بمجرد أن انتهت القناة الرابعة البريطانية من بث الفيلم الوثائقي «أسبوعي كمسلمة»، مساء الاثنين الماضي، حتى انطلق سيل التعليقات على وسائل التواصل ما بين منتقد ومؤيد لمضمون الفيلم، افتتحتها البارونة سعيدة وارسي (من خلفية مسلمة)، التي قالت في تغريدة على «تويتر»، إنها كانت تنتظر طوال فترة بث الفيلم، أن يتحسن، وأسفت أن القناة قدمت أخطاء في الوثائقي على عدة مستويات.
يواكب «أسبوعي كمسلمة» امرأة إنجليزية (كايتي فريمان 42 سنة) تعمل مساعدة في وزارة الصحة، لديها موقف يمكن وصفه بأنه «عنصري» حيال المسلمين في بريطانيا «الذين لا يتصرفون مثلنا» على حد قولها، ونقدها تحديدا موجه للنساء وحجابهم، أسلوب الحياة الاجتماعي الذي يعيشه المسلمون بعيدا عن شرب الكحول، وغياب الـ«بوي فرند»، اللجوء لوسطاء للتعارف في الزواج، والصلاة خمس مرات في اليوم. إلخ.
وافقت كايتي أن تعيش التجربة رفقة عائلة مسلمة (من خلفية باكستانية) حيث استقبلتها سايمة ألفي (49 سنة) المولودة في مانشستر، تعمل مدرسة وتعيش مع أبنائها الخمسة، بينما يقضي زوجها الطبيب غالبية أيامه مسافرا في مهمات عمل. سايمة محجبة هي وبناتها وتعد نفسها «بريطانية»، وهو ما يضع كايتي أمام مأزق في التواصل الاجتماعي مع غير المنتمين إلى مجتمعها الضيق.
دخلت كايتي التحدي، بدءا من الاسم الذي اختير لها أن يكون (خولة) حيث يتحول الحرف الأول إلى الهاء أو الكاف لصعوبة نطقه في لسانها، إلى الحجاب الذي ترتديه خلال هذا الأسبوع، مرورا بتغيير لون بشرتها للسمرة، وشكل أنفها وأسنانها، لتكون أقرب إلى امرأة باكستانية لا إنجليزية. وهو الأمر الذي أثار ضجة في وسائل التواصل قبل عرض الفيلم وفي الفترة الترويجية له، إذ احتج كثيرون على النمطية في تقديم صور المسلم، وبينها سمرة البشرة. واستبق المجلس الإسلامي في بريطانيا عرض الفيلم بتصريح لـ«بي بي سي»، وقال ناطق باسمه، إنه «لن ينصح باعتماد البشرة السمراء ولن يستغرب ردود الأفعال التي تسبب به في بعض الأوساط». غير أن المتحدث رحب في الوقت نفسه بأهداف الفيلم العريضة، لتقديم فهم أكبر للإسلاموفوبيا، التي باتت مقبولة على نطاق واسع في المجتمع (البريطاني). منتجة الفيلم فوزية خان قالت في مقال نشرته في الـ«غارديان»، إن تغيير شكل كايتي كان ضروريا ليتم إدخالها في الحالة النفسية لامرأة مسلمة، كذلك فإن الماكياج ساعد في ألا يكتشفها أبناء بلدتها عندما تزورها مرة أخرى وتختبر كيف يتم معاملة المسلمة في بيئة بيضاء، بدل أن تراقبها من الخارج. ونوهت إلى أن فكرة الفيلم جاءت بعد ارتفاع حدة الكراهية ضد مسلمين، خصوصا بعد التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكسيت).
تقول خان إنه في اليوم الثاني لتصوير الفيلم في مايو (أيار) الماضي، فجر انتحاري (من أصول مسلمة) نفسه في حفل غنائي في مدينة مانشستر، فتلبس فريق الفيلم الذعر على سلامتهم الشخصية من احتمال زيادة استهدافهم كردة فعل على العملية. سايمة علقت على مخاوف كايتي التي بدأت تتردد في استكمال تصوير الفيلم خوفا على سلامتها الشخصية: «أنت ستعودين لحياتك السابقة... أما أنا فسأبقى مع الحالة لبقية حياتي». يقرر فريق العمل والقناة الرابعة الاستمرار في التصوير. فقد وجدوا في الحدث وما أثاره من ردود أفعال فرصة لاختبار بيئة الكراهية التي تخلق بعد العمليات الإرهابية، مستهدفة المسلمين، بسبب «فعل أقدم عليه مجرم لا علاقة له بالدين»، تقول سايمة وآخرون من الجالية المسلمة.
