فوضى دستورية وقانونية قبل يوم من الانتخابات الكينية

قضاة المحكمة العليا يتغيبون عن جلسة للنظر في دعوى لتأجيلها

مؤيدون للمعارض أودينغا يرفعون في نيروبي أمس لافتة كُتب عليها «لك الكلمة الأخيرة» (إ.ب.أ)
مؤيدون للمعارض أودينغا يرفعون في نيروبي أمس لافتة كُتب عليها «لك الكلمة الأخيرة» (إ.ب.أ)
TT

فوضى دستورية وقانونية قبل يوم من الانتخابات الكينية

مؤيدون للمعارض أودينغا يرفعون في نيروبي أمس لافتة كُتب عليها «لك الكلمة الأخيرة» (إ.ب.أ)
مؤيدون للمعارض أودينغا يرفعون في نيروبي أمس لافتة كُتب عليها «لك الكلمة الأخيرة» (إ.ب.أ)

في صباح أمس الأربعاء، أي قبل 24 ساعة من الانتخابات الرئاسية الكينية، طوقت الشرطة مبنى المحكمة (الدستورية) العليا في العاصمة نيروبي قبيل النظر في طلب التأجيل، وهي إعادة لانتخابات جرت في أغسطس (آب)، وألغتها المحكمة نفسها. وأغلقت الشرطة الشوارع المؤدية للمحكمة بوسط العاصمة، التي كانت قد تأسست وفقا لدستور 2010 الذي أعقب أزمة سياسية عاصفة قبل ذلك بثلاثة أعوام. لكن لم تتمكن المحكمة من النظر في الدعوى، على أي حال، حيث قال رئيس المحكمة إنه لم يحضر العدد الكافي من القضاة لعقد الجلسة. وأعلن ديفيد ماراغا، أن المحكمة لم تتمكن من النظر في الطعن المقدم حول إرجاء الانتخابات المرتقبة اليوم (الخميس) بسبب عدم اكتمال النصاب إثر غياب خمسة من القضاة السبعة. وقال القاضي ماراغا، الذي أدى قراره إلغاء إعادة انتخاب الرئيس أوهورو كينياتا في أغسطس إلى تنظيم اقتراع الخميس «لقد حضر قاضيان فقط، والنصاب لم يكتمل، لا يمكن النظر في القضية».
وأوضح، أن أحد القضاة مريض والآخر لم يتمكن من المجيء من نيروبي، واثنين لم يتمكنا من الحضور إلى المحكمة ونائب رئيس المحكمة فيلومينا مويلي لم يتمكن من الحضور بعدما أصيب حارسه الشخصي وسائقه بجروح بالغة بالرصاص الثلاثاء. ويفترض حضور خمسة قضاة على الأقل من أجل اكتمال النصاب في المحكمة العليا.
ودعت المعارضة وبعض المراقبين إلى تأخير إعادة الانتخابات بعد انسحاب زعيم المعارضة رايلا أودينغا من السباق. وقدم الطعن ثلاثة ناشطين في حقوق الإنسان، معتبرين أن كينيا ولجنتها الانتخابية غير جاهزتين لتنظيم هذا الاقتراع. واللجوء إلى المحكمة العليا في اللحظة الأخيرة كان أحد الإجراءات القضائية الكثيرة التي شابت الانتخابات العامة الكينية هذه السنة.
ومع ذلك، تعهد الرئيس الحالي أوهورو كينياتا بالاستمرار في إجراء الانتخابات، إلا أن زعيم المعارضة رايلا أودينغا أعلن انسحابه، قائلا إنه لم يتم الإيفاء بمطالبته بإجراء إصلاحات انتخابية.
من جهتها، قامت حكومة كينياتا بتعديل القانون الانتخابي على عجل، رسميا لتصحيح الأخطاء التي تحدثت عنها المحكمة العليا. لكن المعارضة ترى أن التعديلات تؤمّن إمكانات كبيرة للتزوير في الانتخابات. وتبنى البرلمان النص، لكنه لم يوقّع من قبل الرئيس الذي تدعوه الأسرة الدولية إلى الامتناع عن ذلك.
يتساءل المحللون عما إذا كانت الانتخابات ستعتبر شرعية من دون مشاركة أودينغا، كما أعربوا من مخاوفهم من أن تنزلق البلاد للعنف في حال إجراء الانتخابات أو إلغائها.
وفي بلد يجري فيه التصويت على أسس الانتماء الإثني والجغرافي أكثر من البرامج السياسية، كشفت هذه الأزمة من جديد عمق الانقسامات الاجتماعية والجغرافية والإثنية في كينيا التي يبلغ عدد سكانها 48 مليون نسمة.
وقال محامٍ ينتمي للمعارضة في كينيا أمس (الأربعاء): إن الانتخابات تفتقر إلى الشرعية بسبب حكم أصدرته المحكمة العليا وقضى بأن تعيين مسؤولين انتخابيين على مستوى الدوائر ليس قانونيا. وأضاف المحامي جيمس أورينجو لوسائل إعلام خارج المحكمة العليا «المضي قدما بإجراء الانتخابات لن يكون تصرفا قانونيا ولا دستوريا من جانبهم».
