«الشرق الأوسط» داخل أوكار المتطرفين في ليبيا (4 من 5): سقوط «دواعش» بنغازي يكشف صلات عابرة للحدود

وثائق جمعها سلاح الصاعقة تتضمن أدلة على تورط دول بدعم شبكات التطرف عبر المنطقة

يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)
يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)
TT

«الشرق الأوسط» داخل أوكار المتطرفين في ليبيا (4 من 5): سقوط «دواعش» بنغازي يكشف صلات عابرة للحدود

يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)
يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)

حين تحلَّقت مجموعة من العسكريين والمدنيين للاطلاع على حاسوب تمت مصادرته من مقر لعناصر من تنظيم داعش، تبين أن محتوياته لا تخص النشاط المتطرف في بنغازي ولا في كل ليبيا فقط، لكنها أكبر من ذلك بكثير. فالمعلومات الموجودة اليوم لدى أجهزة الاستخبارات، والمستقاة من أجهزة حواسب محمولة تخص عناصر من التنظيم اعتقلوا أو قتلوا، سواء في بنغازي أو طرابلس أو مصراتة، تعكس بشكل شبه متكامل صورة العلاقات التي تتحكم في نشر الإرهاب في شمال أفريقيا.
وتمكن ضابط ليبي من سلاح الصاعقة في بنغازي، درس العلوم العسكرية في مصر، من دخول وكر لـ«داعش» في جنوب المدينة، ووضع يده على أدلة تظهر تورط دول وأجهزة مخابرات عدة في النشاط المتطرف العابر للحدود. والكيفية التي تصل بها كميات من السلاح وقوافل المقاتلين إلى ليبيا، وتداخل كل هذه التحركات مع مهربي الهجرة غير الشرعية وتجار الحشيش والحبوب المخدرة والسجائر المغشوشة. ويقول وهو يغلق الحاسوب الذي تمت مصادرته: «باختصار، نحن يد تحارب... ويد تجمع الوثائق».
وتوجد في ليبيا أجهزة مخابرات رسمية، لكنها مبعثرة بين حكومات عدة تتنافس على السلطة، كما توجد فيها أذرع مخابرات صغيرة تابعة لميليشيات متفرقة. وتحاول مجموعة من أعضاء هذه الأجهزة المختلفة جمع المعلومات وترتيبها من أجل مقاضاة دول ومنظمات انتهكت ليبيا وحدودها.
في الصباح الباكر، بدأ فصل جديد من معركة «بوصنيب» بقيادة قوات الصاعقة في بنغازي. كانت واحدة من أشرس المعارك. وتحصنت مجموعة من «داعش» داخل المقر الرئيسي للتنظيم، بينما كان جنود الصاعقة يصرّون على الوصول إلى المقر بأي ثمن. المقر يشغل طابقين في عمارة. وكان «الدواعش» قد تمكنوا قبل الهجوم من تفخيخ المنطقة المحيطة بالعمارة. ولا بد لضباط الصاعقة من التقدم. وبالتالي، لا بد من تفكيك المتفجرات. لكن كلما حاول عدد من الجنود الاقتراب لفتح الطريق، قام القناصة «الدواعش» باصطيادهم.
يوجد كنز ثمين هنا. وفي مقابل إصرار مقاتلي التنظيم على المقاومة، كان إصرار ضباط الصاعقة على فتح الثغرة تلو الثغرة للسيطرة على المبنى والدخول إلى الوكر. ومع اقتراب اليوم من نهايته، بدا أن المتطرفين ينفذون خطة للانسحاب إلى الوراء. ومن هنا كان لا بد من الضغط عليهم حتى لا يتمكنوا من نقل ما يوجد في المقر معهم.
ورقد ضابط على بطنه ممسكاً ببندقيته أمامه، وأخذ يزحف على التراب في اتجاه عدد من المتفجرات، في محاولة منه لنزع الفتيل منها؛ حتى يتمكن باقي زملائه من التقدم. لكن أصابته رصاصة في رجله اليمني، وأخذ يتقلب على الأرض.
وبدأ رفاقه مهمة لسحبه بعيداً عن النيران، وأطلقوا وابلاً من القذائف في اتجاه مصدر الرصاص. ونجحت العملية. لكن كان لا بد من معرفة موقع القناص. وتقدم ضابط وجندي آخران وهما يتلويان بين الأنقاض متقدمَين للأمام مثل ثعبانين. كانت مهمتهما التركيز على النقطة التي يأتي منها الرصاص الذي يستهدف قوات الصاعقة من الجانب المقابل. وأشار الضابط بأصابعه إشارات عدة. وفهم زملاؤه أن القناص يستخدم فتحة صغيرة جداً في جدار الطابق الثاني من وكر المتطرفين.
