«داعش» والصواريخ ودعم الحوثيين... من يتحدث باسم إيران؟

TT

«داعش» والصواريخ ودعم الحوثيين... من يتحدث باسم إيران؟

مَن يتحدث باسم إيران؟ منذ أن استولى الملالي على السلطة في طهران، ثمة جدال دائر بين سياسيين ودبلوماسيين ومحللين عبر أرجاء العالم حول هذا السؤال. ويكمن السبب في أنه لدى الإنصات إلى الأصوات المختلفة الصادرة عن النخبة الإيرانية الحاكمة، دائماً ما يواجه المرء أطروحات مبهمة، وأحياناً شديدة التناقض، للحدث الواحد.
يذهب المحلل الإيراني حسن خيامي إلى أن «جزءاً من الغموض ناشئ عن تقليد التقية الذي تدور فكرته حول عدم السماح لأي شخص بأن يعرف تحديداً ما تفكر فيه أو ما تنوي فعله. من المهم أن تبقي الناس في حالة تخمين مستمرة حول خطوتك التالية».
ومع هذا، فإنه لا يمكن لذلك التقليد وحده أن يفسر هذا الغموض كله، وإنما قد يكمن سبب آخر لهذه الظاهرة في فشل إيران في بناء مؤسسات مناسبة لكل منها نطاق مسؤولية واضح. ومن الممكن أن تتمثل نتيجة ذلك في مجموعة من الأصوات المتنافرة، حتى على أعلى مستويات صناعة القرار في طهران.
وثمة ثلاثة أمثلة حديثة على هذا التنافر، بينها تقييم طهران للتطورات الأخيرة داخل سوريا والعراق، فيما يتعلق على وجه التحديد بخسارة «داعش» سيطرته على كثير من المناطق.
في وقت سابق من الأسبوع، كتب الجنرال قاسم سليماني، الذي يتولى قيادة «فيلق القدس»، ذراع العمليات الخارجية لـ«الحرس الثوري»، وبالتالي يتحمل مسؤولية «تصدير الثورة»، خطاباً مشحوناً بالعاطفة موجهاً إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، هنأه خلاله على «نهاية داعش». وتقبل خامنئي المجاملة وردّ بأن «شباب المجاهدين الإيرانيين» بقيادة الجنرال سليماني «هم من أجهزوا على (داعش)».
بعد يوم، أضفى الرئيس حسن روحاني نبرة من الحذر على هذا التقييم بقوله، في حديث أمام مراسلين صحافيين في سوتشي الروسية، إن «(داعش) لم ينتهِ بعد، وإنما اهتزت دعائمه فحسب».
وأدلى قائد فيالق «الحرس الثوري» الجنرال محمد علي عزيز جعفري بتصريحات حملت الأصداء ذاتها، عندما قال خلال مؤتمر صحافي في طهران، أمس، إن «(داعش) يبقى مصدر تهديد لجميع الدول المسلمة... ما يمكن الإعلان عنه ليس التدمير الساحق الكامل لـ(داعش)، وإنما ما حدث تدمير سيطرة التنظيم على الأراضي... فقدان السيطرة على الأراضي وتدمير (داعش) أمران مختلفان».
خلافاً لخامنئي وسليماني، لم يدع أي من روحاني أو عزيز جعفري اضطلاع إيران بدور رائد في محاربة «داعش». وتزداد الأمور تعقيداً لدى النظر إلى تصريحات وزير الدفاع الإيراني الجديد الجنرال أمير حاتمي عندما كان يلقي كلمة أمام ندوة في طهران حول «الشهداء» الإيرانيين في سوريا.
قبيل انعقاد الندوة، جرى توزيع قائمة تضم أسماء أكثر من 400 ضابط إيراني قضوا في سوريا. اللافت أن «مواقع الاستشهاد» المذكورة بالقائمة لم تتضمن موقعاً واحداً قريباً من المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش». وقد كشف ذلك بجلاء أن الإيرانيين لم يحاربوا «داعش» قط داخل سوريا، وأن من قتلوا من الإيرانيين سقطوا أثناء قتال جماعات مسلحة أخرى غير «داعش» تحارب نظام بشار الأسد. بمعنى آخر، ليس بمقدور طهران انتحال أي فضل لنفسها في طرد «داعش» من الرقة ومناطق أخرى كان التنظيم يسيطر عليها.