لكن محاميا آخر من لجنة الانتخابات قال: إن الانتخابات ستجرى لأن المحكمة العليا لم تتمكن من النظر في التماس بتأجيلها. وأضاف المحامي بول مويتي لقناة «سيتيزن تي.في»: «يعني هذا أن الانتخابات غدا (اليوم). لا يوجد أمر بعدم إجراء الانتخابات».
وقال سفراء الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الأوروبية: إن إعادة إجراء انتخابات تتمتع بالمصداقية هذا الأسبوع سيكون «أمراً صعباً»؛ وذلك بسبب المخاوف الأمنية والوضع السياسي في البلاد. وقالت سفارة الولايات المتحدة في بيان عبر موقعها الإلكتروني «إنه وللأسف، يقوض الوضع السياسي المتدهور الاستعدادات الخاصة بإجراء الانتخابات الرئاسية الجديدة». وأضاف البيان «الخطاب التحريضي والهجمات على المؤسسات وتزايد انعدام الأمن تجعل إجراء انتخابات ذات مصداقية ونزيهة أمراً أكثر صعوبة». وحمل البيان أسماء الدبلوماسيين من الولايات المتحدة ودول أوروبية عدة، من بينهم السفير الأميركي في كينيا روبرت جوديك، والمفوض السامي البريطاني لدى كينيا نيك هيلي.
وعبّر الرئيس كينياتا، الذي فاز في انتخابات أغسطس قبل إلغائها بسبب مخالفات إجرائية، عن رغبته في إجراء التصويت، رغم أن بعض أعضاء حزبه يخشون أن تقوض مقاطعة المعارضة مصداقية الانتخابات. ولقي نحو 1200 شخص مصرعهم في اشتباكات عرقية بعد انتخابات مختلف عليها عام 2007، ومنذ انتخابات أغسطس الماضي قتل نحو 50 شخصا في اضطرابات سياسية، جميعهم تقريبا على أيدي الشرطة.
الشرطة الكينية استخدمت الرصاص والغاز المُسيل للدموع أول من أمس (الثلاثاء) لتفريق مظاهرة صغيرة في نيروبي. وأظهرت لقطات تلفزيون «رويترز» عبوات غاز مسيل للدموع تطلق على محتجين. وفي مدينة كيسومو بغرب البلاد قال شهود إن نحو ألفي متظاهر خرجوا في مسيرة نحو مكاتب لجنة الانتخابات استجابة لنداء من رايلا أودينغا زعيم المعارضة. وتفرق المحتجون هناك بشكل سلمي. ويقاطع أودينغا الانتخابات أمام الرئيس الحالي أوهورو كينياتا. ويقول إنها لن تكون حرة ونزيهة؛ لأن اللجنة الانتخابية لم تجر الإصلاحات التي طالب بها بعد أن أُبطلت نتيجة الانتخابات الأصلية التي أُجريت في أغسطس. ودعا أودينغا أنصاره لضمان عدم إجراء الانتخابات، وكرر القول إنه لن تكون هناك انتخابات. لكنه قال لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) يوم الثلاثاء إنه لا يدعو إلى الاحتجاج يوم الانتخابات نفسه. وعندما سُئل عن توضيح، قال متحدث باسم أودينغا: إن الزعيم المعارض كان يقصد أن الاحتجاجات السلمية ستجرى كما هو مقرر، وأن المعارضة ستشرح خططها بالكامل لاحقا. وأجرت اللجنة الانتخابية بعض الإصلاحات تمهيدا للاقتراع الجديد، لكن المعارضة ترى أن المؤسسة ما زالت منحازة وتميل بأغلبيتها للحزب الحاكم.
كما هاجم الرئيس الحالي المرشح أوهورو كينياتا (55 عاما) قضاة المحكمة العليا بعنف ووصفهم بـ«المحتالين»، مشددا على أن موعد الانتخابات هو 26 أكتوبر (تشرين الأول).
ودعت صحيفة «ديلي نيشن» الثلاثاء من جديد السياسيين إلى «التعقل». وكتبت في افتتاحيتها: إن «كينيا بلد فاعل أساسي للتجارة الإقليمية وعضو محترم في أسرة الأمم، ويجب ألا يلوث سياسيون طامعون في السلطة ذلك». وعبرت الصحيفة عن أسفها لأن «المعسكرين السياسيين الرئيسيين... يواصلان التصلب في مواقفهما».



الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
TT

الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

أفرجت السلطات في دولة مالي عن 6 مواطنين موريتانيين، كانت قد اعتقلتهم وحدة من مقاتلي مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة، خلال عملية عسكرية خاصة داخل الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي. في حين أعلن الجيش الموريتاني أن المواطنين جرى توقيفهم داخل أراضي مالي، وأكد أنه «لن يسمح» بأي انتهاك لحوزته الترابية.