وعاد الضابط والجندي زاحفين كما دخلا تحت ستار من نيران رفاقهما الرابضين في الخلف. وأشار الآمر إلى تجهيز قذيفة «آر بي جيه» لإطلاقها على جدار الطابق الثاني.
وتقدم جندي تحت غطاء سيل من الرصاص ووقف في مواجهة الفتحة التي يستخدمها القناص، وأطلق القذيفة من فوق كتفه، حتى اختفى في سحابة من الدخان، وتهاوى الجدار. وفي هذه الأثناء كانت مجموعة الصاعقة قد اندفعت إلى العمارة وسُمع صوت إطلاق رصاص في الطابقين الأول والثاني، ثم حل الصمت. وبعد دقائق خرج الضباط والجنود وقد أسروا من تبقى من «الدواعش»، وهم ثلاثة ليبيين وخمسة تونسيين ومصري.
وكانت عناصر أخرى من المتطرفين قد تقهقرت من المبنى واحتلت مبنى آخر في الخلف، وتمكنت من التمركز فيه لمقاومة رجال الصاعقة. ومع فجر اليوم التالي تجددت المعارك. وبعد ثلاثة أيام سقط من قوات الصاعقة 11 رجلاً وأكثر من عشرين جريحاً، أي نصف القوة التي كانت تخوض هذه المعركة.
وأمام هذا الوضع، دخل رجال التوجيه المعنوي التابعون للجيش، الذين كانوا يرافقون قوات الصاعقة من أجل التصوير فقط، وتحولوا إلى مقاتلين بعد الخسائر التي لحقت بالمجموعة. وكان الهدف ملاحقة المتطرفين حتى النهاية.
وبعد دحر «الدواعش»، نقلت المجموعة المنتصرة متعلقات التنظيم التي تركها وراءه، ولم يتمكن من حرقها أو إتلافها، وسلمتها إلى الجهات المختصة في الجيش لدراستها والتحقيق فيها ومعرفة أبعاد ما يجري في المدينة.
ومن بين ملفات وأوراق واعترافات، يبدو الأمر خطيراً. فهناك مراكز موجودة في دول عدة في أفريقيا وآسيا وأوروبا، تعمل بشكل محموم منذ سنوات على ترسيخ أقدام الجماعات المتطرفة في ليبيا، ليس من أجل الهيمنة على البلاد فقط، بل أيضاً من أجل العمل في دول الجوار لزعزعة استقرارها. ويقول مسؤول في القضاء العسكري: إن نشر التفاصيل «سيتم بضوابط عندما يحين الوقت... لدينا إجراءات تحقيق لا بد من الالتزام بها».
وتأسس سلاح الصاعقة الليبي في مصر عام 1970، على مستوى القيادات وعلى مستوى الأفراد. والآن يتم تخريج ضباط في الكليات العسكرية الليبية، ويجري تدريبهم على أيدي القوات الخاصة في مصر، وبينهم من عادوا ليصبحوا مقاتلين في المحاور في ضواحي بنغازي، حتى تمكنوا أخيراً من تطهير الغالبية العظمى من المدينة.
وبالتزامن مع هذا، جرى نقل الكلية العسكرية من طبرق إلى مدينة توكرة قرب بنغازي. وتبدو الكلية الجديدة موضع فخر لدى ضباط كثيرين يقولون: إنها «أصبحت في مصاف الأكاديميات وليست مجرد كلية».
إلا أن الأهم أن تدريبات قوات الصاعقة في الداخل الليبي لا تتوقف. ويقول المتحدث باسم الجيش العميد أحمد المسماري: إن «الصاعقة في معركة الإرهاب مهمة جداً؛ لأن الحرب على الإرهاب تختلف عن الحرب التقليدية... الحرب على الإرهاب أقرب إلى حرب العصابات الخاطفة سريعة البداية وسريعة الانتهاء. الحرب على الإرهاب وعلى (داعش) والقاعدة لا تنتهي بإعلان الاستسلام، ولا بإعلان النصر. لكنها تنتهي بالقضاء بالقتل أو إلقاء القبض أو بإنهاء كل المظاهر لهذه التنظيمات، وبالتالي معركة صعبة جداً تحتاج إلى تدريبات خاصة وتحتاج إلى قوات خاصة».
