أبقى البنك المركزي الأوروبي على سياسة خفض الفائدة البنكية على الرغم من تزايد مطالب البنوك بالبدء في الخروج من هذه السياسة التي توفر «أموالا رخيصة» (منخفضة الفائدة) في سوق المال، حيث قرر مجلس محافظي البنك خلال اجتماعه الدوري أمس الخميس في فرانكفورت الإبقاء على الفائدة البنكية عند معدل «الصفر» في المائة، وبذلك تظل الفائدة في منطقة العملة الأوروبية الموحدة «اليورو»، عند أدنى مستوى لها. وفي حالة احتفاظ البنوك الاستثمارية بأموال لدى البنك فستدفع فائدة سلبية قيمتها 0.4 في المائة، وهي ما يسميها خبراء «الفائدة العقابية».
كما سيستمر البنك في استثمار 60 مليار يورو شهريا في شراء سندات سيادية وسندات شركات وذلك حتى ديسمبر (كانون الأول) المقبل؛ على الأقل، وذلك في محاولة من البنك لتحفيز الاقتصاد في منطقة اليورو والدفع بنسبة التضخم إلى المستوى الذي يراه خبراء البنك إيجابيا للتنمية الاقتصادية، وهو مستوى 2.0 في المائة... وذلك لأن الخبراء يرون أن انخفاض الأسعار فترة طويلة يمكن أن يدفع المستهلكين للتردد في شراء السلع اللازمة لهم أملا في تراجع سعرها أكثر، وهو ما من شأنه أن يتسبب في حدوث كساد... وهو ما يدفع هؤلاء الخبراء والمراقبين إلى القول إن دراغي ربما كان «يلعب بالنار».
وقال دراغي إن معظم القرارات بشأن برنامج شراء الأصول سوف تتخذ في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وعندما سئل دراغي عن «خريطة الطريق» لتخفيض برنامج التيسير الكمي؛ تهرب من الإجابة مكتفيا بالابتسام.
رزانة مثيرة
وأظهر البنك المركزي الأوروبي في اجتماعه استعداده لإبطاء برنامج التيسير الكمي، لكنه ليس في «حالة اندفاع» أو «عجلة» لذلك، وحاول دراغي أن يكون «غامضا» قدر الإمكان، في حين التزم بتعهده بتقرير مستقبل برنامج شراء السندات في خريف هذا العام، مؤكدا أن مجلس البنك قد بدأ محادثات «أولية» حول كيفية تغير برنامج التيسير الكمي ومقدار الوقت الذي قد يستمر لذلك وما هو مقدار صحة الاقتصاد في منطقة العملة الموحدة «اليورو».
وقرر المركزي الأوروبي إعادة ضبط سياسته لما بعد عام 2017 في وقت لاحق هذا العام، وهو الأمر الذي يؤكد أن مجلس البنك لم يتخذ قرارا بشأن كيفية تفكيك برنامج التحفيزات بعد.
وناقش المركزي الأوروبي خلال اجتماع أمس ثلاث قضايا مهمة، هي النمو والتضخم وسعر الصرف، فيما يتعلق بالنمو كان هناك اتفاق بين أعضاء المجلس على أن الاقتصاد يتعزز مع ستة ملايين وظيفة نشأت منذ الأزمة المالية العالمية، لكن دراغي أصر على «الصبر» لعودة معدلات النمو، وفيما يتعلق بالتضخم كان هناك «تنقيح صعودي» بسيط بسبب ارتفاع سعر الصرف، وأوضح دراغي أن هناك استياء واسع النطاق مع معدل التضخم الحالي.
قوة اليورو... سلاح ذو حدين
وعلى صعيد سعر الصرف، ففي الوقت الذي لا تزال الصادرات على ما يرام حتى الآن، فإن سعر صرف اليورو أمام العملات الأجنبية سيكون له عواقب، لذلك أعرب بعض أعضاء المجلس عن قلقهم حول صعود اليورو، ومناقشة ما إذا كانت قيمته الحالية تعكس قوة اقتصاد منطقة اليورو، ولكن سعر الصرف في الوقت نفسه ليس هدفا من أهداف المركزي. وأكد دراغي أن المركزي سيترك أسعار الفائدة بمعدلاتها الحالية أو «الأدنى» لفترة طويلة. وخفض المركزي الأوروبي أمس بعض توقعاته للتضخم في ضوء ارتفاع اليورو، في حين رفع بعض توقعاته للنمو بعدما سجل اقتصاد منطقة اليورو أفضل موجة نمو خلال عقد.
