تعطيل قانون الضرائب في لبنان يحرج السلطة ويهدد رواتب الموظفين

رئيس المجلس الدستوري: ليتدبّر السياسيون أمرهم

TT

تعطيل قانون الضرائب في لبنان يحرج السلطة ويهدد رواتب الموظفين

شكّل قرار المجلس الدستوري الخميس الماضي إبطال قانون الضرائب الجديد، إحراجاً كبيراً للسلطة السياسية، وأربك الحكومة والمجلس النيابي ووضعهما في مواجهة الفئات الشعبية، ولا سيما موظفو القطاع العام، الذين ينتظرون قبض رواتبهم على أساس سلسلة الرتب والرواتب، التي تقرر تمويلها من الضرائب التي نسفت من أساسها.
صحيح أن المجلس الدستوري في لبنان لم يتجاوز عمره العقدين، ويعدّ حديث العهد، قياساً بأعمار المجالس الدستورية في الدول الرائدة ديمقراطياً، لكن منذ إنشائه وهو يشكل مصدر أزمة لأهل السياسية وقراراتهم؛ إذ غالباً ما كان يبطل القوانين المطعون فيها، ويلزم المجلس بإعادة النظر فيها، بدءاً من قانون الانتخاب في العام 1996. ولم يترد في إبطال نيابة نواب يصنّفون في خانة النافذين، خصوصاً ممن كانوا محسوبين على الوصاية السورية في أوج سلطتها.
ويسود اعتقاد بأن إبطال قانون الضرائب، سيؤدي حتماً إلى تجميد سلسلة الرتب والرواتب، التي انتظرها موظفو القطاع العام طويلاً، والذين بدأوا يلوحون بالعودة إلى الشارع والاعتصامات مجدداً، ويجمع الخبراء على أن إعادة النظر بالضرائب يحتاج إلى أشهر، في وقت أكد رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان لـ«الشرق الأوسط»، أن «المجلس قام بواجبه، ونظر بقانون الضرائب ومدى مطابقته للدستور، فوجده غير دستوري فقرر إبطاله». وقال: «نحن عملنا شغلنا، والباقي مسؤولية السياسيين وعليهم أن يتدبروا أمرهم». ونفى أن يكون المجلس الدستوري قطع الطريق على إعطاء موظفي القطاع العام سلسلة الرتب والرواتب، معتبراً أنه «من واجب مجلس الوزراء ومجلس النواب أن يتصرفوا ويبحثوا عن الوسيلة التي تؤمّن موارد للخزينة لدفع تكاليف السلسلة».
وكان المجلس الدستوري أصدر الخميس قراراً بإجماع أعضائه، قضى بقبول الطعن المقدّم من رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل وتسعة نواب آخرين، وإبطال قانون الضرائب، معتبراً أن الكثير من الشوائب اعترت القانون، أهمها أنه «صدر في غياب الموازنة ومن خارجها، وخالف مبدأ الشمول الذي نصت عليه المادة 83 من الدستور، حيث كان ينبغي أن يأتي في إطار الموازنة العامة السنوية وفقاً للقواعد التي نص عليها الدستور». ولفت إلى أن «القانون المطعون فيه، يخرق مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة والضرائب، كما أن المادة 11 منه، يشوبها الغموض؛ ما يؤدي إلى تطبيقها بشكل استنسابي، وبطرق ملتوية تسيء إلى العدالة والمساواة بين المواطنين».
من جهته، رأى الخبير الدستوري النائب السابق صلاح حنين، أنه «بقدر ما كان قانون الضرائب غير مقنع، فإن قرار المجلس الدستوري ليس مقنعاً أيضاً، لأنه ربط إقرار الضرائب بقانون الموازنة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المادة 81 من الدستور، نصّت على عدم جواز فرض ضريبة إلا بقانون شامل، يطبق على جميع الأراضي اللبنانية، ولم تشترط ربط الضريبة بقانون الموازنة»، معتبراً أن «قرار المجلس الدستوري غير مدروس وهو أساء تفسير النص الدستوري، عندما ربط الضرائب بالموازنة». ورأى أنه «ليس من الجائز الاجتهاد بوجود نصّ صريح». وذّكر حنين بأن «الموازنة لم تقرّ منذ 12 عاما، فهل يمكن تعليق حركة الضرائب على موازنة لا تُقرّ أبداً؟».
وتداعى ممثلو الكتل النيابية إلى اجتماع عقد في وزارة المالية أمس لبحث الحلول البديلة وإيجاد مداخيل لدفع تكاليف السلسلة. وشدد وزير المال علي حسن خليل على أن «عدم تطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب هو مخالفة، ولا بد من إيجاد حل من دون المس بالسلسلة». وقال: «وضعنا جداول الرواتب وفق السلاسل الجديدة، والعودة إلى السلاسل القدية ليس بالأمر السهل».
وكانت الضغوط السياسية عطلت عمل المجلس الدستوري في العام 2013، عندما طعن رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، وتكتل التغيير والإصلاح، بقانون تمديد ولاية المجلس النيابي، حيث تغيب ثلاثة من أعطاء المجلس الدستوري عن الجلسات عمداً؛ ما أدى إلى تطيير النصاب، وسقوط المهلة الزمنية المعطاة للمجلس الدستوري للبت بالطعن، ما جعل قانون التمديد نافذاً.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».