وفي معسكر للتدريب، كان ستة معلمين من القوات الخاصة يتلقون تأهيلاً لاستقبال دفعة جديدة والقيام بتدريبها أيضاً. وفي يوم آخر بدأ التدريب على القفز بالمظلات. برجان مربوط بينهما حبل. ومن البرج الأول يقفز كهل مُتدرب (سيكون مدرباً لاحقاً)، وهو مربوط بحبل كأنه مظلة. ويتدلى في الهواء منزلقاً في اتجاه البرج الثاني.
ويقول أحد القادة المشرفين على التدريبات، في حين يختلط صوته بصوت طائرة صدر عن بكرة الانزلاق التي حملت المُتدرب: «هذا الضابط كان متقاعداً لسنوات... وعن طريق هذا التدريب سيتذكر الأيام الخوالي، أي حين كان ضابطاً في الجيش، لكي يقوم بعد ذلك بتدريب متقدمين جدد. الهدف أنه حين يقفز من البرج الأول سيشده الحبل إلى أعلى كأنه لحظة انفتاح المظلة».
ووسط هذه الحركة الدائبة في مقر معسكر التدريب، كان آمر القوات الخاصة ونيس بوخمادة ذو البشرة السمراء يتنقل ليراقب ويشجع الضباط على العمل. وقال: «هذا المدرب عمره أكثر من 54 سنة. ويوجد من هو أكبر منه سناً في القوات الخاصة. هؤلاء يقدمون أرواحهم من أجل الوطن... وما زالوا يقاتلون في الميدان، وما زالت لديهم القدرة على التدريب، وعلى القتال وعلى العطاء».
ومن بين أكثر العمليات العسكرية حرفية تلك التي قام بها الجيش لتحرير عشرات الأسرى في منطقة قنفودة. كان متطرفون يحتجزون رجالاً ونساء وأطفالاً تحت الأرض، بينما كان قادة الجماعات المتطرفة في طرابلس ومصراتة يصرخون بأن الجيش «إذا هجم على الأماكن التي فيها الأسرى فسيقتلهم».
لكن العملية تمت، كما يقول العميد المسماري: «من دون خسارة أي أسير، رغم أننا خسرنا جنوداً من أجل إطلاق سراح هؤلاء الأسرى». وأضاف: «هؤلاء الأسرى كانت تستغلهم جماعة الإخوان المسلمين ومنظمات، لترويج أن ما يقوم به الجيش جرائم حرب، وأن الجيش قام بحصارهم، بينما في الحقيقة نحن أنقذناهم في هذه المعركة».
وبخطوات محسوبة حذرة، تقدم الجنود إلى مقر كبير في قنفودة كان المتطرفون قد انسحبوا منه حالاً. وكسروا أقفال السجن الأول بمقص حديدي ضخم. وأخرجوا عشرات الأسرى الذين كانوا يعانون من الجوع والعطش والتعذيب. وفي السجن الآخر لم يكن هناك أحد. وأبواب هذه السجون مصنوعة من الحديد الثقيل الذي لا يمكن تحريكه إلا بشق الأنفس. ولكل باب أقفال كبيرة، كما تم لحام النوافذ الحديدية. وتوجد أماكن للحراسات من الخارج. وفي سجن آخر كانت هناك بقايا فرش على الأرض ودعوات إلى الصبر محفورة على الجدار.
ويبدو أن المتطرفين تمكنوا من أخذ عدد من السجناء معهم لاستخدامهم دروعاً بشرية. وتوجد على جدران السجن الإسمنتية كتابات خطها الأسرى بالدماء وبالفحم، منها: «نسأل الله الفرج عن قريب»، و«حسبنا الله ونعم الوكيل»، و«يا رب ارحم»، إضافة إلى أدعية أخرى لتفريج الكرب. ورسم بعض السجناء على الجدار جدولاً مرسوماً بالفحم عبارة عن تقويم بالتواريخ لمعرفة عدد الأيام والشهور وأوقات المناسبات، كأنهم، رغم المعاناة، كانوا يحتفلون بها تشبثاً بالحياة.
ومن بين من تم إطلاق سراحهم من الأسرى عجوز مدني بلحية بيضاء كان ابنه يقاتل مع القوات الخاصة لتحرير السجناء. وظهر الرجل وهو يرفع يديه مهللاً في حبور، واحتضن أول جندي قابله، بينما رفع هذا الجندي سلاح «آر بي جيه» كان يحمله على كتفه، وهو يرد له التحية ويستقبله بالأحضان.
