مناطق «خفض التصعيد» ترسخ فصل المكونات وتمهد لفيدرالي

دراسة لباحثين سوريين تتوقع سعي روسيا لتقليص نفوذ إيران و«حزب الله»

TT

مناطق «خفض التصعيد» ترسخ فصل المكونات وتمهد لفيدرالي

رأى باحثون سوريون أن مناطق «خفض التصعيد» التي ترعاها روسيا «تمثل ترسيخاً لنوع من الفصل بين المكونات، وإقامة حدود بين المناطق، بما يمهّد بأفضل الأحوال إلى حل فيدرالي، ومناطق متصارعة مع بعضها، لا يمنعها من الاقتتال البيني إلا الوجود العسكري الروسي طويل المدى».
وخلص الباحثون إلى هذه النتيجة، في ختام دراسة أعدها «مركز جسور» تحت عنوان «سياسة فرض الاستقرار الروسية - حصاد القوة المفرطة»، للإضاءة على الدور الروسي في سوريا، وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة عنها قبل نشرها، اليوم الخميس، معتبرين أن روسيا ستستمر في وجودها في سوريا لمدى طويل، من أجل تحقيق دورين أساسيين، أحدهما سياسي وآخر ديموغرافي.
ويوضح معدو الدراسة أن الدور الأول «ينطلق بصفتها قوى كبرى تحمي مصالحها بالوصول إلى المياه الدافئة، ويتمثل بضمان حماية منطقة جغرافية متصلة قابلة للحياة، وهو ما تسميه (سوريا الفاعلة)، أو يمكن تسميتها (سوريا الصغرى)». أما الدور الديموغرافي لروسيا «فبصفتها قوة مسيحية أرثوذوكسية تحاول تحقيق حلمها التاريخي بوجودها بثقلها الديني في المنطقة منذ الإمبراطورية العثمانية، ويتمثل بخلق دولة أقليات نخبوية ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، ومثالاً لتعايش المكونات معاً».
ومهدت الدراسة للخلاصة بالتأكيد أن قرار روسيا بالتدخل العسكري في سوريا جاء كقرار استراتيجي للتأكيد على الدور الروسي بصفته قوة عالمية لا يجوز تجاوزها أو إغفالها. وأن روسيا أدركت منذ بدايات تدخلها العسكري في سوريا أنه لا يمكنها أن تحتمل «هزيمة نكراء» لمشروعها في سوريا، كما أنها لا تمتلك في الوقت نفسه، ترف «الانتصار الكامل» لمخططها، وأن عليها التعامل والوصول إلى ما يمكن تسميته «نصف الانتصار».
وأدّى إدراك روسيا هذه الحقائق إلى بناء علاقات مع مختلف الفاعلين على الساحة السورية، من المحليين والإقليميين، ولم تحصر شراكاتها في المعركة مع إيران والنظام السوري.
وأشار معدو الدراسة التي حملت توصيف «تقدير موقف» إلى أنه منذ تدخلها العسكري في عام 2015، تحوّلت روسيا بشكل تدريجي إلى الفاعل الرئيسي في البلاد، ونقلت الجانب الإيراني إلى طرف هامشي في معادلة المعسكر المؤيد للنظام، ثمّ تولّت تحييد بقية الفاعلين المنافسين للنظام، سواء على المستوى الدولي والإقليمي، أو حتى على المستوى الفصائلي.
وأظهر تسلسل الأحداث منذ بداية التدخل الروسي وحتى الآن «مهارة روسية في تفكيك المعادلة السورية، وقدرة على إعادة ترتيب أجزاء اللوحة المفككة»، بحسب ما جاء في الدراسة، «وأثبتت روسيا أن استخدامها القوة المفرطة في بداية تدخلها كان ضمن رؤية سياسية متكاملة، مكّنتها من تحقيق ما فشل النظام وداعموه الإيرانيون في تحقيقه في أربع سنوات».
وتشير الدراسة إلى أن روسيا عملت منذ دخولها إلى اللعبة السورية فاعلا رئيسيا على تشكيل مقاربتها الخاصة تجاه الخصوم والفاعلين الدوليين والإقليميين والمحليين، وتمكّنت في نهاية المطاف من تحييد جميع الأطراف ودفعها للقبول بالطرف الروسي بصفته طرفا ضامنا، حتى في الاتفاقات التي يكون هو الطرف الرئيسي فيها. وضغطت على الفاعلين المحليين بالقوة النارية المفرطة من أجل خفض سقوف توقعاتهم ومطالبهم السياسية، ثم تحوّلت معهم إلى سياسة الاحتواء والتسوية، بالشكل الذي يُحافظ على وجودهم تحت سقف الخيارات الروسية.
وتمكّنت روسيا من بناء علاقة إيجابية مع تركيا، وتحوّلت العلاقة بين الطرفين من التوتر الشديد إلى علاقة شراكة وطيدة في الملف في نهاية عام 2016، كما تمكّنت روسيا من خلق مقاربة دافئة مع دول عربية تدعم الشعب السوري.
وقال التقرير: «ساعدت هذه المقاربة الروسية في تكوين فهم روسي أعمق للمنطقة وطبيعة الصراعات فيها، وكيفية إدارتها، وهو ما يمكن وصفه بالتدريب الضروري والحيوي لروسيا لتعود لاعباً مهماً في منطقة الشرق الأوسط». كما استطاعت روسيا جذب مصر إلى معسكر قريب من معسكر النظام السوري.
وسعت روسيا ميدانياً إلى إنهاء جيوب الصراع، وفرض حالة من الاستقرار الميداني، وتحويل حالة الاستقرار إلى شكل قانوني معتمدٍ من أطراف النزاع المحلي نفسها، ومن الأطراف الإقليمية والدولية الداعمة لأطراف الصراع.
واستطاعت روسيا منذ الربع الأخير من عام 2016 إعادة إنتاج صورتها لدى المعارضة داخل سوريا، حيث تحوّلت إلى وسيط وضامن، وأصبحت المعارضة وحاضنتها الشعبية ترفض القبول بأي اتفاق ما لم يكن بضمانة الطرف الروسي.
وإلى جانب المعارضة المسلحة، تمكّنت روسيا من بناء علاقة متميزة مع «قوات سوريا الديمقراطية» و«حزب الاتحاد الديمقراطي»، رغم العلاقة القوية بين الطرف الكردي والأميركي من جهة، والعلاقة السيئة بين تركيا والطرف الكردي من جهة أخرى.
وفي المقابل فإنّ المعارضة السياسية الخارجية، ممثلة في «الائتلاف الوطني» و«الهيئة العليا للمفاوضات»، رفضت التعامل بمرونة سياسية مع روسيا.
ورأى معدو التقرير أن المعطيات السياسية تُظهر أن روسيا «لا تتمسّك بالأسد بصفته شخصا، ويصرّ المسؤولون الروس في الجلسات المغلقة على رفض التعامل مع الأسد هدفا روسيا، لكنها تتمسك بالمقابل بوجود نظام قوي في دمشق يحفظ المصالح الروسية بعيدة المدى في سوريا».
وترغب روسيا في تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، وإعادة القوة الإيرانية إلى داخل الحدود الجغرافية الإيرانية، وستتعاون بذلك مع الولايات المتحدة، بحسب ما يقول التقرير، موضحاً أن «تحجيم الدور الإيراني يعني بالضرورة تقليص حجم (حزب الله) السياسي والعسكري في لبنان والمنطقة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».