استكمل الفيلم الوثائقي ولم يكن أحد يعمل بأمر كايتي سوى مضيفتها سايمة، التي تصحبها إلى المسجد وإلى الجمعية الخيرية الإسلامية التي تنشط داخلها. تسمع كايتي (خولة) ردود الأفعال المستنكرة على العملية الانتحارية بين الجالية المسلمة. تقابل مسلمين آخرين بينهم امرأة منقبة. تكتشف جوانب إنسانية لم تكن تتخيلها. التعاطف، حس الدعابة، حب الحياة. تقول المنقبة التي التقوها صدفة في المسجد وهي تَضحك وتُضحك من حولها: «لم أعد أمشي في الخارج لأمارس الرياضة خوفا على سلامتي. نصحني ابني باستخدام جهاز تريد ميل». دهشة كايتي تنتقل من الرفض إلى رؤيتهم على حقيقتهم «ناس مثلنا طبيعيون ويضحكون على النكات». تقول كايتي للكاميرا وتكررها لاحقا عندما تلتقي بعائلتها، بعد أن تؤكد «كنت أنظر لهم كأشخاص من كوكب آخر». مشددة على تهييج بعض وسائل الإعلام من صحف وبرامج تلفزيونية للبريطانيين بتقديمهم صورة نمطية للمسلم الذي يعيش بينهم. أما نقطة القوة الأكبر في الفيلم، فهي عودة كايتي إلى قريتها بحجابها وبالماكياج الذي أخفى ملامحها الأصلية. تمر أمام البار الذي اعتادت أن تتردد عليه وتعرف كثيرا من زبائنه. تسمع تعليقات الجالسين في الخارج. شتائم تطالها من رجال ونساء (أغلبهم شباب) مستنكرين وجود «الإرهابية» في بلدتهم. كان العداء في قمته بعد تفجير مانشستر وشعرت كايتي بالغضب من التعليقات واصفة أصحابها بالأغبياء... «فما الضرر الذي سببته لهم بمروري في الشارع..قد تكون سايمة وبناتها بدلا عني هنا، وكن سيتعرضن لما أتعرض له الآن؟». بدأت كايتي تعي معنى التعرض للعنصرية بسبب انتماء لدين أو لون أو عرق، اختبرت الحالة شخصيا ولم يروها لها أحد.
تسبب الفيلم كما بينا بردود أفعال عالية بين المسلمين وبقية البريطانيين على وسائل التواصل. يؤخذ على منتجي الفيلم والقناة تقديم المسلمين بصورة من لا يخطئ أبداً، بينما كان بالإمكان تقديم نماذج سلبية، على محدوديتها، فخطاب الكراهية عند بعض أئمة المساجد المتطرفين الذين يؤثرون على الشباب ليست بمخفية على أحد، مقابل وجود الكثيرين الذي يدعون إلى المحبة والسلام في المجتمع الذي يعيشون فيه. هل غير الفيلم شيئا من مواقف كايتي حيال المسلمين؟ نعم.. فبعد أن كانت ترفض أن تجلس قرب امرأة محجبة في المواصلات العامة، واعتبرت أن البريطاني هو من يتصرف مثلها ومثل عائلتها في أسلوب الحياة، وصلت مع سايمة ورفيقاتها إلى اتفاق ضمني مفاده «قد لا نتفق أبدا ولكن قد نحقق تفاهما أحسن». بالطبع ليس على كل بريطاني أن يعيش تجربة كايتي، ليكتشف حقيقة الآخر المختلف عنه (المسلم هنا)، غير أن عرض الوثائقي لتجربة كايتي من المؤكد أنه سيغير نظرة البعض إلى المسلمين، وإن تشبث آخرون بنظرتهم وهو ما وشت به ردود الأفعال الكثيرة على مواقع التواصل حيال الفيلم.
مقطع ترويجي للفيلم
وثائقي «أسبوعي كمسلمة»... تغير لون بشرة كايتي فتعرضت للعنصرية
أنتجته القناة الرابعة وأثار ردود فعل كبيرة
كايتي فريمان قبل الماكياج الذي حولها إلى خولة - كايتي في شخصية خولة (الثالثة إلى اليمين) تتوسط سايمة وعائلتها في وثائقي «أسبوعي كمسلمة» (القناة الرابعة)
وثائقي «أسبوعي كمسلمة»... تغير لون بشرة كايتي فتعرضت للعنصرية
كايتي فريمان قبل الماكياج الذي حولها إلى خولة - كايتي في شخصية خولة (الثالثة إلى اليمين) تتوسط سايمة وعائلتها في وثائقي «أسبوعي كمسلمة» (القناة الرابعة)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

