تخيل أن تبدأ صباحك وأنت ترتشف ألذ فنجان قهوة على شرفة قريبة من قصر باكينغهام وكلارينس هاوس، وبعد تناول الفطور الإنجليزي على أصوله، تحزم أمتعتك وتغوص في رحلة قريبة من حيث المسافة بعيدة من حيث المنال، لولا الشراكة بين فندق «ذا ستافورد» The Stafford الواقع في منطقة سانت جيمس و«كاودري هاوس» Cowdray House إلى الغرب من ساسيكس التي تعتبر موطن لعبة البولو، رياضة الأرستقراطيين الإنجليز. وهذه الشراكة تجعلك لورداً، وتحولك إلى فارس ولاعب بولو محترف وصياد ماهر وقناص يعرف كيف يؤكل الغزال.
وبسبب الشراكة بين «ذا ستافورد» و«كاودري»، فلا داعي للتخيل لأن حلم الإقامة في بيت ملكي سيكون حقيقة، خصوصاً أن هذا البيت الذي يضم 15 غرفة حالياً و22 غرفة في مطلع العام المقبل فتح أبوابه أمام الزوار منذ فترة قصيرة، بعدما قرر مالكه اللورد مايكل أورلاندو ويتمان بيرسون، الوريث الرابع لعائلة كاودري الإنجليزية الأرستقراطية، بيع البيت بسعر 25 مليون جنيه إسترليني، بعد أن تغيرت نظرته للحياة المترفة التي أراد مع زوجته مارينا التخلي عنها، والانتقال للعيش في واحد من بيوته الفخمة الأصغر حجماً في منطقة كاودري بارك التي يملك أجمل بيوتها، ولكنه لم يتخل عن أكاديمية رياضة البولو التي تعتبر أشهر ما تزخر به المنطقة، وبعدما تعذر بيع المنزل قرر اللورد تحويله إلى بيت مفتوح يؤجر بكامل غرفه. واليوم، أصبح من أجمل عناوين الإقامة في الريف الإنجليزي، ومقصد الباحثين عن أماكن جميلة لتمضية نهاية الأسبوع، أو إقامة مراسم الزفاف وغيرها من المناسبات العائلية الكبرى.
فلسفة «ذا ستافورد»
مبدأ فندق «ذا ستافورد» الذي يعود تاريخه إلى عام 1912 يرتكز على فلسفة مفادها أن الأكل والسفر يجب أن يكونا مسعى كل إنسان. ومن أجمل ميزات هذا الفندق الواقع في وسط العاصمة أنه يسعى دائماً لتعريف نزلائه على الريف الإنجليزي الجميل وما يزخر به من مواصفات ورياضات.
ومن خلال شراكته مع كاودري، يتمكن الزوار من اختبار ألذ المأكولات التي يحضرها الطاهي الرئيسي في مطعمه «ذا غايم بيرد»، جيمس دورانت، التي ترتكز على المكونات الطازجة المستوردة من المزارع المحلية، وتعلم رياضة البولو والصيد على أنواعه، والتعرف أيضاً على تاريخ «كاودري» الحافل.
بدأ المشوار
في صباح باكر من خريف لندن الذهبي متقلب المناخ والمزاج، تجمعنا للانطلاق في رحلة إلى قلب الريف، انطلقت سيارات بينتلي رباعية الدفع باتجاه «كاودري بارك» في مقاطعة ساسيكس. وبعد ساعة ونصف من القيادة المريحة، بدأت الطبيعة تتبدل، والبيوت تكبر وتبتعد عن بعضها بعضاً، والخضرة على مد العين والنظر. وعبر طريق ملتو، وصلنا إلى «كاودري هاوس»، وكان باستقبالنا فريق من العاملين في البيت الملكي، وهذا المشهد ذكرني بمسلسل «داونتون آبي» الذي تدور أحداثه في أحد البيوت الأرستقراطية الإنجليزية.
قد تكون المسافة ليست ببعيدة جداً عن وسط لندن، إلا أن كل شيء مختلف في هذا القسم من البلاد، فطبيعة الناس تختلف؛ إنهم طيبون اجتماعيون أكثر من أهالي المدن، فالترحيب كان رائعاً دافئاً تماماً مثل دفء ذلك اليوم الخريفي الذي كان أشبه بدفء المتوسط.
نافورة ماء عملاقة مقابل المنزل، وسيارات فارهة في الفسحة الخارجية، وتلال ووديان ترسم الأفق القريب، ومساحات خضراء شاسعة أينما نظرت.