وزاد اليورو 13 في المائة مقابل الدولار خلال العام الحالي، وهو ما يعطي مؤشرات متباينة للبنك المركزي الأوروبي لكونه يعكس قوة الاقتصاد، لكنه يكبح التضخم من خلال خفض تكلفة الواردات. وتسبب ارتفاع قيمة اليورو مؤخرا في قلق المركزي الأوروبي، حيث قال دراغي إن التقلبات الحالية في سعر الصرف تمثل مصدرا لعدم الأمان يتطلب المتابعة اليقظة.
ويتوقع المركزي الأوروبي الآن أن يسجل التضخم 1.5 في المائة في 2017، و1.2 في المائة في 2018، مقارنة مع توقعاته في يونيو (حزيران) ببلوغه 1.5 و1.3 في المائة على الترتيب. كما خفض البنك توقعاته للتضخم في 2019 إلى 1.5 في المائة، من 1.6 في المائة سابقا. وتقل هذه الأرقام عن الهدف الذي حدده البنك عند أقل قليلا من اثنين في المائة.
ويتوقع البنك معدل نمو 2.2 في المائة في العام الحالي، مقارنة مع 1.9 في المائة في التوقعات السابقة. ولم يطرأ تغيير على توقعات البنك لنمو 2018 و2019 لتستقر عند 1.8 في المائة و1.7 في المائة على الترتيب.
وقفزت العملة الأوروبية الموحدة الأسبوع الماضي لأول مرة منذ سنتين فوق حاجز 1.20 دولار. وفسر الخبراء ذلك بنمو الاقتصاد في منطقة اليورو بشكل قوي، في حين أن الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة ليس في أفضل حالاته هذه الأيام، حيث لم تحقق حكومة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وعودها بشأن خفض الضرائب واعتماد برنامج إنفاق حكومي يحفز سوق العمل. ويؤدي تعاظم سعر صرف اليورو إلى ارتفاع سعر منتجات الشركات الأوروبية في الأسواق العالمية بشكل مستمر، وهو ما من شأنه أن يؤدي لتراجع الصادرات القادمة من منطقة اليورو ويكبح بذلك النمو الاقتصادي.
وفي الوقت ذاته تصبح الواردات القادمة من مناطق عملات أخرى أقل سعرا، مما يخفض التضخم في منطقة اليورو ويصعب على المركز الأوروبي تحقيق هدف الوصول بمعدل الغلاء، والتضخم، في المنطقة إلى أقل من 2.0 في المائة بقليل.
وعن تداول اليورو في مستويات مرتفعة أمام الدولار، رفض دراغي التعليق، واكتفى بالقول: «أنا لا أعلق على مستويات سعر الصرف»، وأنكر دراغي أن منطقة اليورو في فترة من «عدم اليقين الشديد»، في حين أن المركزي الأوروبي يخطط تحركه المقبل، قائلا: «نحن ببساطة نناقش ما يجب القيام به في العام المقبل، عندما تنتهي برامجنا الحالية».
وحذر دراغي من معدلات التضخم، قائلا إن التضخم الأساسي لم يظهر بعد نموا مقنعا، مضيفا إلى أن التضخم الرئيسي قد يتحول إلى مستوى «سلبي» بنهاية العام، الأمر الذي يفسر الطريق الحذرة التي يسلكها المركزي الأوروبي في تشديد السياسة النقدية.
مشاغل أوروبية
وأكد دراغي استعداد البنوك في منطقة اليورو للتحرك بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأصر رئيس المركزي الأوروبي أنه لا يمكن لأي بلد إطلاق عملتها الخاصة، بعد تلويح إستونيا بإطلاق عملتها المدعومة من الدولة، وقال دراغي إننا بحاجة إلى الثقة والصبر والمثابرة لعودة التضخم في منطقة اليورو إلى هدف المركزي في الوقت الذي يتغذى فيه الانتعاش الاقتصادي من خلال الأسعار.
وحول مستقبل منطقة اليورو ومدى الصلاحيات التي يجب على أي من وزراء مالية اليورو تحقيقها في المستقبل، قال دراغي إن الدول الأعضاء أدركت مدى عدم اكتمال اتحادنا النقدي، وكيف جعلت أزمة منطقة اليورو أسوأ مما كانت عليه، وقال إننا نرحب بأنهم بدأوا هذه المناقشة «المعقدة»، «نحن مستعدون للمساعدة، لكننا لسنا جزءا منها». وبنبرة جادة، قال دراغي إن تنفيذ الإصلاحات الهيكلية تحتاج إلى تكثيف الجهود، الأمر الذي فسره محللون على أنه حافز للسياسيين في أوروبا للقيام بخطوتهم. وأبدى دراغي عدم قلقه حول «الفقاعات» في الأسواق المالية، موضحا أنه ليس هناك دلائل على أن الرفعة المالية آخذة في الازدياد. كما أكد أن المركزي يعمل وفقا للسلطات المخولة له، مشيرا إلى أن الانتخابات الألمانية ليست عاملا مهما لدى البنك.