طوز خرماتو المنقسمة تحبس أنفاسها خشية مواجهات

مقاتل من «الحشد الشعبي» في الشق التركماني من طوز خرماتو (رويترز)
مقاتل من «الحشد الشعبي» في الشق التركماني من طوز خرماتو (رويترز)
TT

طوز خرماتو المنقسمة تحبس أنفاسها خشية مواجهات

مقاتل من «الحشد الشعبي» في الشق التركماني من طوز خرماتو (رويترز)
مقاتل من «الحشد الشعبي» في الشق التركماني من طوز خرماتو (رويترز)

تواصلت احتفالات الأكراد في مختلف أنحاء إقليم كردستان العراق عشية استفتاء الاستقلال الذي أجري أمس، فأطلق الشبان أبواق سياراتهم وأطلقوا النار في الهواء في المدن الكبرى.
لكن لم يحدث شيء من ذلك في مدينة طوز خرماتو العراقية التي يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة من الأكراد والتركمان الشيعة الذين يعارضون الاستفتاء. وقال صاحب متجر تركماني في المدينة يدعى لؤي: «أتمنى إلغاء الاستفتاء. إذا لم يلغوه فسيسيطر الأكراد بالقوة ولن يتبقى أي تركمان أو عرب».
وتمثل المدينة جزءاً من الأراضي المتنازع عليها المختلطة عرقياً في شمال العراق التي تطالب بها الحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم الكردي في شمال البلاد. وحاول كل جانب من الجانبين تعزيز سلطته في المدينة منذ 2003.
وأكد المسؤولون الأكراد طوال حملة الاستفتاء أن جميع السكان في المناطق المتنازع عليها بمن فيهم الأكراد والعرب والتركمان وغيرهم من الأقليات سيسمح لهم بالإدلاء بأصواتهم. ومع ذلك لم تكن صناديق الاقتراع قد وزعت في مختلف أنحاء المدينة بعد ظهر الأحد، وعزا مسؤولون أكراد محليون ذلك إلى نقص قوات الأمن القادرة على توزيعها في أمان. وقال الممثل المحلي لـ«الحزب الديمقراطي الكردستاني» أرسلان علي، إنه تم إعداد خطط لفتح مراكز تصويت في كل الأحياء. وأضاف: «سننجز ذلك».
لكن ذلك لم يتحقق لأن طوز خرماتو مقسمة بشكل لا تخطئه العين. فبينما تسيطر قوات «البيشمركة» على النصف الكردي، تسيطر فصائل «الحشد الشعبي» المدعومة من إيران على الأحياء التركمانية. وقال محمد مهدي البياتي أحد كبار القادة في «منظمة بدر»، أبرز فصائل «الحشد الشعبي» في المنطقة: «لن نسمح لهم بالاقتراب من المناطق التركمانية... يريدون الاستيلاء على الأراضي محل النزاع، لكن لن نسمح لهم بذلك».
وفسر كثيرون قرار رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني إدراج المناطق المختلطة عرقياً في الاستفتاء بأنه خطوة أحادية الجانب الهدف من ورائها تعزيز سيطرة الأكراد. وعندما اجتاح تنظيم داعش نحو ثلث مساحة العراق في 2014، انتهز الأكراد الفرصة وسيطروا على مناطق شاسعة في شمال العراق بعد انكشافها بانسحاب الجيش منها.
وتوغل مقاتلو «البيشمركة» في عمق الأراضي المتنازع عليها، ومنها طوز خرماتو، ودافعوا عنها في مواجهة مقاتلي «داعش». غير أن ذلك أجج مخاوف التركمان الشيعة من أن يصبحوا تحت الحكم الكردي. ورغم أن التركمان تحت قيادة «الحشد الشعبي» تعاونوا في إخراج مقاتلي «داعش» من المدينة، فقد انهار التحالف الهش في النهاية وفتح ذلك الباب أمام مشاعر العداء.
وقال البياتي لوكالة «رويترز» في قاعدة منظمته في طوز خرماتو إن «الاستفتاء سيكون بداية أزمة في المناطق المتنازع عليها». وتوجد قاعدة «منظمة بدر» في المدينة منذ 2014. وسئل البياتي عما إذا كانت قواته ستنتقل لمنع نشوب الأزمة، فأشار إشارة مبطنة إلى قرب نشوب أعمال عنف، قائلاً: «سيحدث صراع بالتأكيد في غضون 24 ساعة من الاستفتاء».
ويرى السائر عبر حي أكسو التركماني أعلاماً سوداء ترفرف بجوار رايات عليها رموز شيعية تذكر بمناسبة عاشوراء. وكانت المنطقة تضم السوق الرئيسية التي اعتاد الناس من الأكراد والتركمان البيع والشراء فيها. وأصبحت الآن محاطة بجدران خرسانية يحرسها مقاتلو «الحشد الشعبي». ويقول سكان من التركمان وأصحاب المتاجر إن متاجر الأكراد وبيوتهم أحرقت، ما أجبرهم على الرحيل. وقال لؤي صاحب المتجر التركماني: «كنت أحب الحي مختلطاً. لكن الأكراد قتلوا أخي في هذا الشارع».
وعلى مبعدة 5 دقائق بالسيارة، تقع السوق الكردية المنافسة حيث ترفرف الأعلام الكردية بألوانها الثلاثة. وقد أقام هذه السوق الأكراد الخائفون من دخول السوق القديمة. وقال كردي اسمه شالاو يملك متجراً للعب الأطفال: «كان لي كثير من الأصدقاء التركمان والعرب. كثير من التركمان انضموا إلى الحشد الشعبي وأخشى عبور حدود المدينة للذهاب لرؤيتهم. سأتعرض للقتل».
وأبدى شالاو مثل غيره من الأكراد في السوق أسفه لانقسام طوز خرماتو، وعزا هذا الانقسام إلى وصول قوات «الحشد الشعبي». لكنه قال إنه سيصوت في الاستفتاء بالموافقة على الاستقلال.
وقال البياتي متهكماً إن الاستفتاء يتلاءم مع مصالح منظمته. وأضاف أن «العراق ضد الأكراد وكذلك الأتراك والإيرانيين والمنطقة العربية برمتها وأوروبا. سيعيشون في قفص».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».