راتشيل وايتريد تنحت الفراغ وتحيي الأماكن المهملة

معرض استعادي لها في«تيت غاليري» بلندن

من أعمالها: منحوتة «بيت»
من أعمالها: منحوتة «بيت»
TT

راتشيل وايتريد تنحت الفراغ وتحيي الأماكن المهملة

من أعمالها: منحوتة «بيت»
من أعمالها: منحوتة «بيت»

نظّم «تيت غاليري» بلندن معرضاً استعادياً للفنانة البريطانية راتشيل وايتريد التي يقترن اسمها بالموضوعات اليومية العابرة التي لا يلتفت إليها أحد لكنها استطاعت أن ترسّخها في ذاكرة المُشاهدين الذين يتأملون أعمالها النحتية على وجه التحديد. وبغية استيعاب تفاصيل هذا المعرض الاستعادي الذي يغطّي ثلاثة عقود زمنية من تجربة الفنانة وايتريد لا بد لنا أن نتوقف عند بعض المحطات الرئيسة التي تشكِّل علاماتٍ فارقة في منجزها الفني المثير للجدل. وُلدت راتشيل في مدينة إلفورد، شرق لندن عام 1963، درست الرسم في جامعة برايتون لمدة ثلاث سنوات لكنها لم تُكرِّس حياتها للرسم إلاّ لماما، كما درست النحت لمدة سنتين في مدرسة سلَيد للفنون بلندن ونالت شهادة الماجستير. وخلال سنوات الدراسة انتظمت في ورشة عمل تحت إشراف النحّات البريطاني ريتشارد ويلسون قبل أن تنطلق في إقامة معارضها الشخصية والمشتركة حيث رُشحت أول مرة لجائزة تيرنر عام 1991 وفازت بها عام 1993 عن عملها النحتي المعنون «بيت» وكانت في حينه أول امرأة تنال هذه الجائزة الرفيعة التي تُمنح للفنانين البريطانيين تحت سنّ الخمسين وتبلغ قيمتها المادية 25 ألف جنيه إسترليني وتحظى باهتمامٍ إعلامي واسع النطاق.
يشتمل المعرض مبدئياً على ستين عملاً فنياً غير أن بعض هذه الأعمال يتألف من تسع وحدات مثل أكياس الماء الساخنة، والمناضد التسع أيضاً، ولفافات الورق الملونة التي تستعمل في بيوت الراحة. أما الرسوم فقد بلغ عددها 35 رسماً أخذ بعضها شكل اللوحة الفنية، بينما انضوى القسم الأكبر منها تحت باب التخطيطات والرسوم التوضيحية التي تبيّن للمتلقي الطرق المختلفة التي طوّرت بها الفنانة غالبية أعمالها النحتية الكبيرة التي تحتاج إلى إضاءات تزيل عنها اللبس والغموض الذي ينتابها.
وبما أنّ المعرض يغطي ثلاثة عقود من تجربتها الفنية فلا بد لنا أن نسلِّط بعض الضوء على ثيماتها الرئيسة وتقنياتها المُحببة التي تستجيب إلى هذا النمط من الأعمال الفنية التي تصدم المتلقي أول الأمر ثم تتسرّب إليه مثل إيقاع منوِّم. لعل أبرز الثيمات التي تتعاطى معها الفنانة وايتريد هي الأماكن المهملة أو السلبية في البيت، وتحنيط الهواء في الغرف، وتحويل كل موجودات المنزل إلى أعمال نحتية مثل الموقد، المغسلة، حوض الاستحمام، الخزانة، السرير، الفِراش، الوسادة، الباب، الشُبّاك، المكتبة، المائدة، الكرسي، الأريكة، التلفاز، أدوات المطبخ، الحديقة، الأصص، السقيفة، غرف المنزل، والبيت برمته. وحينما لا تكتفي بهذه الموضوعات النحتية فإما أن تخرج إلى المدينة أو تتجه إلى أعماق الطبيعة لتزيّن الجبال الشاهقة أو الخلجان النائية بأعمال فنية تحمل بصمات المكان بعد أن تُضفي عليه لمساتها الإنسانية الحميمة.
كُلفت الفنانة وايتريد بإنجاز الكثير من النُصُب والأعمال النحتية الكبيرة نذكر منها «البيت» الذي وضعت عليه اللمسات الأخيرة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1993، وظل منتصباً بطبقاته الثلاث لمدة أحد عشر أسبوعاً ثم قوّضته البلدية في 11 يناير (كانون الثاني) عام 1994، و«برج الماء» في نيويورك عام 1998، و«مكتبة النُصب التذكاري للهولوكوست» في فيينا عام 2000، ونُصب قاعدة التمثال الفارغة في ساحة الطرف الأغرّ بلندن عام 2001، هذا إضافة إلى سلسلة الأعمال النحتية التي نفّذتها في أماكن بعيدة جداً مثل غران في النرويج، وجزيرة الحاكم في نيويورك، وصحراء موهافي في كاليفورنيا.
بدأ اهتمام وايتريد بالموضوعات المنزلية في أواخر الثمانينات من القرن الماضي حيث أنجزت أول نموذج لـكيس الماء الساخن الذي أطلقت عليه اسم Torso لأنه يُشبه تماماً الجذع البشري، ومنْ يدقق جيداً في هذا النموذج تحديداً سيكتشف أنّ الشَعر يغطي هذا الجذع المقطوع الرأس، والمبتور الأطراف. ومنْ يلج المعرض الاستعادي سيجد هذا الجذع كأول عمل نحتي معروض يليه الخِزانة، والموقد، والمنضدة، والفِراش، وهي مصنوعة من الجص والخشب واللبّاد والزجاج والبوليستايرين. وفي الصالة ذاتها هناك عدة أعمال نحتية أخرى مثل حوض الاستحمام والمغسلة والموقد وما إلى ذلك من التجهيزات المنزلية المعروفة التي لا يخطر ببال المُشاهد أنها يمكن أن تتحول إلى موضوعات فنية.
