أنقرة وواشنطن تتبادلان وقف منح التأشيرات... والليرة التركية تتراجع

ملاحقة موظف ثانٍ في القنصلية الأميركية في إسطنبول بتهمة الارتباط بالانقلابيين

TT

أنقرة وواشنطن تتبادلان وقف منح التأشيرات... والليرة التركية تتراجع

فتح توقيف السلطات التركية أحد الموظفين المحليين في القنصلية الأميركية في إسطنبول لاتهامه بالارتباط بأشخاص مقربين من حركة الداعية فتح الله غولن، باباً جديداً للتوتر بين تركيا والولايات المتحدة وأضر بقيمة الليرة التركية التي خسرت 3 في المائة من قيمتها في التعاملات الصباحية أمس.
وبعد قرابة أسبوع من الاتصالات والتجاذب والتصريحات المتبادلة توّجت مساء أول من أمس الأحد بقرار متبادل بوقف منح التأشيرات لمواطني البلدين، استدعت وزارة الخارجية التركية، أمس، مستشار السفارة الأميركية في أنقرة، فيليب كوسنت، وأبلغته تطلعها إلى تراجع واشنطن عن قرارها الخاص بتعليق منح التأشيرات في تركيا.
وقالت مصادر في الخارجية التركية إنه تم استدعاء المستشار كوسنت بدل السفير جون باس بسبب وجوده خارج أنقرة، وإن مدير عام وزارة الخارجية التركية أعرب للدبلوماسي الأميركي عن تطلع تركيا إلى تراجع أميركا عن قرارها الذي سيتسبب في تصعيد «لا لزوم له». وأشارت المصادر إلى أن مستشار الخارجية التركية أوميت يالجين أجرى اتصالاً هاتفياً مع السفير باس فور صدور قرار تعليق منح تأشيرات الدخول في تركيا مساء الأحد، والذي أعلنت أنقرة الرد عليه بإجراء مماثل.
واستدعى مكتب المدعي العام الجمهوري لمدينة إسطنبول أمس موظفاً آخر في القنصلية الأميركية في إسطنبول لاستجوابه في اتهامات مماثلة للموظف الأول، في إشارة إلى ارتباطه بمحسوبين على الداعية غولن المقيم في أميركا والمتهم من جانب أنقرة بتدبير انقلاب عسكري فاشل في منتصف يوليو (تموز) العام الماضي. وذكر بيان مكتب الادعاء أنه تم بالفعل القبض على زوجة وابن الموظف الثاني (الذي لا يتمتع بحصانة دبلوماسية) في منطقة البحر الأسود شمال تركيا ويخضعان للاستجواب فيما لا يزال البحث جارياً عنه.
وكانت السفارة الأميركية في أنقرة أعلنت مساء الأحد تعليق كل خدمات التأشيرات في مقرها ومقرات القنصليات الأميركية في تركيا «باستثناء المهاجرين».
وردت السفارة التركية في واشنطن على الخطوة الأميركية بالإعلان عن إجراء مماثل على الفور، تمثل في تعليق إجراءات منح التأشيرات للأميركيين في مقرها وكل القنصليات التركية في الولايات المتحدة.
وجاءت هذه التطورات بعدما أصدر القضاء التركي مساء الأربعاء الماضي قراراً بحبس المواطن التركي متين طوبوز، الموظف في القنصلية الأميركية في إسطنبول، بتهم مختلفة تتضمن التآمر لقلب النظام الدستوري والتجسس. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن هناك أدلة خطيرة ضد موظف القنصلية الأميركية.
وأشارت تحقيقات النيابة العامة إلى ارتباط الموظف طوبوز بالمدعي العام السابق زكريا أوز (موجود خارج تركيا) ومديرون شرطة سابقين يشتبه بانتمائهم إلى حركة غولن وتورطهم في محاولة الانقلاب العام الماضي.
وتحدث وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مع نظيره التركي جاويش أوغلو مساء السبت بعد اعتقال الموظف بتهمة التجسس والتآمر للإطاحة بالنظام الدستوري. وقال جاويش أوغلو إن الاتصال جاء بناء على طلب تيلرسون وإنهما بحثا التطورات في العراق وسوريا وكذلك موضوع احتجاز موظف القنصلية.
وانعكس التصعيد المتبادل على أداء البورصة التركية في مستهل تعاملات الأسبوع أمس وسجلت تراجعاً في مؤشر أسهمها الرئيسي كما هبطت الليرة التركية وفقدت أكثر من 3 في المائة في بداية التعاملات واستردت بعض خسائرها لاحقاً لتبلغ 2.6 في المائة.
في سياق آخر، انطلقت أمس محاكمة 143 عسكرياً سابقاً لتورطهم في مواجهات وقعت على جسر البوسفور (جسر «شهداء 15 تموز» حالياً) في إسطنبول خلال المحاولة الانقلابية، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى. ومثل هؤلاء العسكريون، وبينهم 30 ضابطاً، أمام محكمة تعقد في قاعة مجاورة لسجن سيليفري شديد الحراسة غرب إسطنبول. وجميعهم موقوفون باستثناء 8 منهم. ووجهت إليهم تهم القتل ومحاولة الإطاحة بالبرلمان والحكومة، كما ورد في محضر الاتهام الذي يقع في ألف صفحة. وذكرت وكالة أنباء الأناضول الرسمية أن كلاً منهم يمكن أن يواجه 37 حكماً بالسجن مدى الحياة.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».