اتهمت الأمم المتحدة قوات النظام السوري بتنفيذ الهجوم الكيماوي على مدينة خان شيخون قبل نحو سبعة أشهر والذي سقط ضحيته 87 شخصاً، بينهم أكثر من 30 طفلاً.
في الرابع من أبريل (نيسان) العام 2017، استهدفت غارة جوية عند الساعة السابعة صباحاً بالتوقيت المحلي (04.00 ت غ) مدينة خان شيخون في محافظة إدلب الواقعة بالكامل تحت سيطرة فصائل مقاتلة. وأظهرت صور لناشطين معارضين جثثاً هامدة على الأرض، وأشخاص مصابين بحالات تشنج واختناق.
وتحدث الأطباء في المكان عن أعراض مماثلة لتلك التي تظهر على ضحايا الهجمات الكيماوية، بينها اتساع حدقة العين وتشنج العضلات وخروج رغوة من الفم.
وسرعان ما اتهمت المعارضة السورية قوات النظام باستخدام «غازات سامة»؛ الأمر الذي نفاه الجيش النظامي السوري بشكل «قاطع».
اتهمت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، النظام السوري بتنفيذ الهجوم. وتحدث البيت الأبيض عن «عمل مروع من جانب نظام بشار الأسد»، وحمّل الرئيس الفرنسي (السابق) فرنسوا هولاند النظام السوري «مسؤولة المجزرة».
وأكدت بريطانيا، أن «كل الأدلة التي اطلعت عليها توحي بأن ذلك كان نظام الأسد»، ووصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الرئيس السوري بـ«القاتل».
وسارعت روسيا في المقابل إلى إعلان أن الطيران السوري ضرب «قرب خان شيخون مستودعاً كبيراً لإرهابيين» كان يتضمن «مشغلاً لصنع القنابل باستخدام مواد سامة». كما هدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالتحرك، معتبراً أن «هذه الأفعال المشينة التي يرتكبها نظام الأسد لا يمكن القبول بها». وفي ليل 6 - 7 أبريل قصفت الولايات المتحدة بـ59 صاروخاً موجهاً من طراز توماهوك مطار الشعيرات العسكري في محافظة حمص في وسط سوريا. ونددت روسيا «بعدوان على دولة ذات سيادة».
وفي 12 أبريل، استخدمت روسيا الفيتو ضد مشروع قرار أممي ينص على إجراء تحقيق دولي في هجوم خان شيخون. وفي 13 من الشهر ذاته، أعلن الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، أن الهجوم «مفبرك». وقال: «انطباعنا هو أن الغرب والولايات المتحدة بشكل رئيسي متواطئون مع الإرهابيين وقاموا بفبركة كل هذه القصة كي يكون لديهم ذريعة لشن الهجوم».
وفي 29 يونيو (حزيران)، أكدت المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية، أن غاز السارين استخدم في الهجوم على خان شيخون من دون تحديد مسؤولية أي طرف. وفي 26 أكتوبر (تشرين الأول) ، أكد تقرير لجنة تابعة للأمم المتحدة مسؤولية النظام السوري عن الهجوم.
وجاء في هذا التقرير المشترك للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، أن لجنة التحقيق «واثقة من أن الجمهورية العربية السورية مسؤولة عن إطلاق (غاز) السارين على خان شيخون». وفي اليوم التالي، دعت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى فرض عقوبات على الحكومة السورية.
وفي المقابل، تحدثت موسكو عن وجود «الكثير من التناقضات وعناصر متضاربة واضحة واستخدام شهادات مشكوك بصحتها وأدلة غير مؤكدة».
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش إنه أحال مساء الخميس نسخة مسبقة من التقرير السابع لآلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى مجلس الأمن عملا بقراري مجلس الأمن 2235 و2319.
وقال غوتيريش في بيان صدر فجر الجمعة إن «التقرير يقدم التقييمات والنتائج التي توصلت إليها رئاسة الآلية فيما يتعلق بالحالتين اللتين بحثتهما الآلية، وهما: استخدام خردل الكبريت في أم حوش في 15 و16 سبتمبر (أيلول) 2016، واستخدام السارين في خان شيخون».