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

وقالت مصادر محلية إن المواطنين الموريتانيين أفرج عنهم بعد ساعات من التوقيف، وكانت وحدة «فاغنر» قد سلّمتهم إلى الجيش المالي الذي حقّق معهم ثم أفرج عنهم، ليعودوا إلى الأراضي الموريتانية ليل الأربعاء/الخميس.

اختراق الحدود

بعد توقيف الموريتانيين من طرف وحدة «فاغنر»، المرافقة للجيش المالي، تداول ناشطون موريتانيون على وسائل التواصل الاجتماعي معلومات تُفيد بأن مقاتلي «فاغنر» وقوات الجيش المالي «اخترقوا» الحدود، وأوقفوا مواطنين موريتانيين.

ولكن الحكومة الموريتانية نفت أن يكون قد حدث أي اختراق للحدود، وقال الوزير الناطق باسم الحكومة، الحسين ولد أمدو: «إن وحدات من الجيش المالي كانت تتحرك في مناطق تابعة لحدودها، وأثناء مرورها اعتقلت هذه المجموعة».

وأضاف ولد أمدو، في مؤتمر صحافي مساء الأربعاء، أن القرية التي دخلها الجيش المالي وقوات «فاغنر»، «تابعة لدولة مالي»، مشيراً إلى أن «اتصالات جرت بين السلطات العسكرية الموريتانية والمالية أسفرت عن إطلاق سراح الموقوفين».

لا تسامح

وأصدر الجيش الموريتاني بياناً صحافياً حول الحادثة، وقال إن ما تداولته الصحف المحلية وبعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي حول اختراق الحدود «مجرد معلومات مغلوطة وأخبار زائفة»، وقال: «إنه لن يسمح لأي كان بانتهاك الحدود».

وأوضح الجيش الموريتاني أن «الأمر يتعلق بوصول وحدة من الجيش المالي إلى قرية الأغظف الموجودة داخل التراب المالي»، وشدّد على أنه «لم تصل القوات المالية مطلقاً إلى خط الحدود بين البلدين».

وقال الجيش الموريتاني: «إن الوحدة العسكرية المالية أوقفت 18 شخصاً في المناطق التي مرت بها، قبل أن يجري إطلاق سراح الموقوفين لاحقاً، بعد اتصالات ميدانية بين الجهات المعنية بموريتانيا ومالي».

وخلص الجيش الموريتاني إلى «طمأنة المواطنين بأن الوحدات العسكرية الموريتانية المرابطة على الحدود، لن تسمح لأي كان بانتهاك الحوزة الترابية للبلاد»، وفق نص البيان الصحافي.

احتفاء محلي

كان توقيف المواطنين الموريتانيين قد أثار حالة من الرعب في أوساط السكان المحليين، في ظل مخاوف من تصفيتهم، كما سبق أن حدث مع موريتانيين خلال العامين الماضيين، أوقفتهم «فاغنر» وعثر عليهم في مقابر جماعية، ما كاد يقود إلى أزمة في العلاقات بين مالي وموريتانيا.

وبعد الإفراج عن الموقوفين سادت حالة من الارتياح في أوساط السكان المحليين، وأصدرت مجموعة من السياسيين والمنتخبين المحليين بياناً، قالت فيه إن سكان محافظة باسكنو الحدودية «يثمنون إطلاق سراح المختطفين على الحدود المالية».

وقال النائب البرلماني، محمد محمود ولد سيدي، إن الإفراج عن الموقوفين «لحظة تحمل في طياتها فرحة كبرى، وترسم أفقاً جديداً من الأمل والطمأنينة في قلوب الجميع».

وأضاف عضو البرلمان الموريتاني عن دائرة باسكنو، أن السكان يشكرون الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني «الذي قاد بحكمة وحزم مسار الجهود المبذولة لتحقيق هذا الإنجاز الوطني الكبير».

وأرجع النائب جهود الإفراج عن الموقوفين إلى ما سمّاه «الدبلوماسية العسكرية (الموريتانية) التي أظهرت قدرتها على إدارة الأزمات بفاعلية، وأثبتت بالدوام نجاعة وحنكة عاليتين في التعامل مع هذا التحدي الأمني الكبير».

حرب مالي

وتعيش دولة مالي على وقع حرب، منذ أكثر من 10 سنوات، ضد مجموعات مسلحة موالية لتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقبل سنوات قاد ضباط ماليون انقلاباً عسكرياً، وسيطروا على الحكم في البلد، ليعلنوا التحالف مع روسيا، وجلب مئات المقاتلين من «فاغنر» لمساعدتهم في مواجهة المجموعات الإرهابية.

ويثير وجود «فاغنر» داخل الأراضي المالية، خصوصاً في المناطق الحدودية، مخاوف الموريتانيين؛ إذ تسببت عمليات «فاغنر» في مقتل عشرات الموريتانيين داخل الشريط الحدودي بين البلدين.

وتوجد في الشريط الحدودي عشرات القرى المتداخلة، بعضها تتبع موريتانيا ويقطنها مواطنون ماليون، وأخرى تتبع مالي ويقطنها مواطنون موريتانيون، وذلك بسبب عدم ترسيم الحدود بشكل نهائي بين البلدين.