لبنان: تراجع التدابير الأمنية في معقل حزب الله بعد انحسار التفجيرات

رئيس اتحاد البلديات يعدها خطوة لتخفيف معاناة الناس.. ويعد بخطط سياحية

متظاهرون لبنانيون ينضمون إلى مظاهرة مناوئة لنظام الرئيس الأسد في طرابلس شمال لبنان بعد صلاة الجمعة أمس (رويترز)
متظاهرون لبنانيون ينضمون إلى مظاهرة مناوئة لنظام الرئيس الأسد في طرابلس شمال لبنان بعد صلاة الجمعة أمس (رويترز)
TT

لبنان: تراجع التدابير الأمنية في معقل حزب الله بعد انحسار التفجيرات

متظاهرون لبنانيون ينضمون إلى مظاهرة مناوئة لنظام الرئيس الأسد في طرابلس شمال لبنان بعد صلاة الجمعة أمس (رويترز)
متظاهرون لبنانيون ينضمون إلى مظاهرة مناوئة لنظام الرئيس الأسد في طرابلس شمال لبنان بعد صلاة الجمعة أمس (رويترز)

انعكس انحسار التفجيرات التي ضربت مناطق حزب الله في لبنان منذ نحو عام، ارتياحا في صفوف الحزب وقاعدته الشعبية، تمثل في عودة الحياة تدريجيا إلى مركز نفوذه في ضاحية بيروت الجنوبية التي بدأت أمس تتخلص من العوائق الحديدية المزروعة في الشوارع «بهدف إراحة السكان وتخفيف معاناتهم اليومية مع الزحمة، وتسهيل عودة الحركة التجارية إلى سابق عهدها».
وتلت هذه الخطوة، إجراءات اتخذتها الأجهزة الرسمية اللبنانية قبل نحو أسبوع، تمثلت في تخفيف التدابير الأمنية على بعض مداخل الضاحية، لا سيما في منطقتي الأوزاعي وبئر حسن حيث يقع مركز المستشارية الثقافية الإيرانية وتلفزيون «المنار» التابع لحزب الله، قبل أن تنسحب التدابير على شوارع الضاحية الداخلية.
وبدأت آليات تابعة لاتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، تواكبها عناصر في الشرطة البلدية، صباح أمس، بإزالة العوائق في مدخل الضاحية الشمالي في المشرفية، وامتدت الأعمال إلى العمق لتشمل شوارع بئر العبد وحارة حريك والرويس والمعمورة. وعملت الآليات على رفع عوائق حديدية وإسمنتية كانت وضعها اتحاد البلديات عقب تفجير الرويس في 15 أغسطس (آب) الماضي، لمنع ركون السيارات الغريبة في المنطقة، وهو ما دفع انتحاريين فيما بعد إلى تنفيذ عمليات انتحارية أهمها في حارة حريك التي شهدت عمليتين انتحاريتين منفصلتين في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وانفجارين انتحاريين منفصلين استهدفا مبنى السفارة الغيرانية في بيروت في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، و19 فبراير (شباط) الماضي.
وأعلن رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت محمد سعيد الخنسا لـ«الشرق الأوسط» عن «توجه لتخفيف العوائق الحديدية والتدابير التي وضعت في السابق في الغبيري التي لم تشهد تدابير قاسية في الأساس، ومنطقة بئر العبد ومناطق كثيرة في الضاحية، باستثناء بعض النقاط الحساسة»، موضحا أن الاستثناء «يعود إلى تقديرات الأجهزة الأمنية الرسمية». وأكد أن الطرقات الرئيسة في الضاحية ستزال منها كل المعوقات «بهدف إراحة الناس بعد انحسار الأعمال الإرهابية وضبط الحدود»، واعدا بأن الضاحية الجنوبية «ستشهد حركة ازدهار كبيرة هذا الصيف الذي سنستقبله بمهرجانات ونشاطات تنعكس إيجابا على الحركة السياحية، وتخلق حركة اقتصادية نشطة»، مشيرا إلى «إننا بدأنا بتنفيذ هذا التوجه منذ يوم أمس (الأول) بافتتاح حدائق عامة وإطلاق مهرجانات للصيف».
وكانت الضاحية الجنوبية شهدت تعثرا اقتصاديا كبيرا، بفعل النزوح منها والتدابير الأمنية التي اتخذت فيها، على ضوء تفجيرات ضربت المنطقة، وتبنت بعضها مجموعات متشددة مثل «كتائب عبد الله عزام». وبدأت التهديدات الأمنية في 26 مايو (أيار) الماضي، حين أطلقت صواريخ باتجاه الضاحية، تلاها تفجير سيارة مفخخة في بئر العبد في 9 يونيو (حزيران) الفائت، وكرت سبحة التفجيرات لتصل إلى سبعة، كان آخرها التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف المستشارية الثقافية الإيرانية في 19 فبراير (شباط) الماضي.
