التي تحتل المراكز الستة الأولى في الدوري الإنجليزي الممتاز يقودها مديرون فنيون من إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا وألمانيا، في الوقت الذي يعاني فيه المديرون الفنيون الأجانب في بلدان أخرى. والحقيقة هي أن المديرين الفنيين ليس مرحباً بهم فحسب، لكن يتم الاحتفاء بهم وتقديرهم على الوجه الأمثل أيضاً.
ومَن الذي يحتل المركز السابع في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز؟ إنه نادي بيرنلي، الذي أثبت أن المديرين الفنيين البريطانيين أيضاً قادرون على تحقيق نجاح كبير. لقد نجح شون دايش، في ثاني تجربة تدريبية له والأولى في الدوري الإنجليزي الممتاز، في أن يقود فريقاً صغيراً لاحتلال مركز متقدم في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، ليس هذا فحسب لكنه جعله يقدم كرة قدم جميلة وجذابة، تجلت بصورة واضحة في الهدف الذي أحرزه جيف هيندريك بعد 24 تمريرة في مرمى إيفرتون في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في المباراة التي انتهت بفوز بيرنلي بهدف دون رد، كما ظهر هذا الأداء الرائع أيضاً في المباراة التي فاز بها بيرنلي بهدفين مقابل هدف وحيد على بورنموث، الذي يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز للموسم الثالث على التوالي ويطبق فلسفة الاستحواذ على الكرة كما يريد المدير الفني للفريق إيدي هوي، البالغ من العمر 40 عاماً.
لا تؤتي هذه الفلسفة ثمارها في جميع المباريات، لكنها على الأقل تعد تفكيراً جديداً، وهو نفس الشيء الذي يمكن أن يقال عن المدير الفني للمنتخب الإنجليزي غاريث ساوثغيت، الذي أكد أنه يريد أن يرفع سقف طموحات المنتخب الإنجليزي ويجعله يستحوذ على الكرة بأريحية كبيرة. ربما لا ينجح ساوثغيت في تطبيق ذلك في نهائيات كأس العالم الصيف القادم بروسيا، لكنه على الأقل يحاول القيام بشيء جديد ومثير. وهذا هو الشيء الذي تتسم به كرة القدم الإنجليزية في الوقت الحالي – الإثارة.
«الديناصورات» تنقرض في الدوري الإنجليزي
الطلب يتزايد على المدربين البريطانيين... والبطولة المحلية لم تعد بطولة للغرباء يهيمن عليها الأجانب
«الديناصورات» تنقرض في الدوري الإنجليزي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة