الانتخابات السورية «صورية» لكنها تكشف عن حجم الاستقطاب الصارخ في البلاد

الانتخابات السورية «صورية» لكنها تكشف عن حجم الاستقطاب الصارخ في البلاد
TT

الانتخابات السورية «صورية» لكنها تكشف عن حجم الاستقطاب الصارخ في البلاد

الانتخابات السورية «صورية» لكنها تكشف عن حجم الاستقطاب الصارخ في البلاد

لم يتوقع كثير من الناس، سواء داخل سوريا أو خارجها، أن تسفر الانتخابات الرئاسية السورية عن مفاجآت. «إنها انتخابات صورية»، هكذا قال لي أحد الخبراء البريطانيين المعنيين بشؤون الشرق الأوسط قبل بضعة أسابيع عندما كنا نتناقش حول التصويت المقبل في البلاد. ولكنه استطرد قائلا: «لكنها انتخابات صورية مهمة».
لا شيء يمكن أن يكون أكثر صدقا مما قاله هذا الخبير. فمع بدء التصويت يوم الأربعاء الماضي للسوريين المقيمين في الخارج، وإدلاء أولئك الذين يعيشون في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام داخل البلاد بأصواتهم أمس، تكشفت الأحداث الحالية خلال أسبوع الانتخابات السورية بشكل واضح عن الدمار الذي أصاب البلاد وألقى بظلاله على شعبها المحاصر جراء الاستقطاب الصارخ، الذي أسفرت عنه ثلاث سنوات من الصراع الحاد. ومما يدل على ذلك استخدام رجل من بين المصوتين، في مركز الاقتراع ببيروت، دمه من أجل التصويت لبشار الأسد، وذلك طبقا لما أفادت به بعض التقارير. وفي الوقت نفسه، نظم نشطاء المعارضة، في القرى والبلدات والمدن التي تقع في مناطق يسيطر عليها الثوار، سلسلة من الاحتجاجات الصاخبة ضد ما وصفوه «بانتخابات الدم» بقيادة الأسد. وفي بلد غارق في الدماء على مدى السنوات الثلاث الماضية، بدت رمزية الانتخابات مناسبة في كلتا الحالتين.
وحينما نمعن النظر في هذه الانتخابات نجد أن كل تفاصيلها صممت للتأكيد على أن أولئك الذين يؤيدون النظام هم من يحابيهم النظام، وأولئك الذين يكرهونه سيجري إقصاؤهم. وكمثال آخر على الاستقطاب خارج سوريا ما حدث في العاصمة الأرمينية يريفان، التي لجأ إليها ما بين عشرة آلاف و15 ألف سوري - أرميني كلهم من المسيحيين، وعدد كبير منهم من الطبقة الوسطى ويمثلون أغلبية ساحقة مؤيدة للنظام، إذ فتحت السفارة السورية أبوابها للتصويت. بينما في تركيا، وهي بلد مجاور تأوي أكثر من مليون لاجئ سوري، لم يتوفر صندوق اقتراع واحد بها. ولكن لم يكن ذلك مستغربا، بالنظر إلى أن معظم السوريين هناك من السنة الذين هربوا من المدن والبلدات الشمالية التي سحقها الأسد. هذا ولم يسمح لأي من السوريين الذين غادروا البلاد دون جوازات سفرهم أو عبر الحدود التي تسيطر عليها المعارضة - والفقراء المعدمين، والمنشقين من الجيش، والمدرجين في القوائم السوداء - بتسجيل أسمائهم من أجل التصويت.
«لم نكن نعتقد أن الأسد سيجري الانتخابات إلا عندما أعلن عنها»، هذا ما قاله يحيى العلاوي، الذي كان يمتلك مطعما في إدلب قبل أن يغادر خالي الوفاض بعد أن دُمِر بيته ومحل عمله. كما أضاف قائلا: «لا أستطيع أن أصف الشعور الذي انتابني عندما سمعت أنه من المقرر أن تكون هناك انتخابات. إن الأمر سخيف ومحزن للغاية، في ضوء ما حدث في سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية».