من بين الأعمال النحتية الضخمة لهذا المعرض هو «غرفة 101» وهي غرفة في مبنى «بي بي سي» التي كان يعمل فيها الروائي جورج أورويل خلال الحرب العالمية الثانية، ويُعتقَد أن هذه الغرفة بالذات هي التي ألهمته للكتابة عن «غرفة 101» أو غرفة الرعب في تحفته الروائية الدايستوبية 1984، ما يلفت الانتباه في هذا العمل الفني ليس جماله وقوته الرمزية فقط وإنما الدقة في تصوير شقوق الجدار وتصدعاته الصغيرة التي توحي بأن الفنانة تلتقط الأشياء الصغيرة التي قد لا ينتبه لها المُشاهد العادي.
وما دُمنا في سياق الأعمال النحتية الضخمة فلا بد لنا أن نتوقف عند منحوتة «ممرات المكتبة» وكأنّ التركيز منصبٌ على الممرات بوصفها «أمكنة مهملة» وليس على الكتب التي تعدها النخبة مصدراً للمعرفة والثقافة والتعليم. أما المنحوتة الكبيرة الأخرى فهي «السلالم» التي تكاد تلامس سقف الصالة المرتفع، والمنفذة بالجص والخشب والفايبرغلاس، وتبدو وكأنها قطعة واحدة لكنها في حقيقة الأمر مؤلفة من عشر قطع مربوطة ربطاً قوياً، وهي ليست ثقيلة كما يتصور البعض لأنها مجوّفة ولا يبلغ سمكها الخارجي أكثر من 80ملم لا غير.
تهتم وايتريد منذ زمن مبكر بالمناضد والأرائك والكراسي ولو توقفنا عن عمل «المناضد التسع» المنفذة بالكونكريت والبوليستايرين التي توحي بأنها مصاطب للجلوس أكثر من كونها مناضد طعام، ولعل البعض يرى فيها أشكالاً لقبور فرعونية ولكنها ليست كذلك، فإن ما تقصده الفنانة بهذه التكوينات ليس المنضدة بحد ذاتها وإنما الفراغ السلبي أو المهمل أسفل المنضدة الذي نفذته بمادتي الكونكريت والبوليستايرين كي تكون خفيفة ويمكن حملها بسهولة لكن الزائر سيعتقد بكل تأكيد أن هذه المناضد تحتاج إلى رافعة كي يتمّ نقلها من مكان إلى آخر.
أشاد النقاد البريطانيون بمشروع «100 مكان»، والمقصود هنا هو الفراغات المهملة تحت الكراسي وقد عُرضت في دوﭬين غاليريز إلى جانب مجموعة من الأعمال الفنية لعدد من النحاتين البريطانيين والأميركيين أمثال ليندا بينغليس، أنتوني كارو، ريتشارد داد، ريتشارد ديكِن، مايكل دِين، باري فلاناغن، بأربارا هيبورث، سارة لوكاس، روبرت موريس وريبيكا وارن. لم يكن هذا العمل أصيلاً مائة في المائة فلقد سبقها إلى تحنيط الفراغ القائم تحت الكرسي النحات الأميركي بروس ناومان عام 1965، أما الفنانة وايتريد فقد عمّقت هذه الفكرة وتوسعت بها حتى أنها حنّطت الفراغات الموجودة تحت الأرائك والمصاطب وأسرة النوم وغيرها من الأماكن المُهمَلة في البيوت والدوائر الرسمية. وفي هذا المشروع الذي يتألف من مائة وحدة نفذتها الفنانة بالجص والخرسانة والمطاط والراتنج فكان هدفها أن تجعل ما هو غير مرئي مرئياً، وأن تجعل الداخل خارجاً بتقنية مينيمالية اختزالية لا تخلو من بعض اللمسات التجريدية رغم أنّ أعمالها تشخيصية بامتياز.
لم تُبقِ وايتريد شيئا في المنزل إلاّ واستثمرته في عمل فني مثل الأرضيات، والجدران، والأبواب، والشبابيك، والمخازن وما إلى ذلك من أشياء تنتمي إلى الحياة اليومية لكنها لم تخطر ببال الكثيرين أنها يمكن أن تتحول إلى أعمال فنية سوف يُكتب لها الشهرة والخلود.



اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
TT

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)
جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ نجمتين عالميتين تقديراً لمسيرتيهما، هما الأميركية فيولا ديفيس، والهندية بريانكا شوبرا.

واختتم المهرجان عروضه بفيلم «مودي... 3 أيام على حافة الجنون» الذي أخرجه النجم الأميركي جوني ديب، ويروي حكاية الرسام والنحات الإيطالي أميديو موديلياني، خلال خوضه 72 ساعة من الصراع في الحرب العالمية الأولى.

واختير فيلم «الذراري الحمر» للمخرج التونسي لطفي عاشور لجائزة «اليُسر الذهبية» كأفضل فيلم روائي، أما «اليُسر الفضية» لأفضل فيلم طويل، فنالها فيلم «إلى عالم مجهول» للفلسطيني مهدي فليفل، بالإضافة إلى جائزة خاصة من لجنة التحكيم نالها فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» لخالد منصور.