الغموض ما زال يحيط بطريق كوبا نحو المستقبل

بعد عام على رحيل القائد العام فيدل كاسترو

كوبيون يرفعون الأعلام الكوبية بمناسبة ذكرى وفاة الزعيم فيدل كاسترو في شوارع ميامي أمس (أ.ف.ب)
كوبيون يرفعون الأعلام الكوبية بمناسبة ذكرى وفاة الزعيم فيدل كاسترو في شوارع ميامي أمس (أ.ف.ب)
TT

الغموض ما زال يحيط بطريق كوبا نحو المستقبل

كوبيون يرفعون الأعلام الكوبية بمناسبة ذكرى وفاة الزعيم فيدل كاسترو في شوارع ميامي أمس (أ.ف.ب)
كوبيون يرفعون الأعلام الكوبية بمناسبة ذكرى وفاة الزعيم فيدل كاسترو في شوارع ميامي أمس (أ.ف.ب)

في كوبا لا يوجد نصب تذكاري يحمل اسم الزعيم الراحل فيدل كاسترو، ولا توجد لافتة على شارع أو ميدان تحمل اسم «القائد العام» وهو لقب الزعيم الراحل، وذلك بناء على رغبته الشخصية؛ لكن بعد مضي عام على وفاة فيدل كاسترو في 25 من نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 2016، ما زال وجوده ملموسا في كل مكان في هذه الجزيرة الواقعة في البحر الكاريبي. فتلاميذ المدارس لا يزالون يدرسون أفكاره، وكثير من أقواله يتم تداولها على نطاق عام، كما أن صوره ما زالت معلقة في كثير من المباني العامة. وبالنسبة للشعب الكوبي، فإن الأوضاع لم تتغير كثيرا بعد وفاة كاسترو.
تقول سوزاني جراتيوس، أستاذة العلوم السياسية في جامعة «مدريد»، لوكالة الصحافة الألمانية: «كاسترو انسحب من الأنشطة الحكومية قبل رحيله بوقت طويل؛ لكنه ظل دائما شخصية رمزية، ويعلق على التطورات سياسيا».
ويرى بعض المراقبين أنه كانت هناك في البداية بعض الآمال في خروج الرئيس الحالي راؤول كاسترو من عباءة شقيقه الأكبر، والانطلاق بسرعة أكبر في تطبيق الإصلاحات التي كان فيدل قد أطلقها قبل تقاعده؛ لكن الأمر ليس كذلك حتى الآن، والانفتاح الاقتصادي للجزيرة يمضي بتردد واضح.
وبهذا الخصوص يقول بيرت هوفمان، أستاذ العلوم السياسية في «معهد جيجا» بكوبا، إن «مسيرة الإصلاح مجمدة حاليا. وبخصوص التقارب المتوقف مع الولايات المتحدة، يمكن القول إن توجهات الحكومة الكوبية لم تختبر حتى الآن. وقد عادت الحرب الباردة (بين أميركا وكوبا) مع تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب السلطة. وهذا أعطى التيار المحافظ في كوبا دفعة قوية».
وتراجع ترمب عن كثير من الخطوات التي قطعها سلفه باراك أوباما نحو تخفيف الشروط المفروضة على حركة السياحة بين الولايات المتحدة وكوبا، وفرض حظرا على التعامل التجاري مع القوات المسلحة الكوبية التي تسيطر على جزء كبير من الاقتصاد الكوبي. وفي أعقاب هجوم صوتي غامض على أشخاص في السفارة الأميركية في هافانا، قررت إدارة الرئيس ترمب سحب عدد كبير من الدبلوماسيين الأميركيين العاملين في كوبا.
وفي هذا السياق قالت المنشقة الكوبية يواني سانشيز على مدونتها على الإنترنت «24 ياميدو»، إن الخاسر الأكبر من عودة التوتر إلى العلاقات الأميركية - الكوبية هو الرئيس راؤول كاسترو نفسه، مشددة على أن «التقارب الدبلوماسي بين كوبا وأميركا انتهى. وكلتا الدولتين أعادتا عقارب الساعة إلى زمن الحرب الباردة».
يأتي ذلك فيما يستعد الرئيس راؤول كاسترو للتقاعد في فبراير (شباط) المقبل، لتجد كوبا نفسها لأول مرة منذ نحو 60 عاما من دون قائد من عائلة كاسترو.
ويجمع عدد من المحللين السياسيين على أن فيدل كاسترو ترك بصمته على كل شيء في كوبا، بصورة لم يفعلها أي رئيس في تاريخ البلاد، وأن غالبية الشعب لا تتخيل حياتها من دون زعيمهم الثوري. وبهذا الخصوص تقول لورديس، وهي بائعة خضر وفاكهة في إحدى أسواق هافانا: «كنا نعرف أن هذا اليوم سيأتي؛ لكنه ما زال صعبا علينا. عمري من عمر الثورة الكوبية، ولا أعرف أي شيء سواها».
ويعد فيدل كاسترو بالنسبة لأنصاره بطل كوبا الحرة، الذي وقف في وجه أميركا، وبشر بالتقدم الاجتماعي للبلاد؛ لكن بالنسبة لخصومه يعد الزعيم الراحل حاكما وحشيا مستبدا، وقمع الذين يحملون أفكارا تختلف مع أفكاره، ولم يسمح بأي انتخابات حرة، وداس على حرية الرأي.
يقول الصحافي الإيطالي جياني مينا الذي عرف كاسترو جيدا وأجرى معه ذات مرة مقابلة استمرت 16 ساعة، إن «فيدل كاسترو مات سعيدا، وكوبا لم تتغير كثيرا منذ رحيل زعيمها التاريخي؛ بل انكفأت على نفسها مرة أخرى كما هو معتاد طوال تاريخها، وذلك لكي تحافظ على نفسها. لقد اختفت كوبا من وسائل الإعلام الدولية، ومع ذلك أعتقد أن نموذج الثورة الكوبية ما زال مهما بالنسبة لأميركا اللاتينية».
ويرى بعض المحللين أن كاسترو ما زال الشخصية الرمزية الأولى للحركة اليسارية الدولية. وفي يوم مولده في أغسطس (آب) الماضي، أشاد به أنصاره، مثل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ورئيس بوليفيا إيفو موراليس؛ لكن التغييرات الجيوسياسية أضرت بحركة الاشتراكية في أميركا اللاتينية. فالأزمة الاقتصادية في فنزويلا، أهم حلفاء كوبا، وضعت الجزيرة في موقف حرج.
وكدليل على هذه الرمزية اصطف آلاف المحاربين القدماء والعمال وتلاميذ المدارس على جانبي الطريق، وهم يهتفون: «أنا فيدل، أنا فيدل»، خلال إقامة مراسم جنازة فيدل كاسترو العام الماضي، حيث جرى نقل جثمانه في عرض عسكري من هافانا إلى مدينة سانتياغو دي كوبا.
والآن، فإن القبر الذي يضم جثمان الزعيم الثوري الأسطوري، لا يميزه عن غيره سوى قطعة حجرية بسيطة في مقبرة «سانتا إيفيغنيا». وطوال الأيام التي أعقبت وفاته ظلت أغنية «اركب مع فيدل» تتردد بلا انقطاع في كل أنحاء كوبا.
تقول كلمات هذه الأغنية: «أبي، لا تترك يدي، أنا لا أعرف بعد كيف أمضي من دونك».
والحقيقة أن الكوبيين أدركوا كيف يمضون من دون كاسترو؛ لكنهم لا يعرفون في أي اتجاه سيمضون.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».