مدنيون عالقون في الرقة حوَّلهم «داعش» دروعاً بشرية

TT

مدنيون عالقون في الرقة حوَّلهم «داعش» دروعاً بشرية

مع انكفائهم إلى آخر جيوب لا تزال تحت سيطرتهم في مدينة الرقة، يجبر عناصر «داعش» المدنيين العالقين بين المعارك على الانتقال معهم من مبنى إلى آخر، ليحتموا بهم من نيران «قوات سوريا الديمقراطية» وحليفتها واشنطن.
وتروي أم علاء، بعد فرارها من مدينة الرقة، لوكالة الصحافة الفرنسية، كيف أجبرها المتطرفون وعائلتها على الانتقال مرتين ليكونوا مجرد دروع بشرية لهم. وتقول أم علاء التي كانت تسكن في حي البريد في غرب المدينة: «منذ نحو أسبوع، أتى عنصر عراقي إلى منزلنا وأخبرنا أن هذا الحي بات منطقة عسكرية».
وعلى كرسي بلاستيكي خارج أحد المساجد في قرية حاوي الهوى غرب الرقة، تروي أم علاء: «نقلونا إلى مبنى آخر (قريب)، كنا نرى منزلنا ولا نستطيع الذهاب إليه».
وبعد ثلاثة أيام، عاد المتطرفون لينقلوا العائلة ومدنيين آخرين إلى حارة البدو التي شهدت دمارا كبيرا جراء المعارك.
وبالقرب من زوجته، يقول أبو علاء: «أمسكوا بنا كدروع بشرية، أبقوا علينا هناك ليحتموا بنا»، مضيفا: «قالوا لنا: إذا ذهبتم سوف يدمرون البلد فوق رأسنا».
بعد معاناة طالت نتيجة المعارك وانقطاع الحاجيات الأساسية وظلم المتطرفين، تمكنت عائلة أبو علاء، الجمعة، من الفرار.
وتخوض «قوات سوريا الديمقراطية» المؤلفة من فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن منذ السادس من يونيو (حزيران) معارك داخل مدينة الرقة، بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية. وباتت تسيطر على نحو 90 في المائة من المدينة.
وأجبرت المعارك في الرقة عشرات آلاف المدنيين على الفرار من المدينة، وتقدر الأمم المتحدة أن نحو ثمانية آلاف لا يزالون عالقين فيها. كما قتل مئات المدنيين وأصيب آخرون بجروح جراء المعارك والغارات الكثيفة على المدينة.
وتعمل «قوات سوريا الديمقراطية» في الوقت الحالي على مطاردة مقاتلي التنظيم الذين يتركزون بشكل أكبر في مبان عدة في وسط المدينة.
ولم يعد أمام المتطرفين خيارات كثيرة، ولحماية أنفسهم اختاروا التمركز في أبنية سكنية غير آبهين بالمدنيين وأطفالهم، وفق ما تقول مهند التي فرت مؤخرا من حارة البدو برفقة أطفالها الأربعة.
وتروي مهند، المرأة الثلاثينية ذات العيون العسلية: «كانوا يريدون دخول القبو أو الطابق الأول من المبنى ليحموا أنفسهم بالمدنيين». ودفع مقاتلو التنظيم المتطرف بمهند وأطفالها إلى الانتقال أربع مرات من مكان إلى آخر، وحين وصلوا إلى حارة البدو لم يجدوا إلا القليل ليأكلوه. ولم يكن بإمكانهم الخروج سوى لتزويد مقاتلي التنظيم بالمياه من آبار قريبة. وتقول أم محمد، امرأة ثلاثينية أجبرت أيضا وعائلتها على الانتقال إلى حارة البدو: «كان (داعش) يعبئ المياه للمقاتلين أولا، ويجبر المدنيين على الانتظار ساعات طويلة، وكانوا بذلك يحمون أنفسهم من الطائرات». وكان ابنها محمد (19 عاما) يخرج فجر كل يوم للتزود بالمياه، ولا يعود إلى المنزل إلا بعد ست ساعات. وفي آخر مرة، خرج محمد ولم تره والدته منذ ذلك الحين.
وتقول أم محمد: «منذ أيام عدة، خرج عند الساعة الرابعة فجرا ولم يعد. سمعنا أن غارة وقعت قرب البئر»، وتضيف: «لم أجد حتى خفه».
وقتل 18 مدنيا يوم الثلاثاء الماضي أثناء تجمعهم بالقرب من بئر للمياه، وفق ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وقتها. ولم تتمكن وكالة الصحافة الفرنسية من التأكد مما إذا كان محمد بين القتلى.
وغالباً ما ينفي التحالف الدولي تعمده استهداف مدنيين، ويؤكد اتخاذه كل الإجراءات اللازمة لتفادي ذلك. وأقر في 29 سبتمبر (أيلول) بمسؤوليته عن مقتل 735 مدنيا بشكل غير متعمد جراء غارات شنها منذ بدء عملياته العسكرية في أغسطس (آب) 2014 في سوريا والعراق المجاور.
وتقدر منظمات حقوقية العدد بأكثر من ذلك بكثير.
وبين قتلى غارات التحالف، علاء، الابن الأكبر لأم علاء، الصيدلي الذي قُتل أثناء محاولته مساعدة جرحى إحدى الغارات، وترك عائلته خلفه. وتلبس أم علاء حفيدها حسن حذاء، وتقول: «لكي يقتلوا مقاتلا واحدا من (داعش) فإنهم يقتلون عشرة مدنيين»، في إشارة إلى غارات التحالف. وتضيف: «الجانبان يطلقان النار ونحن في الوسط».
ورجح المتحدث باسم التحالف الدولي ريان ديلون، أن يتخذ تنظيم داعش المدنيين رهائن في بعض المواقع التي لا تزال تحت سيطرته، وبينها المستشفى الوطني في وسط المدينة. وأكد ديلون أن التحالف يولي اهتماما «استثنائيا في مخططاتنا وعملياتنا لضمان ألا يطال الضرر المدنيين الأبرياء».
لكن منظمة «هيومن رايتس ووتش» تجد أن الإجراءات التي يتخذها التحالف الدولي «غير كافية»، وفق ما يقول مدير قسم الإرهاب ومكافحة الإرهاب في المنظمة نديم حوري. ويوضح حوري في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية: «من الممكن إنقاذ المدنيين، وهذا يعني في بعض الأحيان إبطاء العملية، التقدم ببطء أكثر، اتخاذ مزيد من الإجراءات الوقائية، ومن الممكن حتى عدم استخدام قنبلة ضخمة ضد قناص».
ويرى حوري أن اعتماد التحالف الدولي على طائرات الاستطلاع لتحديد ما إذا كان هناك مدنيون ليس بالأمر الكافي، خاصة لوجودهم داخل المنازل. ويقول: «المعركة ليست مجرد السيطرة على مبنى أو مساحة معينة. إنها بالنهاية لحماية المدنيين».



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.