ومن بين الأسرى أيضاً ضباط جيش وضباط صف ومدنيون، منهم من عاد للخدمة العسكرية، ومنهم من أصبح مديراً في الإدارة العسكرية.
وحين يسود الفرح في جبهة، فهذا لا يعني توقف العمل في بقية الجبهات. ففي هذا التوقيت كان هناك واحد من بين المقرات المهمة التي كان يتمركز فيها تنظيم داعش في ضاحية قنفودة، وبالتحديد في موقع «الحظيرة الجمركية». وتقدم لمهمة القتال في هذه الموقعة رجال الكتيبة 267 دبابات التابعة للجيش.
وبدأت العملية عن طريق العسكري مفتاح العماري الذي تولى قيادة مدرعة خاصة مصفحة ومحملة بالجنود ودخل بها إلى نطاق المقر. ثم عاد وحمل مجموعة أخرى من الجنود إلى الداخل؛ لأنه لا يوجد عدد كافٍ من هذا النوع من المدرعات المصفحة التي لا يؤثر فيها رصاص القناصة.
كان هجوم الجيش على مقرات «الدواعش» شاملاً ويجري في ضواحٍ عدة. وتحملت الكتيبة الشرسة المعروفة باسم «شهداء الزاوية»، وهي من كتائب القوات الخاصة، العبء الأكبر في العمليات القتالية رغم الظروف الصعبة. كانت هذه الكتيبة تسيطر فيما مضى على مدينة سرت بالكامل، إلا أنها فضّلت الانسحاب من هناك بعد تعرضها لهجمات من ميليشيات مصراتة في 2013. وتسبب الفراغ الذي تركته في سرت باحتلال «الدواعش» للمدينة فيما بعد، إلى أن قامت قوات «البنيان المرصوص» بتحرير سرت أواخر العام الماضي.
وأغلب أفراد كتيبة «شهداء الزاوية» من المنطقة الشرقية في ليبيا، رغم أن الاسم الذي تحمله يعود إلى مدينة الزاوية التي تقع إلى الغرب من طرابلس. وقدمت خلال المعارك التي خاضتها ضد المتطرفين في بنغازي أرواح نحو 240 من الضباط والجنود. ويرجع الفضل في شراسة هذه الكتيبة، وآمرها اللواء جمال الزهاوي، أمام مقاتلي «داعش»، إلى خبراتها في الحرب.
ويوضح أحد قادتها أن «الجميع يضحي من أجل الوطن، أما عما تقول إنه قوة كتيبتنا، فأعتقد أن الأمر يرجع إلى أننا في حروب مستمرة منذ 2011، وهو تاريخ تشكيل الكتيبة، وجعل طول مدة العمل الفريق متجانساً وأفراده متفاهمين، وحتى الشباب من المدنيين المساندين لنا، انضموا إلى الكتيبة متطوعين وتأقلموا فيها مثلنا».
وخاضت الكتيبة نفسها حروباً في غرب بنغازي ضد غزوات المتطرفين للهلال النفطي وضد تمركزاتهم في منطقة الجفرة. ويضيف الضابط نفسه أن آمر الكتيبة اللواء الزهاوي «معه ضباط أكْفاء في إدارة العمليات وفي إدارة النيران. نحن الكتيبة الوحيدة التي لم تغادر بنغازي حتى في فترة وجود تنظيم أنصار الشريعة في المدينة».
ومن بين ملفات جمعها الجيش من مراكز «الدواعش»، يبرز اسم ضابط مخابرات من إحدى دول المنطقة حروف اسمه الأولى ع. م. تقول الأوراق إنه كان من بين المشرفين على التفجيرات التي شهدتها بنغازي، وعلى صلة وثيقة بميليشيات مرتبطة بعدد من الإرهابيين في المدينة. وتشير إلى أنه انتقل إلى طرابلس بعد تحرير الجيش لبنغازي، وأنه يعمل في الوقت الراهن مع قادة لـ«الإخوان» في العاصمة.وبين الوثائق الأخرى التي تغطي الفترة من 2014 إلى 2017، ما يشير إلى خطة ممنهجة ترعاها دول في المنطقة (مذكورة بالتفاصيل) من أجل نقل «التنظيمات الإسلامية، بعد خروجها من سوريا والعراق، إلى غرب أفريقيا، ليتواصلوا عبر أفريقيا الوسطى مع تنظيم بوكو حرام، وتوجيه قطاع منهم للدخول إلى ليبيا ومصر ضمن مشروع الهجرة إلى الله لإحياء سنة الجهاد والاستشهاد».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.