ومثل مئات الآلاف من السوريين الآخرين الذين فقدوا كل شيء، انتقل يحيى بعائلته إلى محافظة هاتاي التركية، المجاورة لسوريا على الطرف الغربي من المنطقة الحدودية. يجني يحيى من عمله الجديد، في مطعم بمدينة الريحانية، 750 ليرة تركية شهريا، ينفق منها 400 ليرة على الإيجار. وعند سؤاله عن الانتخابات، قال يحيى إنه لم يكن ليشارك بإدلاء صوته حتى لو كانت الحكومة السورية نظمت التصويت في تركيا. وبالنسبة للسوريين أمثال يحيى، كان مجرد طلب مشاركتهم في الانتخابات من شأنه أن يزيد من حجم الضرر الواقع عليهم بالفعل. وأردف قائلا: «إنه من الجيد أن الانتخابات لم تجر في تركيا. وكان ينبغي على جميع الدول أن تفعل الشيء نفسه. لا يجب أن يساعد أي شخص النظام على إقامة هذه الانتخابات».
وفي حصر الانتخابات في الأماكن التي لا تزال تحت سيطرته ويحظى فيها باحترام، فرض الأسد سيطرته على هذا العمل السياسي المسرحي تماما، وبنفس القدر من البراعة التي تمثلت في استعادته بعض الأراضي في الأسابيع الأخيرة. وسواء بمحض الصدفة أو بتضافر الجهود العسكرية، عقدت الانتخابات في الوقت الذي كان يبدو فيه أن الأسد له اليد العليا الحاسمة في ميدان المعركة. خلال الشهر الماضي استعادت قواته معقلا للثوار في حمص ويبدو أن قواته طوقت المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة في مدينة حلب. وفي المناطق الشمالية الشرقية الغنية بالنفط، يخوض الثوار غمار معركة أخرى في جبهة ثانية ضد الجماعات الإسلامية الانتهازية التي تستغل الفوضى للاستيلاء على موارد البلاد.
واستكمالا لهذا المشهد يروي أبو فهد، وهو أب لأربعة أبناء، ويدير محل بقالة صغير في الريحانية، ببالغ الأسى والغضب كيف استعاد النظام المدينة القديمة في حمص من المعارضة الشهر الماضي، معقبا بأن منزله وعمله كانا دائما هناك، ولكن الآن لم يبق أي شيء جراء القصف العنيف الذي شنته قوات النظام على مدار عامين.
وفي تعقيبه على إجراء الانتخابات قال أبو فهد: «لو تبقى لبشار أي ذرة من الإنسانية، لم يكن ليقيم هذه الانتخابات بعد تلك الأحداث»، مضيفا: «إنه دمّر كل شيء. دمّر عائلاتنا. نحن هنا لاجئون فكيف ينبغي لنا أن نقبل هذا؟».
من الجانب العملي، تعد نتائج الانتخابات بالكاد ذات أهمية في هذا السياق. ولكن على الجانب النفسي، فهي تعني كل شيء.
ويقول تشارلز ليست، الخبير في الشؤون السورية بمعهد بروكينغز، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مضمون الانتخابات أقل أهمية، بيد أن رمزيتها بالنسبة لجانبي الصراع هي المهمة، فهي تمثل بالنسبة لمؤيدي الأسد، تأكيدا على استمرار شرعيته».
وقال يحيى إنه كان يعتقد أن الآثار التي قد تنجم عن فوز الأسد، ستكون أبعد بكثير من كونها آثارا ملموسة». وأضاف: «بطبيعة الحال إذا فاز الأسد، سيحاول استعادة كل المناطق المحررة»، موضحا أنه «سوف يقتل المزيد من الناس».
وقد ادعى أنصار الأسد أن هذه المنافسة كانت خطوة حقيقية نحو الديمقراطية، في إشارة إلى أن هذه هي أول انتخابات رئاسية منذ تولي والد بشار، حافظ الأسد، السلطة في عام 1970، والتي أتيح فيها للسوريين البسطاء الاختيار من بين المرشحين. وفي انتخابات سابقة، كان يمكن للناخبين التصويت إما بـ«نعم» أو «لا» في استفتاء على الرئيس الموجود؛ كما حدث في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في عام 2007، وفاز فيها الأسد بتأييد بلغت نسبته 98 في المائة.
