في مدينة كنساس سيتي الأميركية، تحديداً على ناصية بشارع 43 أفنيو، يوجد مطعم إيطالي يدعى «كوبينيز». كان إيدي كوبيني، ووالده، فرانكو، قد كرسا ما يقرب من 15 عاماً من حياتهما لتقديم أفضل أطباق الباستا لعملاء المطعم. وعن ذلك، قال فرانكو: «نطهو الباستا تماماً مثلما كانت والدتي تعدها لنا»، الأمر الذي أكسبهما بضع جوائز خلال مسيرتهما. ومع هذا، من المقرر أن يودع الاثنان قريباً المطعم والحياة التي نجحا في بنائها داخل الولايات المتحدة.
أما السبب، فهو انضمام نجل إيدي البالغ 10 أعوام، أليساندرو، إلى أكاديمية «روما» الكروية العريقة. اللافت أن أليساندرو سحر ألباب جماهير مواقع التواصل الاجتماعي ويحظى بأكثر من 40 ألف متابع عبر «إنستغرام» فقط، ولديه قناة خاصة عبر «يوتيوب» يستعرض من خلالها مهاراته الرائعة ـ ويتولى والده إدارة جميع حساباته عبر مواقع التواصل الاجتماعي وقناة «يوتيوب». علاوة على ذلك، يتمتع أليساندرو بلقب «الذئب» على سبيل التدليل. وعن هذا، قال إيدي: «الأسد والنمر أقوياء، لكن وحده الذئب لا يعمل في السيرك».
من ناحية أخرى، أثار نبأ انتقال أليساندرو إلى نادي «روما» بعض الدهشة - ذلك أنه لا تكاد تكون هناك أي حالات سابقة لانتقال لاعب في هذه السن الصغيرة من قارة لأخرى منذ حملة الإجراءات الصارمة التي شنها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عام 2014 ضد الانتقالات الدولية للاعبين قصر، والتي أدت إلى فرض عقوبات ضد نادي «برشلونة». جدير بالذكر أن فيفا يحظر على أي شخص أقل من 16 عاماً الانتقال من دولة لأخرى إلا إذا كان «والداه سينتقلان إلى البلد الجديد... لأسباب لا علاقة لها بكرة القدم». ومن المفترض أن هذه القاعدة تحمي الأطفال من التعرض لشحنهم إلى أكاديميات كروية بدول أخرى ثم يتعرضون للتخلي عنهم لاحقاً. ومع ذلك، تعرضت هذه القاعدة للخرق من حين لآخر على مدار سنوات عدة، الأمر الذي يخلق صعوبات جمة أمام الأسر التي سبق أن نقلت حياتها إلى الخارج.
أما أليساندرو، فقد تمكن من الالتفاف حول القواعد بفضل تقدمه بطلب الحصول على مواطنة مزدوجة، نظراً لأصوله الإيطالية والتي منحته ميزة نادراً ما يحظى بها آخرون. من المقرر أن ينتقل أليساندرو للعيش مع جده وجدته ووالديه وشقيقته البالغة 3 سنوات، الصيف المقبل. للانتظام في «مدرسة روما الدولية»، حيث يتوقع إجادة الإيطالية في غضون 6 شهور. في الوقت ذاته، سيعمل أليساندرو على تحقيق توازن بين تعليمه وتدريبه في الأكاديمية على مدار خمسة أيام أسبوعياً.
من جهته، قال إيدي: «سيحمل هذا الأمر تغييراً ثقافياً بالنسبة لنا، وتغييراً في اللغة التي نتحدثها. في الواقع، إنها خطوة كبيرة للغاية، لكننا نرغب في اتخاذها. لقد قال لي ابني: أود يا والدي العيش في روما ولعب كرة القدم في أوروبا، فهي منبع أفضل لاعبي كرة القدم في العالم، وهي المكان الذي أود الوجود فيه».
المؤكد أن المثابرة والإخلاص، خاصة في المراحل الأولى، من العناصر الضرورية لضمان بلوغ أقصى درجات النجاح والتألق بالمجال الرياضي، وهناك الكثير من النجوم الذين اتخذوا خطوة كبرى في سن صغيرة بهدف الوصول إلى البيئة المثلى التي تكفل النجاح: ليونيل ميسي انتقل من مدينة «روساريو» الأرجنتينية إلى «برشلونة» في سن الـ13. وعمل والد ماريا شارابوفا في وظائف غريبة على امتداد سنوات في فلوريدا فقط ليضمن حصول طفلته على تدريب جيد. إلا أنه في المقابل هناك أيضاً قصص حول النبذ والرفض والضياع.
من جهته، يبدو إيدي مدركاً تماماً لحقيقة الوضع وحجم التحديات التي تنتظر ابنه. وفي هذا الصدد، قال: «رغم أننا ذاهبون إلى روما، لا تزال احتمالات التحول إلى لاعب كرة قدم محترف بالغة الضآلة». الواضح أن إيدي بذل قصارى جهده ليمنح أليساندرو أفضل فرص ممكنة. يذكر أن الصبي يتدرب في صفوف فريقه المحلي ومع مجموعة منتقاة داخل نادي «سبورتينغ كنساس سيتي» التابع للدوري الأميركي لكرة القدم. ويحظى أليساندرو بمدرب خاص به، بجانب مشاركته في جلسات تدريب منتظمة تحت قيادة جورجيو، صديق والده، الذي يتولى تدريب فريق الرجال التابع لجامعة روكهرست.