وأكد الخنساء أن تخفيف الإجراءات الأمنية الداخلية، يأتي نتيجة «تنسيق مع الأجهزة الأمنية الرسمية والجيش اللبناني»، إضافة إلى «استشارة الهيئات المحلية في بعض القضايا الأمنية»، في إشارة إلى الفعاليات الاجتماعية والأحزاب السياسية وأهمها حزب الله الذي يتمتع بنفوذ كبير في المنطقة، وتعتبر الضاحية حاضنة مؤسساته. لكن تخفيف الإجراءات على مداخل الضاحية الذي بدأ أواخر الأسبوع الماضي مع إزالة الدشم من أمام المستشارية الثقافية وفتح بعض الطرقات على المدخل الغربي للضاحية، «يعود تقديرها إلى قيادة الجيش والأجهزة الأمنية»، بحسب ما أكده الخنساء، قائلا إن «وزارة الداخلية اللبنانية معنية أساسا بهذا الإجراء».
وتشارك الشرطة التابعة لاتحاد بلديات الضاحية في التدابير المفروضة على مداخل المنطقة، إلى جانب حواجز الأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية، وقد تكثف دورها بعد مطالبة وزير الداخلية اللبناني السابق مروان شربل البلديات بالمشاركة في حفظ الأمن إلى جانب الشرطة البلدية.
وقال الخنساء إن الشرطة البلدية «ستكمل مشاركتها في فرض الاستقرار في المنطقة، حتى لو خُففت التدابير الرسمية، نظرا لأن الشرطة البلدية معنية بالأمن والسلامة العامة وتحمل صفة رسمية»، مشددا على أن مشاركتها «قانونية بهدف تأمين أمن الناس، كونهم من أولاد المنطقة ونستفيد من موقعهم لتأمين سلامة السكان وتنظيم المرور»، مشيرا إلى أن دورهم «محدد في النص القانوني للبلديات وتأتي المشاركة من ضمن صلاحياتهم».
وانحسرت التفجيرات في الضاحية الجنوبية بعد سلسلة تدابير أمنية اتخذتها الأجهزة الرسمية اللبنانية لملاحقة المسؤولين عن عمليات إرهابية وتوقيف أفراد شبكاتها، أهمها شبكة نعيم عباس، وشبكة جمال دفتردار وعمر الأطرش، بالإضافة إلى ملاحقة أفراد تنظيم «كتائب عبد الله عزام» المرتبطة بتنظيم القاعدة، بدءا من توقيف أميره ماجد الماجد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وتزامنت تلك الإجراءات مع تقدم القوات الحكومية السورية في القلمون بريف دمشق الغربي، واستعادة السيطرة على مدينة يبرود التي كانت متهمة بأن السيارات المفخخة التي تمر إلى لبنان، كانت تفخخ فيها.
وأرجع وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق، في تصريح سابق، هذا التطور إلى «ما قام به حزب الله في منطقة القلمون السورية قلّص عدد السيارات المفخخة»، إلى جانب التدابير الأمنية الرسمية، بموازاة «قرار إقليمي يقضي بضرورة أن تكون الأمور هادئة في لبنان»، مشيرا إلى أن «الجميع تلقّى هذه الرسالة وتصرّف على أساسها وخاصة حزب الله».
وانسحب تخفيف الإجراءات الأمنية في الضاحية ارتياحا في صفوف السكان وجمهور حزب الله. وقال حسين، وهو تاجر ألبسة في منطقة بئر العبد، إن هذا القرار «من شأنه أن يعيد تحريك العجلة التجارية التي شلّتها التفجيرات، وقوضتها المخاوف والتدابير الأمنية»، مشيرا إلى أن الحركة «بدأت تستعيد سابق عهدها منذ مطلع أبريل (نيسان) الماضي، على ضوء انحسار التفجيرات».
وبدأت الحركة تعود إلى الضاحية تدريجيا، ما انعكس على تجدد الطلب على الإيجارات، بعدما نزح عدد من سكان الضاحية منطقتهم إلى مناطق أكثر أمانا، أهمها في المناطق المسيحية شرق بيروت.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.