ويأتي المثال الثاني للتنافر في الخطاب الإيراني الرسمي حول دور طهران في الحرب الحالية في اليمن؛ ففي وقت سابق من الشهر، أكد وزير الخارجية محمد جواد ظريف لنظرائه في الاتحاد الأوروبي أن إيران «ليس لديها فرد عسكري واحد في اليمن». وقدم «تأكيدات» حول أن الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون ضد الرياض لم يأتِ من إيران.
نجحت «تأكيدات» ظريف في إقناع المتحدثة الرسمية باسم السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني، التي انطلقت في جولة عبر العواصم الأوروبية وواشنطن لترويج «الدور الإيراني البنّاء»، والحاجة إلى حماية الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مع طهران.
بيد أن الجنرال عزيز جعفري أعلن أمام مؤتمر صحافي في طهران، أمس، أن إيران لديها بالفعل عسكريون في اليمن، إلا أنه ادعى أن الوجود العسكري الإيراني في اليمن يقتصر على «مستشارين وخبراء» يعاونون الحوثيين والذراع العسكرية لهم.
وينبغي أن نتذكر أنه في سوريا أيضاً استغرقت إيران وقتاً طويلاً حتى أقرت في النهاية بأن لها وجوداً عسكرياً، وبدأت بالادعاء بأن عناصرها المنشرين هناك «مستشارون فحسب». وتوقع الجنرال أن تكون الصواريخ التي استخدمها الحوثيون «ربما كانت موجودة في اليمن قبل اشتعال الحرب». ويعني ذلك أن إيران ربما قدمت الصواريخ بالفعل، لكن قبل بداية الحرب في اليمن. وتذكر مصادر، لم يتسنّ لنا التحقق على نحو مستقل من ادعاءاتها، أن إيران تكبدت بعض الخسائر في القتال الدائر حالياً حول مدينة تعز اليمنية، وبالتالي وجدت نفسها مضطرة للإقرار بوجود أفراد لها في اليمن.
أما المثال الثالث، وربما الأهم، فيكمن في التنافر القائم حول برنامج الصواريخ الإيراني المثير للجدل؛ فعندما أثار الرئيس الأميركي دونالد ترمب القضية، كان رد فعل خامنئي التحدي المطلق. وأمر في رسالة إلى القوات المسلحة الإيرانية، بـ«توسيع نطاق العمل بمشروع الصواريخ وتكثيفه، وتطوير صواريخ تنطلق لمسافات أبعد وأبعد».
وبعد أيام قليلة، وتحديداً في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قال الجنرال عزيز جعفري أمام حشد من الصحافيين خلال ندوة عقدت في طهران أن إيران لديها فعلياً برنامج صواريخ مجمد.
وكان هذا تحديداً ما طلبه الرئيس ترمب بدعم من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وأضاف جعفري: «لا يزال مدى الصواريخ محدوداً، وما يوجد لدينا الآن كافٍ تماماً للوقت الراهن». وفي 8 نوفمبر (تشرين الثاني)، زاد حشمت الله فلاحات بيشه، عضو لجنة الأمن الوطني في المجلس الإسلامي، قليلاً على تصريح جعفري، مشيراً إلى أن خامنئي نفسه أمر بتجميد مدى الصواريخ الإيرانية في 2011.
بيد أنه في غضون أيام قلائل، تفاخر الجنرال أمير حاج زاده، الرجل الذي يترأس برنامج الصواريخ الإيرانية، بأن طهران زادت مدى الصواريخ من 2000 إلى 25000 كيلومتر عبر تطوير جيل جديد من صواريخ «شهاب» التي تحاكي صاروخ «رودوغن 1» الكوري الشمالي.
مما سبق يتضح أن ثمة أصواتاً مختلفة داخل القيادة الإيرانية تدعي أن طهران تفعل أشياء مختلفة حول قضايا محورية. بيد أنه بخلاف ما يفعلونه حقاً، فإن الكثيرين لا يزالون يعتقدون أنهم لا يسعون للخير.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.