وقد بدا جليا من خلال مشاهد الفوضى التي رصدت يوم الاقتراع في السفارة السورية ببيروت، أن جزءا كبيرا من السوريين يعتقدون أن الأسد هو الخيار الأفضل إلى الأبد، وليس في الوقت الراهن، بل ويرون أنه الخيار الوحيد.
وفي هذا السياق يقول جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، بأن تلك الحشود كانت أكثر رمزية وأهمية من نتيجة الانتخابات ذاتها. وأضاف في تصريحه لصحيفة «الشرق الأوسط»: «هذه الانتخابات ليس لها علاقة بالديمقراطية، وإنما هي سعيا للزعامة. لا يهم حقا إذا كان المادحون صادقين في محبتهم، فيكفي إثبات أن الرجل العظيم يستطيع أن يجعلهم ينتفضون بأعداد كبيرة لإظهار مدى تفانيهم».
وإذا كانت هذا السعي من جانب الأسد لإظهار روح الديمقراطية، فهي محاولة ضعيفة. وكان المرشحان المعارضان له، واللذان تم اختيارهما من بين 24 مرشحا ممن سجلوا في البداية، غير معروفين في الواقع.
وتعقيبا على ذلك، قال الدكتور أبو علي، الذي يعمل طبيبا جراحا بالمستشفى الميداني في إدلب منذ بدء النزاع المسلح، إن «المرشحين الآخرين كانا من أنصار بشار»، حسب تعبيره بأن «الأمر يبدو كخدعة. وإذا ذهبت إلى المناطق الخاضعة لنفوذ النظام، فلن ترى أي ملصقات للحملتين الانتخابيتين لهذين المرشحين، ستجد فقط صور بشار».
ليست هذه هي الديمقراطية التي كان المتظاهرون يأملون في تحقيقها عندما خرجوا إلى الشوارع قبل ثلاث سنوات طويلة. ومنذ ذلك الحين، وبطبيعة الحال، غمر تلك الاحتجاجات التمرد المسلح، الذي تحول بعد ذلك إلى حرب أهلية بشعة والتي تبدو مستعصية على الحل. ولكن خلال الأسابيع القليلة الماضية، أخذ الناشطون المدنيون مرة أخرى زمام المبادرة باعتبارهم صوت المعارضة.
قال سامي، أحد مؤسسي حملة «لا تصوت، ارفع صوتك» التي أقيمت عبر شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع التي سبقت الانتخابات، في حديثه عبر «سكايب» قبل يومين من بدء الاقتراع: «إن تحويل الأمر إلى نزاع مسلح كان واحدا من أكثر الأخطاء القاتلة للثورة». وحث أعضاء الحملة، التي يديرها ناشطون مدنيون من داخل دمشق في سرية تامة، السوريين الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها النظام على الامتناع عن التصويت كشكل من أشكال الاحتجاج على الانتخابات الرئاسية التي يشوبها عيوب كثيرة. ومن خلال الأسلوب والرسالة التي تؤديها الحملة، فإنها أعادت للأذهان الأيام الأولى للانتفاضة.
وأكد سامي قائلا: «إن بديل الأسد هو المعارضة معتدلة، وليس المعارضة المسلحة المعتدلة، ولكنها المعارضة المعتدلة التي حافظت على برنامجها ومسارها السياسيين، ودعت دائما إلى إيجاد حل سلمي». وأضاف: «هذا هو الطريق الذي لا بد من السير فيه، لأننا نعرف أن الصراع المسلح لن يؤدي إلى أي شيء إيجابي. فلن تستطيع الحكومة ولا المعارضة النجاح عسكريا».
فضلا عن ذلك، أجريت هذه الانتخابات في ظل أغرب وأبشع ظروف. ففي الوقت الذي أسقطت فيه أول بطاقة تصويت في صناديق الاقتراع، واصلت قوات النظام إلقاء البراميل المتفجرة على حلب، واستمر اللاجئون في التدفق عبر الحدود. إن المحرومين من التصويت هم أيضا النازحون، والمحبطون، الذين تدمرت حياتهم، هم أنفسهم الذين فقدوا الكثير على يد الأسد خلال السنوات الثلاث الماضية.
ويُنهي أبو علي حديثه متسائلا: «إذا كان لديك رئيس مثل بشار، هل ستنتخبه مرة أخرى؟». ويرد متسائلا: «كيف يمكن أن أصوت لقاتلي؟».



مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
TT

مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)

أكدت مصر «موقفها الثابت والرافض للمساس بسيادة لبنان ووحدة وسلامه أراضيه، فضلاً عن دعم المؤسسات الوطنية للاضطلاع الكامل بمسؤولياتها في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان». وشددت على «ضرورة منع التصعيد واحتوائه، ورفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية».

جاء ذلك خلال لقاء وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط، كلير لوجندر، على هامش «منتدى صير بنى ياس» في الإمارات، السبت.

وثمن عبد العاطي العلاقات الاستراتيجية بين مصر وفرنسا، معرباً عن التطلع لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وزيادة الاستثمارات الفرنسية في مصر، فضلاً عن تعزيز التعاون في مختلف المجالات وفى مقدمتها قطاعات الصناعة والنقل والسياحة والثقافة والتعليم. كما رحب بقرب انعقاد الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بين وزارتي الخارجية المصرية والفرنسية.

وفيما يتعلق بتطورات القضية الفلسطينية، رحب وزير الخارجية المصري بالموقف الفرنسي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، مبرزاً الجهود التي تقوم بها مصر لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأكد «ضرورة تضافر الجهود الدولية لضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن 2803 وسرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة للاضطلاع بمسؤوليتها ومهامها».

ونوه عبد العاطي بأهمية المضي في خطوات تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية لإدارة قطاع غزة. ولفت إلى أهمية ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى قطاع غزة في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية، مشدداً على أهمية خلق الأفق السياسي للتوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية من خلال تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

الشيخ عبد الله بن زايد خلال لقاء وزير الخارجية المصري في الإمارات (الخارجية المصرية)

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، تم التطرق خلال اللقاء إلى الأوضاع في السودان، حيث أطلع الوزير عبد العاطي المسؤولة الفرنسية على الجهود المصرية في إطار الرباعية بهدف تحقيق وقف إطلاق النار بما يسمح بإطلاق عملية سياسية سودانية شاملة، مؤكداً على ثوابت الموقف المصري بشأن حماية سيادة السودان، ووحدة وسلامة أراضيه، ورفض التقسيم، ودعم مؤسسات الدولة. وشدد على ضرورة توحيد الجهود الإقليمية والدولية لدفع مسار التهدئة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار ونفاذ المساعدات الإنسانية. كما حرص وزير الخارجية على إطلاع المسئولة الفرنسية على نتائج زيارته الأخيرة للبنان.

وقال وزير الخارجية المصري خلال زيارته إلى العاصمة اللبنانية بيروت، الشهر الماضي، إن بلاده تنظر إلى لبنان بعدّه ركناً أساسياً في منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي، مؤكداً على أن صون سيادته واستقلال قراره الوطني يظلان أولوية ثابتة في السياسة الخارجية المصرية.

في سياق آخر، التقى عبد العاطي، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، مساء السبت. وتناول اللقاء آفاق تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين والبناء على ما تشهده من زخم إيجابي في مختلف المجالات، في ضوء ما يجمع القيادتين والشعبين من روابط راسخة وشراكة استراتيجية.

وبحسب «الخارجية المصرية»، السبت، تبادل الجانبان الرؤى حول عدد من القضايا والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع في الضفة الغربية وتنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام في قطاع غزة، فضلاً عن تطورات الأوضاع في السودان والتنسيق القائم في إطار الرباعية، والأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا. واتفق الوزيران على «أهمية مواصلة التنسيق والتشاور لدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز العمل العربي المشترك».