وقال غوتيريش، إنه يتطلع إلى اجتماع مجلس الأمن عندما ينظر في تقرير الآلية في 7 نوفمبر (تشرين الثاني)، مؤكدا «ثقته الكاملة في الكفاءة المهنية والنزاهة والموضوعية للآلية»
وقال: إنه يشكر فريق القيادة وموظفي الآلية على عملهم الدؤوب وتفانيهم، معربا أيضا عن تقديره للدعم المستمر الذي تقدمه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومكتب شؤون نزع السلاح إلى الآلية، فضلا عن تقديم المساعدة، بما في ذلك الدعم المالي، من جانب الدول الأعضاء.
من جانبه، قال وزير الخارجية البريطاني بورس جونسون: إن ما توصل إليه فريق التحقيق هو استنتاج واضح بأن «نظام الأسد استخدم غازات السارين العصبية ضد شعب خان شيخون في سوريا (والتي كان لها) عواقب مأساوية لمئات الضحايا».
وأضاف جونسون «إن بريطانيا تدين هذا الخرق المروع لقواعد الحرب، وتدعو المجتمع الدولي إلى الاتحاد من أجل محاسبة نظام الأسد»، مشيرا إلى عام 2013 عندما «وعدت روسيا بضمان أن تتخلى سوريا عن جميع أسلحتها الكيميائية» قائلا: إنه «ومنذ ذلك الحين، وجد المحققون أن نظام الأسد مذنب في استخدام الغاز السام في أربع هجمات منفصلة»
وانتقد الوزير البريطاني الموقف الروسي، وقال إن «روسيا حاولت مرارا وتكرارا تعطيل الجهود الرامية إلى معرفة حقيقة هجوم خان شيخون، ومنع استخدام السارين، ثم استخدمت الفيتو يوم الثلاثاء ضد قرار للأمم المتحدة كان من شأنه تمديد ولاية فريق التحقيق».
وقال جونسون: «اختارت روسيا باستمرار التستر على الأسد. وكان هذا هو الفيتو التاسع الذي استخدمته لحماية الأسد والثالث الذي ألقاه لمنع نظام الأسد من مساءلة هجماته على الغازات السامة». مضيفا أن «هذا السلوك لا يمكن إلا أن يقوض توافق الرأي العالمي ضد استخدام الأسلحة الكيماوية».
ودعا جونسون «روسيا إلى التوقف عن التستر على حليفها البغيض والحفاظ على التزامها بكفالة عدم استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى أبدا». كما أشار جونسون إلى ما توصل إليه الفريق الأممي حول مسؤولية «داعش» عن هجوم الكبريت - الخردل على بلدة أم حوش في أيلول 2016، مضيفا أن «هذا الهجوم المروع من قبل (داعش) هو مثال آخر على أساليب (داعش) اليائسة. فأي استخدام للأسلحة الكيميائية هو بغيض - أياً كان المسؤول - ويجب أن يتوقف مرة واحدة وإلى الأبد».
وطالبت البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة بضرورة أن يقوم مجلس الأمن بأن يبعث برسالة واضحة مفادها أنه لن يتم التسامح مع استخدام الأسلحة الكيميائية، مشددة على وجوب دعم عمل المحقّقين بالكامل.
وقالت البعثة، حيث تتواجد المندوبة الأميركية، نيكي هيلي خارج نيويورك في زيارة إلى بعض الدول الأفريقية، إن «تجاهل العدد الهائل من الأدلة في هذه القضية، يدل على تجاهل مقصود للمعايير الدولية المتفق عليها على نطاق واسع».
إلى ذلك، أكد رئيس مجلس الأمن الدولي لهذا الشهر، المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة، أن بلاده ستعمل كل ما في وسعها للحفاظ على استمرار فريق التحقيق الأممي وتمديد ولايته.