ارتفاع حصيلة تفجير باكستان إلى 22 قتيلاً ... و «داعش» يتبنى

جنديان يقفان قرب موقع تفجير انتحاري في مرقد صوفي جنوب غربي باكستان أول من أمس (إ.ب.أ)
جنديان يقفان قرب موقع تفجير انتحاري في مرقد صوفي جنوب غربي باكستان أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

ارتفاع حصيلة تفجير باكستان إلى 22 قتيلاً ... و «داعش» يتبنى

جنديان يقفان قرب موقع تفجير انتحاري في مرقد صوفي جنوب غربي باكستان أول من أمس (إ.ب.أ)
جنديان يقفان قرب موقع تفجير انتحاري في مرقد صوفي جنوب غربي باكستان أول من أمس (إ.ب.أ)

قال مسؤولون، أمس، إن عدد قتلى تفجير انتحاري في مرقد صوفي جنوب غربي باكستان أول من أمس، ارتفع إلى 22 شخصا، بحسب وكالة «جيو نيوز» الإخبارية الباكستانية. وأوضحت الشرطة الباكستانية أن انتحاريا فجر نفسه بين المصلين في المرقد، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 22 شخصا وإصابة نحو 25 آخرين.
وقال مسؤول الشرطة خان زيب لوكالة الأنباء الألمانية إن منفذ العملية شق طريقه إلى مجمع ضريح فتح بور في منطقة جهال ماغسي بإقليم بلوشستان. وأعلن تنظيم «داعش» عبر وكالة أنباء «أعماق» التابعة له مسؤوليته عن الهجوم.
وفيما قال محمد أيوب، وهو مسؤول آخر بالشرطة، إن مئات المصلين كانوا يؤدون طقوسا بالضريح، عندما وقع التفجير، أفاد زيب، من جهته، بأن خمسة على الأقل من مسؤولي الأمن حاولوا وقف الانتحاري عند المدخل، كانوا من بين القتلى. وقال زيب إن 25 شخصا على الأقل أصيبوا في التفجير، ويتم علاجهم في أحد مستشفيات البلدة.
وتثير مثل تلك الهجمات المخاوف على أمن مشروعات تصل الاستثمارات فيها إلى 57 مليار دولار، في منطقة الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهي طريق للنقل وللطاقة تمتد من غرب الصين إلى ميناء جوادار في بلوشستان.
وشهد الإقليم أعمال عنف على جبهتين على مدى أكثر من عقد. ويشن انفصاليون في بلوشستان هجمات على أهداف مرتبطة بالحكومة المركزية، إضافة إلى هجمات من «طالبان» ومن متشددين آخرين في الإقليم.
وقتل انتحاري 52 شخصا، وأصاب أكثر من مائة في مزار صوفي في بلوشستان، في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، في هجوم أعلن «داعش» مسؤوليته عنه. وشن التنظيم في فبراير (شباط) هجوما على مزار صوفي في إقليم السند جنوب باكستان، ما أسفر عن مقتل 83 شخصا. وفي نوفمبر الماضي، قتل تفجير انتحاري، زعم «داعش» مسؤوليته عنه، أكثر من 50 من المصلين في ضريح آخر في بلوشستان. ويعد بلوشستان أكثر الأقاليم اتساعا واضطرابا في باكستان، إلى جانب أنه يتاخم كل من أفغانستان وإيران. ويتعرض الإقليم لتهديد متعدد الأوجه من جماعات دينية متطرفة ومقاتلين قوميين ينشدون تحرير إقليمهم.
وأثار الانفجار الذي استهدف مجمع ضريح فتح بور أول من أمس الذعر في أرجائه، وكان المصلون يصرخون ويركضون في كل الاتجاهات، بحسب ما أكد مسؤولون في الموقع لوكالة الصحافة الفرنسية. وتناثرت الأطراف المبتورة وسط برك من الدم.
وأكد وزير الداخلية في حكومة الإقليم سرفراز بوغتي الحصيلة. وقال مركز مراقبة الحركات المتطرفة «سايت» إن جماعة «ولاية خراسان» التي تعد فرعا لتنظيم «داعش» في أفغانستان وباكستان، تبنت الاعتداء. وكشف مسؤولون أن الهجوم يأتي وسط تهديدات من أربعة تنظيمات أجنبية معادية لباكستان. وقال المتحدث العسكري الميجور جنرال آصف غفور، في مؤتمر صحافي أول من أمس: «أستطيع أن أعلمكم بأن أربعة تنظيمات معادية تخطط لهجوم إرهابي كبير في باكستان، لقلب مسار المكاسب التي حققناها في الحرب ضد الإرهاب».
ولم يكشف غفور أسماء تلك التنظيمات أو مصدرها؛ لكنه أضاف: «ليس هناك وجود لأي بنية تحتية منظمة لأي جماعة إرهابية في باكستان الآن».
وقد أدانت الولايات المتحدة الهجوم على لسان الناطقة بوزارة خارجيتها هيذر ناورت، في بيان صادر عنها. وقال البيان: «تدين الولايات المتحدة الهجوم. ونتقدم بالتعازي لأسر الضحايا الذين سقطوا في الحادث، ونأمل سرعة شفاء المصابين، ونؤكد عزمنا مواصلة مكافحة الإرهاب مع حكومة باكستان وحلفائنا بالمنطقة».
وتشن باكستان سلسلة عمليات عسكرية منذ 2007، في مناطقها القبلية القريبة من الحدود الأفغانية، لطرد المتطرفين، وكذلك عناصر تنظيمي «طالبان» و «القاعدة».
وبلوشستان أكبر أقاليم باكستان الأربعة، لكن سكانه طالما اشتكوا من عدم حصولهم على حصة عادلة من الثروات الغازية والمعدنية.
ونجحت مساعي السلطات الكثيفة لتحقيق السلام والتنمية في خفض العنف بدرجة كبيرة في السنوات القليلة الماضية.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».