«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)

تستضيف العاصمة القطرية، الدوحة، اجتماعاً عسكرياً، الثلاثاء، لبحث «تشكيل قوة الاستقرار» في قطاع غزة التي تنص عليها خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام، التي دخلت حيز التنفيذ 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولاقت دعماً من مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت.

ذلك الاجتماع المرتقب يأتي وسط ضبابية بشأن مستقبل تلك القوات وتعثر الانتقال للمرحلة الثانية، ويراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» محاولة لسد فجوات، منها مهام تعترض عليها فصائل فلسطينية مرتبطة بالوجود داخل القطاع أو نزع السلاح، بخلاف وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة دول بينها تركيا، وسط تباين بشأن قدرة الاجتماع على تقديم حلول ناجزة، في ظل عدم اتفاق سياسي على الانتقال للمرحلة الثانية، وترقب نتائج لقاء ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أواخر هذا الشهر.

وتوقع مسؤولون أميركيون نشر هذه القوات مطلع العام المقبل، بعد بحث التفاصيل خلال اجتماع للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة عدد من الدول، في العاصمة القطرية، الدوحة، الثلاثاء، وفق ما أوردت وكالة «رويترز».

وقال مسؤولان أميركيان للوكالة، أخيراً، إنه من المتوقع أن ترسل أكثر من 25 دولة ممثلين عنها للمشاركة في الاجتماع الذي «سيتضمن جلسات لمناقشة هيكل القيادة، وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة»، لافتين إلى أن «قوة الاستقرار الدولية لن تقاتل حركة (حماس)، وأن دولاً كثيرة أبدت رغبتها في المساهمة فيها».

ونقل موقع «أكسيوس»، الجمعة، أن مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، الذي زار إسرائيل أخيراً، أبلغ نتنياهو ومسؤولين آخرين بأن إدارة ترمب ستتولى قيادة ما تُعرف باسم «قوة الاستقرار الدولية» وستعين جنرالاً قائداً لها.

ويعطي قرار تبناه مجلس الأمن الدولي في 17 نوفمبر الماضي تفويضاً «لمجلس سلام» في غزة والدول التي تتعاون معه، من أجل تأسيس «قوة استقرار دولية» مؤقتة في القطاع.

وسبق أن تحدثت القناة الـ«14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر الماضي، بأن الولايات المتحدة الأميركية حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة لإمكانية تأجيله مجدداً.

صبيَّان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرُّها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن اجتماع الدوحة سيركز على «سد الفجوات» مثل عدم تعيين قائد للقوة، رغم أن التسريبات تشير إلى أنه أميركي، فلا مهام محددة بشأن القوة حتى الآن، كما أنه لم يتم تشكيل «مجلس السلام» الذي صدر له التفويض الأممي بتشكيل القوة، بجانب وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة تركيا، وهذا يعرقل مسار تحديد الدول، بخلاف عدم حسم قضايا سياسية مرتبطة بنزع السلاح.

وأشار إلى أن حديث انتشار القوات بداية العام يكون صحيحاً إذا كنا قد عرفنا الآن مهام وتسليح القوات، وباتت تتجمع هذه الأيام، وبالتالي نحن بصدد ترتيبات ستأخذ ربما شهرين لتحقيق انتشار لو حُسمت الملفات السياسية.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن اجتماع الدوحة بشأن تلك القوات يناقش سد الفجوات «لكنه يشكل إطاراً عاماً للتعايش معها، وليس لحلها»، موضحاً أن الفجوات تتعلق بكيفية الانتشار ومهام القوات، وهل ستنزع سلاح «حماس» وتبدأ الانسحابات. ونبه إلى أن هذا الاجتماع قد يحسم التشكيل والتمويل، و«لا يعني مشاركة 25 دولة فيه أن هناك موافقة على الانخراط في القوة؛ لكن ستتم مناقشة الخطوط الأولية».

