«التعليم عن بعد» في مصر... إقبال متزايد رغم التشاؤم المجتمعي

خبراء: ميزته تطوير المحتوى... والتفرقة الأكاديمية ستتلاشى

التعلم عن بعد يتميز بالمرونة والتحكم في العبء التعليمي من قبل الدارسين وهو مايتفق مع أهداف ورؤية مصر للتنمية المستدامة 2030
التعلم عن بعد يتميز بالمرونة والتحكم في العبء التعليمي من قبل الدارسين وهو مايتفق مع أهداف ورؤية مصر للتنمية المستدامة 2030
TT

«التعليم عن بعد» في مصر... إقبال متزايد رغم التشاؤم المجتمعي

التعلم عن بعد يتميز بالمرونة والتحكم في العبء التعليمي من قبل الدارسين وهو مايتفق مع أهداف ورؤية مصر للتنمية المستدامة 2030
التعلم عن بعد يتميز بالمرونة والتحكم في العبء التعليمي من قبل الدارسين وهو مايتفق مع أهداف ورؤية مصر للتنمية المستدامة 2030

لا شك أن أهمية التعليم عن بعد في تزايد مستمر، خاصة وأنه يدعم الشباب في تعزيز قدراتهم على المنافسة في سوق العمل الذي تعتريه تغييرات جذرية؛ في ظل دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي في كثير من المجالات.
ومؤخرا، أعلنت الجامعة الأميركية بالقاهرة عن إطلاق مشروع ضخم لـ«التعليم عن بعد» بالتعاون مع معهد ماساتشوستس الأميركي للتكنولوجيا، والجامعة الأميركية في بيروت، بتمويل من مؤسسة عبد الله الغرير. وذلك في إطار سعي الجامعة لتطبيق نظم التعليم المدمج blended learning، وقال فرانسيس ريتشاردوني، رئيس الجامعة الأميركية بالقاهرة في مؤتمر عقد بمقر الجامعة: «إن ما تحاول الجامعة القيام به في مصر هو استكشاف طرق جديدة للتعلم وطرق جديدة لتطوير ونقل المعرفة، بأقل تكاليف ممكنة»، لافتا إلى أنه تم تدريب 68 من أعضاء هيئة التدريس على تقديم دورات التعليم المدمج، وقد قامت بالفعل بتصميم وتقديم أربع دورات».
وتعمل الجامعة الآن على تصميم 15 مقرراً دراسياً قائماً على «التعليم المدمج» من ضمن كثير من الجهود المبذولة لزيادة طرق التعليم في تجربة الجامعة التعليمية. ويشمل التعليم المدمج مجموعة من الطرق التعليمية التي تركز على الاستثمار في المحتوى التعليمي وقيمته ومخرجاته بدلا من الاستثمار في فصول الدراسة التقليدية. ويتضمن حزمة من الأدوات التعليمية التي تقوم على اللقاءات (وجها لوجه) مع المحادثات الجماعية عبر الإنترنت إلى جانب وسائل التعليم الرقمي من مكتبات رقمية وأقراص مدمجة ووسائط متعددة وغيرها من أدوات العصر.
وتعتمد الجامعة الأميركية بالقاهرة نظام «التعليم عن بعد» في عدد من المقررات الدراسية حيث يتعاون أعضاء هيئة التدريس بها والطلاب مع هيئات وجامعات أجنبية عبر تصميم دورات وورش عمل بينهم وبين نظرائهم في عدد من الجامعات حول العالم.
من جانبها، صرحت مايسة جلبوط، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الله الغرير للتعليم: «نقوم بالتركيز على توفير فرص الحصول على التعليم لأكثر الطلاب تفوقاً في المنطقة والذين لا يملكون الموارد».
- مستقبل التعليم عن بعد
يقول د. سامي نصار، أستاذ التربية بجامعة القاهرة، والعميد الأسبق لمعهد الدراسات التربوية، لـ«الشرق الأوسط»: «إن التعليم المفتوح هو المظلة الأكبر لنظم التعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني والتعليم المدمج، وقد قدمت الجامعات المصرية نظام التعليم المفتوح منذ عام 1992، ولكن لم تلقَ نماذج التعلم عن بعد الإقبال الكافي من الطلاب إذا ما قورنت النسبة مع الإقبال على التعليم التقليدي» ويرجع د. نصار السبب إلى أن «سوء إدارة جامعات التعليم المفتوح، أدى لترسخ انطباع عام بأن نظم التعليم الجديدة غير التقليدية أقل جودة».
ورغم أن هناك عدداً من الجامعات المصرية الحكومية طبقت تكنولوجيا التعليم عن بعد، فإن إقدام الجامعة الأميركية بالقاهرة عليها في الوقت الحالي، يؤشر إلى أن الفترة المقبلة ستشهد إقبالا على هذا النظام التعليمي الذي يفرض نفسه في ظل التطور الهائل في الوسائط التكنولوجية.
- تجربة مصرية ناجحة
يسلط د. نصار الضوء على تجربة رائدة في مصر: «لدينا نموذج ناجح لتجربة التعليم عن بعد في الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني والتي تضم حاليا 3 آلاف طالب ما بين طلاب في المرحلة الجامعية أو طلاب الدراسات العليا وهي تجربة تقوم على نموذج تعليمي متقدم جدا، في الفصول الافتراضية».
تم إنشاء الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني بالقرار الجمهوري رقم 233 لسنه 2008 كأول جامعة مصرية تتبنى مبدأ التعلم الإلكتروني في تقديم خدمات تعليمية على أعلى مستوى جودة، بأسعار مناسبة، وتعمل على إمداد سوق العمل بعناصر لها مهارات عالية وعلى دراية بأحدث ما وصل إليه العلم في مجالات التخصص. كما تعمل الجامعة من خلال كوادر أكاديمية رفيعة المستوى على التطوير المستمر للبيئة التعليمية بما يجعلها قادرة على تلبية الاحتياجات المستقبلية للمجتمع والصناعة.
ويلفت د. نصار إلى أن أحد أهم ميزات التعليم عن بعد هي المزج بين كل أشكال ووسائل التعلم حيث يتمرس الطالب على استخدام الوسائل التعليمية التقليدية والرقمية أيضا، فيما يعرف بـ«التعليم المدمج» فهناك الأستاذ في مقر الجامعة، والطلاب في فصل افتراضي لا يزيد عن 25 فردا، ويتاح لهم الدخول لمكتبة رقمية ومراكز تعلم ومعامل رقمية دون مشكلات الزحام المروري والتنقل من محافظة لأخرى وغيرها من مشكلات التعليم التقليدي. ويؤكد أن جميع الطلاب في البداية يخضعون لمحاضرات تعريفية وتوجيهية بكيفية التعامل مع التطبيقات التكنولوجية التي سيطبقونها خلال سنوات الدراسة وكيفية استخدام الطالب لحسابه عبر موقع الجامعة في التواصل مع أقرانه وأستاذته.
- مميزات وفرص تعليمية واسعة
ينتقد د. ياسر دكروري، رئيس الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني في مصر، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» وجود تفرقة بين الطلاب في أنظمة التعليم الإلكترونية والتقليدية في مصر، طالما أن الطالب يحصل على نفس المتطلبات الدراسية والتي تتوافق مع معايير الجودة التقليدية والتكنولوجية».
ويوضح أن من أهم مميزات «التعلم عن بعد» المرونة والتحكم في العبء التعليمي من قبل الدارسين وهو ما يتفق مع أهداف ورؤية مصر للتنمية المستدامة 2030. وحول الهدف الرئيسي من التعلم عن بعد هو إتاحة الفرصة للطلاب الذين تعوقهم ظروف العمل أو غيرها عن الالتحاق بالتعليم الجامعي، ويجب أن تتم مساواتهم بالطلاب الدارسين بالجامعات بنظام «الانتساب» حيث إن الجامعة تمنحهم شهادات مثلهم مثل جميع الطلاب المتخرجين منها دون تفرقة».
ويذهب د. دكروري إلى أهمية دمج النظم والأساليب والوسائل التعليمية الإلكترونية مع التعليم التقليدي، كاشفا عن سعي الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني لتأسيس عدة فروع لها في باقي المحافظات المصرية، حيث يوجد لها حاليا 3 فروع فقط في القاهرة وطنطا وأسيوط.
ويقدم د. محمد الزيات، مدرس تكنولوجيا التعليم بالجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني، وجهة نظر هامة بشأن مستقبل «التعليم عن بعد»، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه خلال السنوات المقبلة سوف تختفي كل المصطلحات مثل: «التعليم عن بعد» أو «التعليم الإلكتروني» أو «التعليم المفتوح»؛ لأنه ببساطة الأدوات والوسائط التي يتم استخدامها في العملية التعليمية هي بالنسبة للأجيال الجديدة جزء عادي من تكوينهم الوجداني واللاشعوري أيضا، خاصة وأن كل شيء يستخدمونه له علاقة بالتطبيقات الإلكترونية والوسائط اليومية هي وسائل لوحية وشاشات وغيرها، وبالتالي فإن التفرقة في المسميات التي أطلقتها الأجيال السابقة أصبحت بالية في ظل أن السلوك التعليمي حتى للطلاب في المراحل التعليمية الأساسية يعتمد على الإنترنت والبحث عبر «غوغل»، وبالتالي فإن كل الفروقات سوف تختفي، وسوف تتضمن كلمة التعليم بمعناها الشائع استخدام التعليم الإلكتروني أو عن بعد.
- تكاليف ومستلزمات تقنية
يتفق د. الزيات مع الخبراء السابقين في أن مشكلة الاعتراف بنظام التعليم عن بعد في المجتمع مشكلة وعائق كبير لكنه نفسي فقط وغير واقعي؛ لأن الهيئات التي تعتمد الشهادات التعليمية واحدة ولا يوجد أي تفرقة قانونيا أو إجرائيا. ويشير إلى أن أحد مسببات عدم تطوير هذا النظام التعليمي الإلكتروني هو عدم وجود ميزانية أو خطة ورؤية للتعليم ككل.
ويلفت د. الزيات إلى أهمية الاستثمار في نماذج تعليمية كثيرة وعقد الشراكات بين الجامعات والمؤسسات التعليمية؛ لأن «التعليم عن بعد» لا يمكنه أن يحل كل المشكلات التي تعوق العملية التعليمية وجودتها. ويقول: «هناك مبادرات اجتماعية رائعة مثل ما تقوم به جمعية (مصر الخير) التي تبنت تجربة المدارس المجتمعية في جنوب مصر والتي تسعى للوصول لطلاب لا يمكنهم الالتحاق بالمدارس» ويؤكد الزيات أنه «من دون سياسات واضحة وخطة متكاملة والعمل بشكل متناغم بين الهيئات التعليمية، لن تتمكن مصر من اللحاق بالتطورات السريعة والمتلاحقة في مجال تكنولوجيا التعليم».


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.