استقالة الحريري تنهي «التسوية» وتضع عون أمام مأزق

«المستقبل»: الأمور وصلت لنقطة اللاعودة

لافتة في أحد شوارع بيروت بعد استقالة الحريري (أ.ف.ب)
لافتة في أحد شوارع بيروت بعد استقالة الحريري (أ.ف.ب)
TT

استقالة الحريري تنهي «التسوية» وتضع عون أمام مأزق

لافتة في أحد شوارع بيروت بعد استقالة الحريري (أ.ف.ب)
لافتة في أحد شوارع بيروت بعد استقالة الحريري (أ.ف.ب)

ما كان قد حذّر منه مسؤولون لبنانيون مراراً لجهة «سقوط التسوية» التي أوصلت ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية وسعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، بات واقعاً مع استقالة الأخير، ما وضع الرئيس عون و«التيار» الذي يمثله في مأزق فعلي، وتحديداً بين «حليفيه» طرفي النزاع «حزب الله» و«تيار المستقبل»، فيما لا يبدو أن تشكيل حكومة لا تمثيل فيها لـ«الحزب» وارد أو ممكن في الوقت الراهن.
وإذ صوّب رئيس «كتلة المستقبل» النيابية ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة مباشرة على «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، معتبرا أنهما تعاملا مع «التسوية» كأنها «ضعف أو استضعاف لتحقيق المزيد من المكاسب على حساب الوطن»، أكد القيادي في «تيار المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش أن التسوية سقطت، والأمور وصلت إلى مرحلة اللاعودة والمواجهة باتت محسومة، بينما لا يزال رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل يأمل بـ«تخطي هذه الأزمة بالوحدة والحكمة والقوة»، من دون أن ينفي إمكانية الوصول إلى أزمة حكم أو وقوع حرب من الخارج أو فتنة من الداخل، حسب ما قال أمس.
في المقابل، ترفض مصادر رئاسة الجمهورية الحديث عن سقوط التسوية، معتبرة أنه من المبكر الحكم على هذا الموضوع، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن «خطوات فعلية ومبادرات جدية قد تظهر من شأنها إعادة تصحيح الوضع».
وعن تغيير سياسة رئاسة الجمهورية تجاه «حزب الله» أو التوجه إلى تشكيل حكومة لا يتمثل فيها الحزب، قالت المصادر: «كلها أمور من المبكر التطرق إليها اليوم وهاجس الرئيس (عون) الأول والأخير هو المحافظة على الوحدة الوطنية، وهذا الأمر لا يتحقّق بعزل فريق أو آخر».
ولم يكن كلام باسيل بعيدا عن هذا التوجّه، معتبرا كذلك أن «أزمة الحكم تحدث عندما يريد أحد الاستفراد بالسلطة واستبعاد اللبنانيين أو قسم منهم»، مضيفا: «نحن نعلم جيدا أن الحكم في لبنان لا يستوي ولا يكون الوضع سليما بإبعاد أو استبعاد أي قسم من اللبنانيين. كل ما حدث قبلا كان خطأ لن يتكرر ونحن مصرون على أن نكون معا في الحكم والحكومة».
ويصف القيادي في «المستقبل» مصطفى علوش، موقف رئيس الجمهورية بـ«الحكيم»، محملا إياه و«حزب الله» في الوقت عينه «مسؤولية سقوط التسوية التي بات إنقاذها شبه مستحيل، في ظل استحالة التفاوض مع فيلق عسكري يأتمر بولاية الفقيه». وقال لـ«الشرق الأوسط» أمس: «التسوية بين الحريري وعون، ومن خلفهما (حزب الله)، كان جزءا أساسيا منها النأي بالنفس وحيادية لبنان، لكن هذا الأمر لم يتحقق وأدى إلى وصول الوضع إلى ما هو عليه الآن واستقالة الحريري». وأضاف: «اليوم بات رئيس الجمهورية و(التيار الوطني الحر) في مأزق حقيقي؛ إذ إن سقوط التسوية وضعت عون الذي كان يستفيد من الطرفين (الحريري) و(حزب الله) للمحافظة على وضعه، رهينة في يد الحزب، وهو ما سيزيد الواقع تعقيدا وصعوبة بالنسبة إليه، وبخاصة أن الأمور وصلت إلى نقطة اللاعودة ونحو المواجهة، وصولا إلى تغيير موازين القوى في المنطقة». حول الحديث عن إمكانية التوصل إلى حل بتشكيل حكومة لا تمثيل فيها لـ«حزب الله»، قال علوش: «هذا الأمر يعني اعترافا بالهزيمة من قبله ومن قبل إيران، وهو ما لن يقبلا به، خاصة وأنهما يعتبران أن فريق الممانعة هو المنتصر».
بدوره كان رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع واضحا في تحميله «حزب الله»، مسؤولية ما آلت إليه الأمور، مبديا استغرابه: كيف أن رئيس الحكومة لم يقدم على الاستقالة قبل الآن؟، ومذكراً بموقف «القوات» قبل أسابيع وتهديدها باستقالة وزرائها، قائلاً: «حصلت أشياء كثيرة في الأشهر الثمانية الأخيرة لا تترك المجال لأحد يحترم نفسه أن يتمكن من الاستمرار». واعتبر أن الحريري استقال لأن الحكومة لم تكن قادرة على ممارسة صلاحياتها كما يجب، ولأن هناك حكومة ظل تتخذ القرارات». وعدّد جعجع، أبرز الممارسات التي أدت إلى وصول الأمور إلى هذا الحد، قائلاً: «جيشنا مثلاً توجه إلى القتال في معركة فجر الجرود التي هي من أهم خطواتنا العسكرية، ولكن قام «حزب الله» باستثمار ومصادرة نتائج هذه المعركة، وتفاوض مع فلول «داعش»، وهذا ليس لصالح الشعب اللبناني بل لصالح أمور أخرى لا علاقة للبنان بها، سائلا: «كيف تريدون من رئيس حكومة أن يصمد في ظل تصرفات بهذا الشكل؟»
وأضاف: «منذ سبعة أشهر حتى اليوم، يقوم بعض الوزراء بزيارة سوريا ونظام الأسد، وكأن هناك دولة في سوريا، بينما في الواقع هناك جيوش إيرانية، تركية، أردنية، أميركية وروسية، وفي الوقت عينه يضغطون من داخل الحكومة لتعيين سفير للبنان في سوريا ليقدم أوراق اعتماده. واعتبر أن الحل يكون «بدعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى طاولة حوار ببند وحيد على جدول أعمالها هو كيفية العمل لوضع خريطة طريق للانتقال من وضع نصف دولة إلى دولة فعلية، مع كل ما يعنيه هذا الكلام، وإلا سنبقى مستمرين على المسكنات والمهدئات، بينما المرض يفتك بلبنان من حصارات وعقوبات وغياب سياح واستثمارات وأموال ضائعة وغيرها، فلماذا علينا أن نتحمل كل ذلك؟ من أجل معادلات يسمونها ذهبية بينما في الواقع هي خشبية أو بالأحرى تدميرية؛ وأكبر دليل هو الوضع الذي أوصلتنا إليه».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.