إضافة لذلك، يحظى أليساندرو بملعب تدريب خاص به. وعن ذلك، قال إيدي: «شيدنا من أجله ملعباً داخل قبو منزلنا يبلغ عرضه 4.5 متر وطوله 14 مترا ويغطيه العشب. وبالنسبة لأليساندرو، فهو عادة إما هناك بالأسفل أو بالخارج في الفناء الأمامي للمنزل حيث يقف ليطلب مني مرافقته للتدريب. وأول شيء يستفسر عنه مني كل صباح: أين سنتدرب اليوم، ومع من سنتدرب يا أبي؟ وإذا قال إنه يود الذهاب إلى الملعب، لا أرفض أبداً».
جدير بالذكر أن قصة أليساندرو تحمل تشابهات لافتة مع قصة حياة ريان ديفيز، الفتى الأسترالي الذي انضم إلى «مانشستر يونايتد» عام 2007. كان ديفيز قد انضم إلى أكاديمية «مانشستر يونايتد» في سن التاسعة بعد أن أرسل والده إلى مسؤولي الأكاديمية مقاطع مصورة له أثناء المناورة بالكرة والتي حصدت خمسة ملايين مشاهدة عبر موقع «يوتيوب». وقد استغنى النادي عن ديفيز في سن الـ16 في أعقاب تعرضه لكسر في الساق، ويلعب الآن في صفوف «الترنشام» المشارك في «الدوري الوطني الأسترالي».
وخلال مقابلة أجراها معه «فوتبول سنتر» العام الماضي، قال ديفيز: «كانت مغامرة جديدة بالنسبة لي ولأسرتي، وقد أولوني كامل دعمهم. بطبيعة الحال شعرت بأنني تحت وطأة ضغوط، لكن على نحو بدا لي أنه يدفعني قدماً. ويمكنني القول بأمانة إنه ليس بداخلي أي ندم بخصوص الرحلة التي خضتها. وفي حالتي، جاء التحفيز من جانب أسرتي. وتكفيني فكرة أنني ساعدتهم على الانتقال إلى إنجلترا للبقاء في حالة تحفيز».
من ناحيته، راودت إيدي بالفعل فكرة إمكانية ألا يتمكن أليساندرو من إكمال الطريق. وعن هذا، قال: «يتمثل هدفنا المرجو فيما يخصه في أن يستمتع باللعب فحسب. ونأمل أن يتمكن من المشاركة في أعلى مستويات كرة القدم للمحترفين. وإذا لم يحدث ذلك، ربما ينجح في الحصول على منحة جامعية كاملة بمكان ما تتعلق بكرة القدم».
وماذا لو أن أليساندرو تخلى في وقت لاحق عن التدريب مقابل المتع التي عادة ما تجتذب الشباب مثل الشرب والحفلات أو فقد ببساطة شغفه إزاء كرة القدم؟ وأجاب إيدي عن ذلك: «هذا أحد الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا باستمرار في الوقت الراهن. عندما يدخل مرحلة المراهقة، ستكون تلك بمثابة نقطة تحول. وعندما يبقى مثل هؤلاء الصبية في حالة تركيز، ينجحون في مساعيهم. أما عندما يفقدون تركيزهم، فإنهم يتحولون لمجرد فتية آخرين في الشوارع. ويلتحقون بالجامعة ويتخذون مساراً مغايراً في الحياة. وعليه، فإنه ليس باستطاعتنا استبعاد هذا الأمر. نأمل أن يتمكن من تجاوز تلك المرحلة بنجاح ويبقى في المسار الصحيح إذا ما رغب حقاً في لعب كرة القدم. ولا يسعني سوى أن أقول له أنه يهدر موهبة كبيرة لو أنه تخلى عن كرة القدم الآن - وبالتأكيد هو لا يريد إهدار موهبته».
من ناحية أخرى، أقر إيدي أن خطوة الانتقال إلى إيطاليا كانت قراراً صعباً من الناحية المالية. وستحاول الأسرة الاستمرار في إدارة المطعم عن بعد مع الانتقال في عمله من الاستيراد إلى التصدير. كما ينوون تنظيم جولات سياحية تعنى بمجال الطهي في روما وفلورنسا، الأمر الذي سبق لهم الاضطلاع به من قبل. وقال إيدي: «من المؤكد أن هذا عبء مادي علينا، لكننا نأمل في أن تتوافر لدينا الظروف المثلى. أما إذا اضطربت الأمور، فسنضطر للعودة إلى الوطن. ويعلم أليساندرو أنه عندما يبلغ الـ12 أو 13 ربما تبدي أكاديميات اهتمامها به وتضمه إليها ليبقى بداخلها ويرتاد المدرسة. وربما يتعين عليه التفكير بجدية فيما إذا كان ذلك ما يرغبه حقاً - الانفصال عن أسرته في سن مبكرة».
وربما تكون تلك التضحيات التي يتعين على المرء تقديمها لاقتناص فرص استثنائية. وعن هذا، قال إيدي: «أود محاولة منحه أفضل فرص ممكنة في الحياة كي يحقق أحلامه. ولا يمكنك هنا الانتظار طويلاً، فهؤلاء الصبية يتألقون سريعاً، كما أن المسيرة الكروية تنتهي سريعاً، ربما عندما يبلغون الـ30 فقط. وعليه، فأنت لا تملك الكثير من الوقت لاتخاذ القرار».
روما يقتنص كوبيني... الموهبة الأميركية التي أذهلت العالم
الطفل البالغ 10 أعوام يجذب أكثر من 40 ألف متابع عبر موقع التواصل الاجتماعي
روما يقتنص كوبيني... الموهبة الأميركية التي أذهلت العالم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة