الرئيس الألماني أمام مهمة شائكة

الاشتراكيون ضد التحالف الكبير... حزب الخضر يشكك بـ«حياده»... والليبراليون متحفظون

TT

الرئيس الألماني أمام مهمة شائكة

أعلن الرئيس الألماني، وزير الخارجية السابق، فرانك - فالتر شتاينماير عن عزمه على فتح الحوار مع أطراف العملية السياسية في ألمانيا بهدف البحث عن مخرج من أزمة «اللاحكومة» التي انتهت إليها مفاوضات المسيحيين والليبراليين والخضر.
خاطب الرئيس «ضمير» الأحزاب ودعاهم إلى الشعور بالمسؤولية ووضع مصلحة البلد فوق مصالح الأحزاب، ولا يبدو أن مهمته ستكون سهلة. إذ عليه أن يلتقي مع ممثلي الأحزاب الثلاثة، أي الاتحاد المسيحي والحزب الليبرالي وحزب الخضر، ومع ممثلي الحزب الديمقراطي الاشتراكي، ومع ممثلي محكمة الدستور.
وبدأ الرئيس، الذي حوله الوضع إلى «مدير أزمات»، يوم أمس مباحثاته مع العقدة الأولى المتمثلة بالاتحاد الاجتماعي المسيحي، الحزب البافاري الشقيق لحزب أنجيلا ميركل، على أن يلتقي لاحقاً بممثلي كتل الأحزاب الديمقراطية في البرلمان. والمهم أن يلتقي أيضاً مع زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي مارتن شولتز كي يقنعه بالتخلي عن موقفه الرافض للتحالف الكبير مع المسيحيين.
وإذ يعول الكثيرون على ثني شولتز عن موقفه، وخصوصاً بعد تصاعد الدعوات المماثلة داخل حزبه، جدد الزعيم الاشتراكي يوم أمس الأربعاء رفضه العودة إلى التحالف الكبير. ولا يبدو أن توقيت التصريح جاء صدفة، وإنما مدروساً من الزعيم الاشتراكي لتعبيد الطريق أمام انتخابات جديدة، قال شولتز إنه «لا يخشاها».
إلا إن هدف شتاينماير الأول ليس العودة إلى التحالف الكبير، وإنما إعادة المسيحيين والليبراليين والخضر إلى سكة المفاوضات حول حكومة ائتلاف جامايكا (نسبة إلى ألوان أعلام الأحزاب التي تشكل ألوان علم جامايكا. ولا تبدو هذه المهمة أسهل من مهمة الحديث مع الاشتراكيين، الذين يشعرون بأن التحالف الكبير كان السبب الرئيسي في الهبوط التاريخي لشعبيتهم بين الألمان.
يشكو حزب الخضر من قلة «حيادية» رئيس الجمهورية، الذي يفترضه منصبه البروتوكولي الذي يشترط الوقوف خارج الحدود الحزبية. وقال سفين غيغولد، النائب عن الخضر في البرلمان الأوروبي، إن على رئيس الجمهورية أن يستعرض حياديته. وأضاف أنه ينتظر من شتاينماير كلمات واضحة وحاسمة، لا أن يقول: «إذا كنتم تريدون انتخابات جديدة، فلكم ذلك». وانتقد غيغولد رئيس الجمهورية بالقول إن عليه استعراض استقلالية أكبر عن الأحزاب.
وحذر نائب الخضر من دخول ألمانيا في النفق ذاته الذي دخلته جمهورية فايمار، حينما تقلصت كل مرة فترة حكم الحكومات المتعاقبة بسبب ضعف التحالفات وانقسام الأحزاب ورفضها لبعضها.
وطالب كريستيان لندنر، زعيم الحزب اللييرالي (الحزب الديمقراطي الحر)، الرئيس الألماني بالضغط على المستشارة أنجيلا ميركل بشكل غير مباشر، حينما قال إن مشكلتنا تتعلق بعدم تلقينا الدعم من قبل المستشارة في المفاوضات. وأضاف في مقابلة مع صحيفة «فرانكفورتر الغيماينه»، الواسعة الانتشار، أن ميركل لم تدعم الحلول الوسط التي تقدم بها الحزب أثناء المفاوضات الثلاثية. وقال لندنر إنه شعر أثناء مفاوضات تشكل الحكومة بأن الحزب الليبرالي سيصبح تكميلياً فقط لتحالف رئيسي بين الاتحاد المسيحي والخضر.
بدوره ركز فولغانغ كوبيكي، نائب زعيم الحزب الليبراليين، على المستشارة الألمانية كسبب أساسي في فشل مفاوضات تشكيل الحكومة. وقال كوبيكي إن ميركل ارتكبت «خطأ منهجياً» حينما ركزت على أن تكون كل المفاوضات ثلاثية دائماً دون أن تعطي المجال إلى مفاوضات ثنائية. وأضاف النائب الليبرالي أنه كان على ميركل أن تدرك بأن ذلك لن ينجح على طول الخط، وأن المراهنة على عامل ضيق الوقت لن ينجح. ومعروف عن «استراتيجية» ميركل أنها تقود الاجتماعات إلى الفجر، حينما يكون الجميع متعبين، لتطرح التسويات التي تصب في صالح حزبها.
وزاد الطين بلّه حول قصر بيليفو، حيث يلتقي رئيس الجمهورية بممثلي الأحزاب الديمقراطية، هو دخول حزب «لا ديمقراطي» على الخط. إذ طالب حزب البديل لألمانيا أمس شتاينماير بعدم استثنائه من المفاوضات. وطبيعي أن يضع هذا الطلب رئيس الجمهورية في موقف حرج، نظراً لتمثيل هذا الحزب بنسبة كبيرة في البرلمان الألماني. وهو ثالث قوة برلمانية بعد الحزب الديمقراطي الاشتراكي بنسبة (13 في المائة). وقالت أليس فايدل، رئيس كتلة حزب البديل البرلمانية، «إن ديمقراطيتنا تفترض أن يلتقي الرئيس شتاينماير بممثلي حزبنا للتحاور حول أسباب فشل مفاوضات جامايكا، وسبل الخروج من الأزمة». وقالت فايدل إن حزبها ينتظر موعداً من الرئيس. وكانت فايدل قد نوهت، قبل بدء مفاوضات تشكيل الحكومة بين المسيحيين والليبراليين والخضر، إلى وجود غالبية تضمن حكومة قوية تتشكل من تحالف الاتحاد المسيحي والحزب الليبرالي وحزب البديل لألمانيا. إلا أن الحزبين المسيحي والليبرالي أعلنا رفضهما التحالف مع حزب البديل لألمانيا، بل ورفضوا الجلوس جنبهم في مقاعد البرلمان. ومن الصعوبات الأخرى التي تواجه الرئيس شتاينماير، الذي أعلن عدم تحبيذه إعادة الانتخابات، هو أن الجمهور الألماني يحبذ بنسبة 68 في المائة إعادة الانتخابات، بحسب استطلاعات الرأي.
وقد يعود «تشاؤم» الرئيس شتاينماير من إعادة الانتخابات إلى ذاكرة ليست بعيدة تتعلق بخسارة المستشار السابق جيرهارد شرودر لكرسي المستشارية. إذ كان شتاينماير وزير دائرة المستشار شرودر سنة 2005 حينما طرح المستشار حكومته للتصويت في البرلمان على نيل ثقة الغالبية. وخسر شرودر تصويت الثقة في البرلمان بسبب تصويت الجناح اليساري في الحزب ضده، وقادت خسارته إلى انتخابات مبكرة أدت إلى صعود أنجيلا ميركل لأول مرة.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».