تدخل المنزل عبرة قنطرة من الحجر، فالبيت أثري يعود بناؤه إلى 1520، الأرضية من الحجر، الأسقف عالية جداً، أول ما تراه عند دخولك معدات رياضة البولو: الأحذية والخوذة والعصا. وبعدها، تصل إلى البهو الرئيسي. وفي هذا المكان رهبة غير عادية، وملكية بالتأكيد، فأنت في الحقيقة داخل قصر ولست في منزل؛ تزين الجدران في هذا الركن صور اللوردات الذين تناوبوا على ملكية المنزل، وصولاً إلى المالك الحالي اللورد مايكل وزوجته مارينا، وصورة لابنهما وريث المنزل المستقبلي (باري)، ابن الـ24 عاماً الذي بدا وهو في استقبالنا بطلته البهية وطوله الفاره لطيفاً متواضعاً لأكثر الحدود.
ومن هذا البهو، تنتقل إلى صالونات سوف تعجز عن تفضيل منها واحد عن غيره، ومن كل واحد منهم تصل إلى آخر بديكور مختلف وأثاث رائع؛ ويقال إن هذا الأثاث لم يكن موجوداً في المنزل عندما سكن فيه اللورد مايكل وزوجته الليدي مارينا لأن هذه الأخيرة قررت بيع الأثاث والانتقال إلى العيش في منزل أصغر لا يتطلب أكثر من مدبرة منزل واحدة. وعندما بدل اللورد رأيه اضطرت الليدي إلى شراء أثاث مستعمل من أماكن كثيرة أخرى.
الألوان جميلة زاهية غامقة في الوقت نفسه، وأجمل غرفة جلوس هي تلك التي تطل على بركة السباحة الخارجية، وهي منقسمة إلى مستوين، وكم هي رائعة الجلسة فيها وعلى مقاعدها الوثيرة التي تغرق في ريشها وأقمشتها الراقية.
ولقد أخبرنا جوناثان، المدير التنفيذي للمنزل، أن هناك حالياً 15 غرفة رممت جميعها بالكامل، والعام المقبل ستضاف 7 غرف إضافية.
وعبر سلم خشبي عريض تصل إلى الطابق العلوي، وعلى أنغام الموسيقى الكلاسيكية التي تصدح من البهو في جميع الأوقات تصل إلى الشرفة التي تطل على غرفة الجلوس الرئيسية التي تتوسطها مدفأة نار أكثر من عملاقة، ومن السقف الزجاجي يتسلل النور ويسرق لحظة من المكوث في بيت ملكي.
بعدها تصل إلى الغرف التي كتب على كل منها اسم مختلف، مثل: غرفة «الماس» و«الكريستال». وغرفتي كانت رائعة؛ كان من الصعب عليّ تركها، لولا أنه تعين عليّ تبديل ملابسي للالتحاق بباقي المشاركين بالرحلة لبدء درس البولو، وكان في الغرفة قميص بولو جميل يحمل اسم عائلتي على الظهر، وهذا وحده شعور بالأهمية. وبعدها، وضعت الخوذة وانطلقت إلى الدرس الأول لرياضة الأمراء والأرستقراطيين في البلاد.
والمعروف عن «كاودري بارك» أنه يضم أهم أكاديمية لتعليم البولو في إنجلترا، وتجري فيه أهم 5 مسابقات سنوياً.
وبعد التدرب على ركوب الخيل يبدأ العمل الجدي؛ مهارة رياضية جديدة تعتمد على التركيز والحركة والسرعة، وصدقوني ستشعرون بآلام في عضلات لم تعرفوا أنها كانت موجودة في أجسادكم أصلاً.
كيف تصبح صياداً ماهراً في يوم؟
من الرياضات المهمة الأخرى في «كاودري» الصيد. وهنا، نتكلم عن صيد الغزلان وصيد الأقراص الطائرة، فيقوم فريق من الصيادين المحترفين بتقديم المعلومات اللازمة التي تساعدك على تعلم الصيد. وبعد التجربة، ستصبح صياداً ماهراً يرغب بالمزيد. ويمكن حجز الدرس لفترة ما قبل الظهر بسعر 120 جنيهاً إسترلينياً.
