هل تتخلى الصين عن كوريا الشمالية بعد شراكة استمرت لعقود؟

TT

هل تتخلى الصين عن كوريا الشمالية بعد شراكة استمرت لعقود؟

تجاوزت الصين أخيرا العديد من «الخطوط الحمراء» التي كانت تقنن علاقتها مع كوريا الشمالية، بعد أن وافقت على فرض عقوبات شديدة على النظام المعزول، وحظرت على بنوكها التعامل مع بيونغ يانغ.
يقول مراقبون، وفق تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، إن التوجه الصيني المتشدد تجاه طوريا الشمالية قد يكون تكتيكاً لمحاولة إجبار بيونغ يانغ على التخلي عن برنامجها النووي، بعد أن أغضبت تجاربها النووية والصاروخية بكين.
كما قد يكون ذلك مؤشراً على تصاعد الدعوات المطالبة بإعادة النظر في علاقاتها مع كوريا الشمالية، الحليف القديم الذي دافعت عنه في الحرب الكورية 1953 - 1950 وترتبط معه بمعاهدة دفاع مشترك. وأثار جيا كينغوو، عميد كلية الدراسات الدولية في جامعة بكينغ، تساؤلات الشهر الماضي عندما نشر مقالا بعنوان «حان الوقت للاستعداد للأسوأ في كوريا الشمالية». ونشر المقال بالإنجليزية على موقع «منتدى شرق آسيا» التابع للجامعة الأسترالية الوطنية، لكن من غير المرجح أن تكون نشرت دون موافقة السلطات الصينية.
وحث جيا في المقال بكين على بدء مناقشة خطط طوارئ مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وهي محادثات سعت إليها الدولتان في السابق، لكن الصين رفضتها خشية إثارة استياء بيونغ يانغ.
وكتب جيا: «عندما تصبح الحرب احتمالاً حقيقياً، على الصين أن تكون مستعدة. وبأخذ ذلك بعين الاعتبار، فإن على الصين أن تكون أكثر استعداداً للتفكير بإجراء محادثات مع دول معنية، بشأن خطط طوارئ». وأضاف أن بكين يمكن أن تناقش مسألة من يتحكم بالترسانة النووية لكوريا الشمالية، إما الولايات المتحدة أو الصين. ولمنع تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين عبر الحدود، يمكن أن ترسل الصين جيشا إلى كوريا الشمالية لإنشاء «منطقة آمنة»، بحسب جيا.
ومن المسائل الحساسة الأخرى التي ذكرها جيا في مقاله ونقلتها الوكالة الفرنسية: «من يعيد النظام الداخلي في كوريا الشمالية في حال نشوب أزمة». وقال جيا إن الصين ستعترض على السماح لجنود أميركيين بعبور خط العرض 38 للدخول إلى كوريا الشمالية.
وذكرت مقالة افتتاحية في صحيفة «غلوبال تايمز» القومية الرسمية الصينية في أغسطس (آب) الماضي أن الصين ستبقى على الحياد في حال قيام كوريا الشمالية بإطلاق صواريخ على الولايات المتحدة ورد واشنطن على ذلك، وستتدخل فقط إذا حاولت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية الإطاحة بنظام بيونغ يانغ.
من جانبه، يقول دبلوماسي غربي إن المباحثات حول نهاية النظام الكوري الشمالي يمكن أن تهدف إلى تخويف كيم جونغ - أون وإرضاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل زيارته إلى بكين في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
والتقى وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الرئيس الصيني شي جينبينغ، ومسؤولين كباراً في بكين، أول من أمس (السبت)، لمناقشة أزمة الملف النووي لكوريا الشمالية. وقال وانغ بنغ، الباحث في جامعة فودان بشنغهاي، لوكالة الصحافة الفرنسية: «إذا تمكّن المجتمع الدولي من الالتفاف والزعم بأن حربا حقيقية ستندلع، هناك إمكان أن تجمد كوريا الشمالية تجاربها النووية».
غير أن هناك أيضاً مؤشرات إلى تحول حقيقي في المفاهيم المتعلقة بكيفية تعاطي بكين مع كوريا الشمالية. فقد قال ديفيد كيلي، مدير الأبحاث في مركز الاستشارات «تشاينا بوليسي» ومقره بكين إن الرأي السائد لدى الأكاديميين الصينيين يقول: «نكون أفضل دونهم. إن كوريا موحدة ستكون جيدة جدا للصين، وسيزدهر الشمال الشرقي».
وتدعم الصين كوريا الشمالية منذ فترة طويلة، لأنها توفّر لها منطقة عازلة تفصلها عن القوات الأميركية المنتشرة في كوريا الجنوبية، لكن بارتلمي كورمون، الخبير بشؤون الصين في معهد العلاقات الاستراتيجية والدولية في باريس، قال إن سقوط بيونغ يانغ سيكون أمراً جيداً لبكين، خصوصاً من الناحية الاقتصادية. وقال كورمون إن «الصين ترى الآن أن انهيار كوريا الشمالية لن يكون بالضرورة ضد مصلحتها». وأضاف: «في حال سقوط كوريا الشمالية بطريقة سلمية، الأجدى بالصين أن تكون في موقع للمساهمة في إعادة بنائها. الصين هي الدولة الوحيدة القادرة على الإشراف على إعادة بناء كوريا الشمالية».
يشار إلى أن هذا النوع من الآراء لم يكن مرحباً به سابقاً في بكين. فقد طرد دنغ يوين من وظيفته محررا في مجلة مدرسة تابعة للحزب الشيوعي في 2013، بعد أن كتب في مقال أنه يتعين على الصين التخلي عن كوريا الشمالية.
لكنه هذا العام، كتب دون رادع عن التخطيط لمرحلة ما بعد النزاع. وقال دنغ في مقال نشره معهد الأبحاث «شرهار» في أبريل (نيسان) الماضي إنه «إذا توحدت الكوريتان، فلن تعود هناك ضرورات لوجود للقوات الأميركية في كوريا الجنوبية، ولن يدعهم الشعب الكوري الجنوبي يبقون».
أكثر من ذلك فإن كوريا الجنوبية، بحسب دنغ، لن تعود بحاجة لنشر منظومة «ثاد» الدفاعية الصاروخية الأميركية على أراضيها. وقد أغضب نشر المنظومة بكين لأنها تخشى أن تبلغ راداراتها القوية أراضي الصين وتتسبب في زعزعة المنطقة.
لكن التخلي عن بيونغ يانغ ليس بهذه البساطة، بحسب كيلي. ويوضح: «المشكلة هي: كيف تقطع الحبل، لأن الجميع يعرف ماذا باستطاعة كوريا الشمالية فعله».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».