شاشة الناقد

وحش كبير وعواطف صغيرة

غودزيللا
غودزيللا
TT

شاشة الناقد

غودزيللا
غودزيللا

الفيلم: غودزيللا
إخراج: غارث إدواردز
أدوار أولى: أرون جونسون، كن واتانابي، برايان كرانستون، سالي هوكينز، إليزابث أوسلن.
تقييم الناقد:(*3)
يختلف الوحش المسمّى بـ«غودزيللا» (التحريف الأميركي من كلمة «كوجيرو» اليابانية) عن باقي الوحوش التي وطأت هذه الأرض. أولا هو ليس ديناصورا، ولا هو حوتا، بل حيوان برمائي يعيش، أو هكذا كان يفعل، في أعماق البحر ساكنا هادئا حتى أزعجوه بالقنابل النووية التي كانوا يجرون التجارب عليها في أعماق المحيط. ثانيا، هو ليس نتيجة غلطة في المختبر ولا هو مقبل من كوكب بعيد لكي يدمّر الأرض. هو مخلوق ضخم وُلد على هذا النحو ولو أنه من المحتمل أن يكون كبر أكثر بسبب الإشعاعات النووية.
انطلق كوجيرو أول مرّة سنة 1954 عندما قام المخرج الياباني إيشيرو هوندا بتحقيق هذا الفيلم بتمويل من استوديو توهو الشهير. كانت مرّت تسع سنوات على إلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناغازاغي والمأساة ما زالت حاضرة. الفيلم الأول ذاك، طمح للتذكير بأن الوحش هو من تبعات القوّة النووية والأفلام اللاحقة، أكثر من ثلاثين إعادة واقتباسا وجزءا، كررت هذا المفاد في غالبيّتها.
هنا لا يبتعد المخرج البريطاني الذي جيء به لاستلام مهمّة ضخمة غارث إدواردز عن هذا الرديف السياسي: هناك تجارب نووية مع خطر استخدامها من جديد لقتل الوحش الكبير الذي خرج من تحت سطح الماء ليدمّر الإنسان وممتلكاته. لكنه لا ينشغل بها كثيرا أيضا. يبقى الخيط المذكور موجودا لكنه خيط نحيف لا ينوي التعثر به أو تركه يلتف حول العمل. وحسنا فعل. النسبة الترفيهية في هذا الفيلم تتجاوز مثيلاتها في الأفلام الضخمة الأخرى التي شوهدت مؤخرا. ومن بين كل المخرجين الذين أملوا في أن يتجاوزوا ستيفن سبيلبرغ في أعماله السينمائية المماثلة (أي تلك التي تقوم على وحوش من عائلات مختلفة كسمكة القرش الضخمة في «جوز» والديناصورات في «جوراسيك بارك») إدواردز هو الوحيد الذي ينجح بالفعل.
إذا ما عدت إلى سلسلة سبيلبرغ من «جوراسيك بارك» التي أنتجت قبل سنوات قليلة، تجد أن العمل التقني يداخله خيال غريب. حيوانات صغيرة تركض في الغابة. أخرى كبيرة تداهم وتلتهم. وأخرى تتصرّف باستيحاء من خيال حدد سلوكياتها بسلوكيات كلب متوحش (المشهد الذي يقتحم فيه اثنان من تلك الوحوش المعمل حيث يختبئ طفلان). إدواردز لا يتجاوب كثيرا مع المؤثرات التفصيلية. في «جوراسيك بارك» تقدّم وحوشا تبدو في بعض الأحيان كما لو كانت تمزح. هنا لا مجال للتمويه: وحوش هذا الفيلم (ثلاثة) جادة. لا تعترف بالجمهور الذي في الصالة.
يا ليت النواحي الدرامية على ذات القدر من النجاح. في حين أنجز إدواردز عملا جيّدا على صعيد أفلام الوحوش (أكثر بكثير من فيلم رولاند إيميريش الكرتوني «غودزيللا» قبل بضع سنوات)، يخفق في الإتيان بشخصيات آدمية مثيرة للاهتمام. هناك جمود في الحوار ينتج عنه جمود في الأداء. مثل سبيلبرغ، يستخدم إدواردز كل المفاتيح العاطفية الممكنة، ويوظّف العلاقات الأسرية كمحور للرغبة في حماية الآخر (الأب والابن، الابن وزوجته وطفله الخ..). التوظيف جيّد لناحية تحقيق غاية تعاطفية، لكن الشخصيات تبقى غير مقنعة حين تلتقي وتتبادل الكلام.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.