افتتاح متحف إميل حنوش في لبنان

يتضمن 200 لوحة لفنانين من الرعيل الأول

المتحف الجديد
المتحف الجديد
TT

افتتاح متحف إميل حنوش في لبنان

المتحف الجديد
المتحف الجديد

يفتتح في مدينة شتورا البقاعية، يوم 24 سبتمبر (أيلول) الحالي، متحف «إميل حنوش» للأعمال التشكيلية والرسوم، برعاية رئيس الحكومة سعد الحريري، وبحضور وزير الداخلية نهاد المشنوق. هذا المتحف الذي يتألّف من طابقين، مساحة الواحد منها 400 متر مربع، سيكون بمثابة شاهد حي على أعمال رسامين من بلاد الأرز، تفتقدهم ذاكرة اللبنانيين، بعدما غابت المعارض الفنية الخاصة بهم، وصارت بالكاد تستذكر بعضهم بلوحتين أو ثلاث.
200 لوحة من أصل 400 جمعها صاحب المتحف إميل حنوش، على مدى 45 عاماً من البحث عنها هنا وهناك، وقد دفع أموالاً كبيرة للحصول عليها، ستكون ابتداء من الجمعة 24 سبتمبر الحالي، بمتناول هواة الفن التشكيلي ومحبّيه وبصورة مجانية.
فكما فيليب موراني وداود القرم وحبيب سرور وخليل صليبي، الذين يعدون من الرسامين اللبنانيين الأوائل، والذين شكّلوا رعيل الأكاديميين، والذين درسوا في أوروبا، سيتضمن المتحف لوحات لرعيل من نوع آخر حفر بريشته في ذاكرة اللبنانيين، على مرّ الأجيال، من خلال لوحات باتت تدرس تقنيتها في الجامعات كرائدة في الفن الانطباعي لأصحابها قيصر الجميل ومصطفى فروخ وعمر أنسي وغيرهم.
«هذا المشروع يعنّ على بالي، منذ أكثر من 30 عاما، ولطالما رددت أمام الأصدقاء أسفي لعدم تكريم هؤلاء الفنانين كما يجب لإبراز إبداعاتهم العالمية» يروي إميل حنوش لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «كل هذه اللوحات جمعتها على مدى 45 عاماً كوني شغوفاً بالرسم التشكيلي وباحثاً لا يمل عن اكتشاف أهمها. ومَنْ هناك أهم من هؤلاء الفنانين اللبنانيين لتكريمهم، بعد أن افتقدهم التاريخ الحديث، وصاروا مجرد ذكرى نتغنى بها دون إبراز أهميتها؟».
فاقت كلفة هذا المتحف كما قال صاحبها «الملايين»، ولكنه سيكون من أهم المشاريع الفنية الثقافية في العالم العربي، كونه يتضمن أضخم مجموعة من الرسم التشكيلي لفنانين لبنانيين مجتمعين، وكذلك لرائدين فيه من القرن التاسع عشر وصولاً إلى القرن الحالي.
«عندما يسألونني كيف يمكن أن نقيم متحفاً مماثلاً، أقول دون تردد إنه يلزمنا الثقافة والمال معاً»، يتابع إميل حنوش في سياق حديثه، ويوضح: «الثقافة من دون مال، تجعلنا نتحسّر على هوايتنا هذه، إذ لا يمكننا ممارستها، والمال من دون ثقافة نتمتع بها في هذا المجال، لن تدفعنا إلى تقدير هؤلاء وتعزيزهم».
يجمع متحف «إميل حنوش» في هندسته، الطراز اللبناني الأصيل، إلى جانب الحديث منه، وقد استعان بخبراء فرنسيين وبمهندسين لبنانيين لتنفيذه. «لقد راح ينصحني البعض بالهندسة الحديثة المرتكزة على شكل مستطيل شبيه إلى (هنغار) حديدي ذي واجهات زجاجية، كون ذلك يعود عليَّ بكلفة أقل، لكني رفضت إذ أردته معلماً لبنانياً أصيلاً، يعبق بعطر لبنان الذي نعشقه بقناطره وغرفه المبنية من العقد»، ويروي حنوش أن أغلى لوحة دفع ثمنها، ويحتضنها المتحف، تعود للرسام عارف الريس، «هي لوحة رائعة كلّفتني نحو 42 ألف دولار، ولكنها اليوم تساوي نحو 400 ألف دولار، وأنا فخور باقتنائها».
جال حنوش، في مختلف بقاع العالم، للحصول على هذه اللوحات التي ستكتنفها جدران المتحف، فلم يملّ يوماً من اللحاق بها في لبنان أو خارجه، من أجل الحصول عليها؛ لأنها تمثل كنزاً لا يقدّر بالنسبة له. «لقد أفنيت عمري، وأنا أبحث عن هذه اللوحات، وجاء اليوم الذي صار من الممكن لأي لبناني شغوف بهذه الأعمال أن يراها عن قرب ويدقق نظره فيها».
وبذلك أصبح لدى اللبنانيين معلم فني يضم لوحات صانعي الحركة التشكيلية اللبنانية منذ نحو 150 سنة إلى الآن. وعما إذا سيحضر حفل الافتتاح أقرباء للفنانين المكرمين أو أحفاد لهم، أجاب إميل حنوش: «يا ليت هناك من فنان استطاع أحفاده تقديره وتكريمه، فمع الأسف لن يكون هناك وجود لأي شخص قريب من هؤلاء». وبحسب حنوش فإن «لا خوف على هذه اللوحات من أن تتعرّض للرطوبة، أو ما يشابهها؛ لأن منطقة البقاع معروفة بمناخها الجاف، ولذلك فإن اللوحات ستكون في أمان لعمر طويل ومديد».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.