زيارة تاريخية
المعروف عن «كاودري» أنها تضم آثاراً تاريخية لواحد من أشهر البيوت الملكية الذي كانت تقارن هندسته مع أهم قصور البلاد، ويقع إلى الشمال من ضفة نهر «روزرن»، وقد أتت عليه النيران بالكامل في الرابع من سبتمبر (أيلول) عام 1793. وعلى الرغم من تهدم المنزل شبه الكامل، لا يزال في مصاف المنازل التاريخية المدرجة في لائحة الآثار البريطانية، وتمكن زيارته ما بين الساعة الـ11 والرابعة بعد الظهر يومياً. وعندما تزوره، لا بد من الصعود إلى الطابق العلوي المطل على المنطقة عبر برج يضم غرفة للرسم يستعملها حالياً رسام محلي.
وبحسب الدليل السياحي التي كانت برفقتنا، فالجزء الوحيد الذي نجا من ألسنة النيران كان المطبخ، فهو لا يزال شامخاً حتى اليوم تقوم السيدات المحليات بالطهي فيه للمناسبات الخاصة في المنطقة.
عشاء فاخر
المفاجأة الكبرى كانت عند العودة من يوم حافل بالنشاطات والتاريخ، فقد كان وقت العشاء ولم يعرف أحد ما الذي ينتظرنا في غرفة الطعام التي تليق بالملوك، فدخلنا لنجد طاولة تتسع لأكثر من 50 شخصاً تزينها فاكهة الخريف والكستناء والورود التي ترمز إلى تبديل الطبيعة ثوبها ولونها ورونقها، شموع وحاويات زهور تغازل الطاولة، فترى بعضاً منها طويلاً وبعضها الآخر أقصر من حيث العلو. والمفاجأة كانت عندما علمنا أن الشيف جيمس دورانت هو من يقف في المطبخ، ويحضر الأطباق من مكونات أحضرها من المنطقة، مثل الطيور اللذيذة والسلطات التي تغري الحواس والحلوى التي يسيل لها اللعاب. وكان العشاء بحضور مدير فندق «ذا ستافورد»، ستيوارت بروكتر، الذي شرح أن «ذا ستافورد» يعتز بإنجليزيته وتاريخه، ولهذا السبب يبحث دائماً عن شراكات تعزز هذا التاريخ العريق.
العشاء كان استثنائياً لعدة أسباب، أهمها الشعور بالحميمية العائلية لأنك لست في مطعم، بل أنت في منزل عائلي ولدت فيه أجيال، وتربى فيه أطفال أصبحوا اليوم أجداداً. وبعد العشاء، توزع الحضور لفعل ما يحلو لهم من نشاطات قبل تناول الشاي: فبعضهم خاض مباريات حامية في لعبة «البلياردو»، والبعض الآخر غطس في بركة السباحة الداخلية المدفأة، وفئة أخرى توجهت إلى القسم السفلي من المنزل للعب «البولينغ». أما أنا ومن هم مثلي ممن يبحثون عن الهدوء والراحة والاستجمام بعد العشاء، فتوجهنا إلى الغرفة الأجمل برأيي؛ المطلة على بركة السباحة الخارجية، وجلسنا على الأرائك مثلما نفعل في حضور الأهل والأصدقاء في المنزل؛ وهذا الشعور لا يضاهيه أي فندق.
«كاودري» عنوان يلم
العائلات والأصدقاء
قال مدير «كاودري» كلمة أحببتها جداً، وصف فيها ما يميز هذا العنوان عن أي عنوان إقامة راقية آخر، قائلاً: «عندما يأتي الزوار إلينا، لا يشتمون رائحة مساحيق التعقيم والتنظيف، إنما يشتمون عبق الزهور، ويشعرون بالألفة المنزلية، فنحن لا نرنو لتأجير المنزل كل يوم، ونسعى إلى ترك مسافة بين حجز وآخر، ليشعر الضيف بأنه يدخل إلى منزل وليس إلى مكان تم تنظيفه للتو بالمساحيق، لأنه لم يكن هناك الوقت الكافي لاستقبال النزلاء الجدد». وهذا تماماً ما تتلمسه في هذا المكان، لأنه بالفعل يشعرك بالألفة، ففيه فريق عمل رائع يقوم برعاية الضيف على مدار الساعة، ولكنك تشعر كأنك في بيتك.
هذا العنوان يناسب الأصدقاء والعائلات الباحثين عن تمضية عطلة الأعياد أو عطلات نهاية الأسبوع سوياً. فبذلك، يمكن تقاسم سعر الليلة، ليكون وطؤها أفضل على الجيب، ولكن أجمل ما في الفكرة أن المنزل ليس تجارياً؛ وهو فرصة للأحباب للتلاقي، وتمضية أجمل الأوقات، وممارسة الرياضات، وتعلم مهارات جديدة، في أحضان طبيعة لا تعرف معنى التلوث.