منظر عام لمخيَّم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بغزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش مشاركته في «منتدى صير بني ياس» بالإمارات، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت: «ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأهمية تشكيل قوة الاستقرار الدولية»، وذلك خلال لقاء المدير العام لـ«أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية»، والمنسق الأممي الخاص السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

وهذا التأكيد ليس الأول من نوعه من جانب مصر؛ حيث أعلنته أكثر من مرة أخيراً.

وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، على الصحافيين أخيراً بشأن تطورات اتفاق غزة، قائلة إن «هناك كثيراً من التخطيط الهادئ الذي يجري خلف الكواليس في الوقت الحالي للمرحلة الثانية من اتفاق السلام... نريد ضمان سلام دائم ومستمر».

وأوضح راغب أن المرحلة الأولى لم تنتهِ بعد، وهناك أمور سياسية لم تُحَل، لافتاً إلى أن «قمة ترمب-نتنياهو» المقررة نهاية هذا الشهر ستكون فاصلة في المرحلة الثانية، وتشكيل القوات، ورفع «الفيتو»، وإنهاء الفجوات.

أما نزال فيرى أن المرحلة الثانية لم تنضج بعد، والهدوء الأميركي في المناقشات محاولة لتفادي الفشل من أي إعلان قد يُحدث ضجة عند أي طرف، في ظل ريبة فلسطينية مما يُعد في الكواليس، متوقعاً أن تزداد مساعي الوسطاء تجاه الانتقال للمرحلة الثانية بأقل تكلفة ومخاطرة، وهذا سيتضح عقب لقاء ترمب بنتنياهو.


حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يترقَّب الشارع اليمني أن تُكلَّل الجهود التي تقودها السعودية، بشراكة مع الإمارات، بنزع فتيل التوتر وإنهاء التصعيد في حضرموت والمهرة على خلفية التحركات الأحادية الميدانية التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي في الأيام الماضية، التي أدت إلى إرباك معسكر الشرعية اليمنية، وسط مخاوف من أن يقود ذلك إلى تبعات اقتصادية وإنسانية وأمنية في ظل تربص الجماعة الحوثية بالمناطق المُحرَّرة.

جاء ذلك غداة حراك سياسي وعسكري مكثَّف في إطار الجهود السعودية - الإماراتية الرامية إلى احتواء التوتر في المحافظات الشرقية، وذلك مع وصول فريق عسكري مشترك إلى عدن، وعقد لقاءات رسمية مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتوازي مع لقاءات في حضرموت مع قيادات محلية وقبلية، في مسعى لإعادة تطبيع الأوضاع ومنع انزلاقها إلى مزيد من التصعيد.

وجاءت هذه التحركات في وقت تشهد فيه محافظتا حضرموت والمهرة توتراً متزايداً على خلفية تحركات ميدانية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وما أعقبها من مواجهات وأحداث أمنية، دفعت «تحالف دعم الشرعية» إلى تكثيف مساعيه السياسية والعسكرية لفرض التهدئة، والحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة في المناطق المُحرَّرة.

الزبيدي استقبل في عدن وفداً عسكرياً سعودياً إماراتياً مشتركاً (سبأ)

في هذا السياق، استقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، وهو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في القصر الرئاسي بعدن، قيادة القوات المشتركة لـ«تحالف دعم الشرعية»، يتقدمهم اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي، بحضور عضو مجلس القيادة عبد الرحمن المحرمي، ورئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي، ورئيس اللجنة العسكرية والأمنية المشتركة العليا اللواء هيثم قاسم طاهر.

ووفق مصادر رسمية، ناقش اللقاء سبل توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تهدِّد أمن اليمن والمنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب، وتهريب الأسلحة، والتهديدات التي تمس المصالح الدولية وحرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز التنسيق العسكري والأمني بين القوات اليمنية والتحالف.

