انشقاقات في «هيئة تحرير الشام»... وهاشم الشيخ يستقيل من القيادة

TT

انشقاقات في «هيئة تحرير الشام»... وهاشم الشيخ يستقيل من القيادة

انتقل أبو محمد الجولاني، زعيم «فتح الشام»، («جبهة النصرة» سابقاً)، من الصف الثاني داخل «هيئة تحرير الشام» إلى الصف الأول عشية المفاوضات الإقليمية والدولية الحاصلة لحسم مصير إدلب، في ظل المعلومات المتقاطعة عن اتفاق روسي - تركي على قص جناحي الهيئة التي تسيطر على معظم المحافظة التي شملها مؤخرا اتفاق «مناطق خفض التصعيد» خلال الاجتماع الذي عُقد في آستانة منتصف الشهر الماضي.
وأعلنت «هيئة تحرير الشام»، وهي ائتلاف فصائل، تعيين الجولاني قائدا عاما لها بعيد اجتماع لمجلس الشورى، تم على أثره، بحسب بيان رسمي صادر عن الهيئة، قبول استقالة هاشم الشيخ (المعروف باسم أبو جابر الشيخ) من مسؤوليته قائدا عاما، وتكليف نائبه أبو محمد الجولاني بتسيير أمور الهيئة في الوقت الراهن.
وقال أحد قادة «الجيش الحر» في إدلب، إن «الجولاني لطالما كان القائد الفعلي لـ(هيئة تحرير الشام)، فيما كان أبو جابر عبارة عن صورة تنفذ قراراته»، لافتا إلى أنه «عند تشكيل الهيئة في يناير (كانون الثاني) الماضي وبمحاولة منه لإقناع العدد الأكبر من الفصائل بالانضمام إليه، أوحى الجولاني أنّه زاهد في السلطة وارتضى تعيين قائد آخر، علما بأنه لطالما كان الجهة الوحيدة التي تدير الهيئة». وأضاف القيادي في «الحر» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لكن وبعد الخلل الكبير الذي ضرب كيان الهيئة جراء الانشقاقات وأبرزها انشقاق (الزنكي) و(جيش الأحرار) وكتائب أخرى، كما بعد الاستياء العارم الذي سيطر جراء فشل معركة حماة، والتأكد من وجود لعبة عبثية بين الجولاني والنظام، ارتأى الجولاني قيادة الهيئة علنا لشد عصبها مجددا ومحاولة تجميع صفوفها من جديد».
وتتفق رؤية القيادي في «الحر» تماما مع رؤية أحمد أبا زيد، الباحث السوري المعارض الذي يؤكد أن «أبو جابر لطالما كان قائدا صوريا، وقد تم تعيينه بمنصبه لإرضاء (جيش الأحرار)، إنما وبعد انشقاق هذا الجيش وفصائل أخرى، أصبح أبو جابر لا يمتلك أي سلطة أو كتلة عسكرية، ما دفع الجولاني إلى إقصائه».
أما رامي عبد الرحمن، مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فوضع التطورات الحاصلة داخل «الهيئة» في إطار «الصراع على السلطة داخلها»، لافتا إلى أن «قادتها يحاولون تنظيم صفوفهم واستعادة سيطرة (فتح الشام) في المنطقة».
وشهدت «هيئة تحرير الشام» في الآونة الأخيرة سلسلة انشقاقات كبيرة تمثلت في خروج 3 فصائل أساسية منها؛ وهي: «حركة نور الدين الزنكي» و«جيش الأحرار» و«كتائب ابن تيمية»، وإعلان عدد من الشخصيات القيادية فيها استقالاتهم؛ منهم عبد الله المحيسني والشيخ مصلح العلياني.
وتزامن الإعلان عن تعيين الجولاني قائدا عاما جديدا لـ«هيئة تحرير الشام» مع توتر شديد شهدته مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي، بين عناصر الهيئة وكتائب منشقة مؤخراً عن الهيئة، بحيث أفيد عن مطالبة «تحرير الشام» قيادة الكتائب المنشقة بتسليم كامل العتاد والسلاح الثقيل، مهددة باقتحام المدينة في حال الرفض.
لكن قياديا في «هيئة تحرير الشام» عاد ليؤكد صباح أمس عودة الهدوء إلى المدينة. وقال إبراهيم أبو العبد، المسؤول في «تحرير الشام» بريف حلب الغربي: «تم حل الخلاف الحاصل في دارة عزة، وعاد الوضع إلى ما كان عليه، وانتشرت قوات (الهيئة) في المواقع الحيوية التي تحمي المنطقة من المخاطر الخارجية»، بحسب وكالة «إباء» التابعة للهيئة.
وأوضح أبو العبد سبب الخلافات الأخيرة الحاصلة في مدينة دارة عزة، فقال: «حصلت بعض الترتيبات الإدارية داخل (هيئة تحرير الشام) في مدينة دارة عزة، وتم تجاهلها من قبل البعض في (كتائب ابن تيمية)، فاستدعى مسؤول القطاع على أثرها (أسامة شناق) المسؤول الإداري لـ(كتائب ابن تيمية)». وأضاف أن «بعض العناصر من بقايا (حركة حزم) المنضمين لكتائب أخرى قد استغلوا هذا الاستدعاء لإثارة الفتنة، وقاموا بالاعتداء على حرس محكمة المدينة، وأطلقوا النار عليهم، مما أدى إلى مقتل أحدهم ووقوع عدد من الجرحى». ونوه أبو العبد بأن وفداً من وجهاء المدينة قد حضر، وتم الاتفاق معهم على عودة الوضع إلى ما كان عليه والجلوس لحل الخلاف الداخلي.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.