وأشاد الزُبيدي بالدور الذي تضطلع به دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، مؤكداً أهمية الشراكة القائمة في دعم القوات اليمنية، بينما أكدت قيادة القوات المشتركة دعمها المستمر للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المرحلتين الحالية والمستقبلية.

بيان رئاسي

بالتوازي مع هذه التحركات، جدَّد مصدر مسؤول في مكتب الرئاسة اليمني الإشادة بجهود السعودية لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، وذلك بعد وصول الفريق العسكري السعودي - الإماراتي إلى عدن.

وأوضح المصدر أن الزيارة تأتي ضمن جهود الرياض وأبوظبي لتعزيز وحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ومعالجة تداعيات الإجراءات الأحادية الأخيرة، بما يضمن عودة الأوضاع إلى مسارها الطبيعي، وتمكين السلطات المحلية والحكومة من أداء مهامها وفقاً للدستور والقانون.

وأشار البيان إلى أن المشاورات الجارية تتناول معالجة مسألة القوات المُستقدَمة من خارج المحافظات الشرقية، وسبل مغادرتها، إضافة إلى تمكين مؤسسات الدولة من ممارسة صلاحياتها الحصرية، واحترام المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (أ.ف.ب)

وحذَّر المصدر من أن أي تصعيد إضافي من شأنه تبديد المكاسب المُحقَّقة، وصرف الانتباه بعيداً عن المعركة ضد جماعة الحوثي، وتقويض جهود الإصلاحات الاقتصادية، ومفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد، مؤكداً حرص قيادة الدولة على تغليب الحلول السياسية، ودعم الجهود السعودية - الإماراتية، والعمل الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

آليات مرتقبة للحل

أفادت مصادر مطلعة بأن الفريق العسكري السعودي - الإماراتي يبحث وضع آليات تنفيذية لخروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتَي حضرموت والمهرة، وإعادتها إلى مواقعها السابقة، إلى جانب ترتيبات لتسليم بعض المواقع لقوات «درع الوطن»، في إطار إجراءات منسقة تهدف إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

كما عقد الوفد السعودي، برئاسة اللواء الدكتور محمد القحطاني، لقاءً موسعاً في حضرموت مع قيادة السلطة المحلية برئاسة المحافظ سالم الخنبشي، وقيادات الكتلة البرلمانية ومجلس الشورى، ومرجعيات قبائل حضرموت، ومشايخ وأعيان الوادي والصحراء.

وأكد المحافظ الخنبشي أن زيارة الوفد السعودي تمثل دعامةً لأواصر الأخوة بين البلدين، مشيداً بمواقف المملكة الداعمة لحضرموت في هذه الظروف، بينما شدَّد رئيس الوفد السعودي على أن اللقاءات تأتي في إطار فرض التهدئة، ورفض أي تشكيلات عسكرية خارج نطاق الدولة، والحفاظ على أمن واستقرار المحافظة.

رئيس الوفد السعودي في حضرموت اللواء محمد القحطاني يلتقي قيادات قبلية ومحلية (سبأ)

وأشادت القيادات البرلمانية والقبلية بالموقف السعودي، عادّةً أن هذه التحركات تمثل تطميناً للمواطنين، وتؤكد الحرص على معالجة تداعيات دخول قوات من خارج المحافظة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي.

في المقابل، نعت رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية عدداً من منتسبي المنطقة العسكرية الأولى، الذين سقطوا خلال مواجهات وصفتها بأنها اعتداءات نفَّذتها مجاميع تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مشيرةً إلى سقوط 32 قتيلاً و45 جريحاً، إضافة إلى مفقودين، ومؤكدة التزام القوات المسلحة بواجباتها تحت قيادة الدولة ووفقاً للدستور والقانون.

وفي موقف سياسي لافت دعا أحمد علي عبد الله صالح، وهو النجل الأكبر للرئيس اليمني الأسبق، جميع الأطراف اليمنية، إلى وقف التصعيد وضبط النفس، والعودة إلى الحوار، محذِّراً من أن استمرار التوتر في المحافظات الشرقية لا يخدم استقرار البلاد، ولا جهود توحيد الصف في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.