في بلاد روسو وسوسير... وهيبة المواطن

مستوى سويسرا الحضاري الرفيع ولد نتيجة مخاض طويل

في بلاد روسو وسوسير... وهيبة المواطن
TT

في بلاد روسو وسوسير... وهيبة المواطن

في بلاد روسو وسوسير... وهيبة المواطن

المستوى الحضاري الرفيع في سويسرا لم يولد نتيجة خطط خمسية أو عشرية وإنما نتيجة مخاض حضاري طويل لم يخل من عنف الحروب وصراعات سياسية
سويسرا بلد يقصده الكثير من العرب، الخليجيين بشكل خاص، ويعمل فيه بعض العرب، غير الخليجيين بشكل خاص أيضاً. جمال الطبيعة الأخاذ في ربوعها ينهض على منجز حضاري باهر وكفيل بالاثنين أن يصنعا بلداً استثنائياً. فإذا ما أضفنا الأمن والبعد عن وجع السياسة ومخاوفها توفرت معادلة يصعب العثور عليها في عالم اليوم، حتى في أوروبا نفسها. لكن هذه السويسرا ما هو حضورها في الذاكرات الثقافية والفكرية والعلمية؟ أقصد بالطيع الذاكرات العربية التي تعرف سويسرا أو تذهب إليها أو تقيم فيها.
حين أتيح لي أن أزور ذلك البلد العريق في كل ما هو جميل ومهيب طرحت على نفسي تلك الأسئلة الجديرة بالطرح على كل من يتأمل بحيرة لومان (أو ليمان) أو يستمتع بالتزلج في جبال الألب أو ينعم بدقة النظام واحترام الحقوق، من حقوق الإنسان سياسيا حتى حقوقه ماشياً على الطريق. قال لي أحد العارفين بالحياة في سويسرا وممن شغلوا بتلك الحقوق وغيرها إن البوليس في هذا البلد يخشى المواطن وليس العكس، بمعنى أن للمواطن سطوة يخشاها البوليس نتيجة لما تحقق للمواطن من حقوق وحريات. وتلعب السياسة هنا دوراً لكن ليس بالمعنى الشائع في العالم الثالث: من بيده رئاسة البوليس السويسري شخص منتخب وهو بالتالي يخشى الناخب ويضطر أن يكون في صفه. وذُكرت أثناء الحديث أمثلة على مواقف تؤكد هذا الوضع الذي سيبدو سوريالياً بمقاييس شرق أوسطية! (تذكرت، مثلاً، كيف يضطر المواطن الذي توقفه سيارة المرور في بعض مدننا العربية إلى النزول للتحدث مع الشرطي ألقابع في سيارته بتعالٍ، لذكر أبسط وأسهل الأمثلة فقط).
لكن ذلك المستوى الحضاري الرفيع لم يولد نتيجة خطط خمسية أو عشرية وإنما نتيجة مخاض حضاري طويل لم يخل من عنف الحروب وصراعات سياسية. ذلك المخاض عاشته وصنعته أجيال وتراكم خبرات وتوافق آراء، كما صنعه أو شارك في صنعه أفراد أثروا المشاهد الثقافية والعلمية والاجتماعية برؤاهم. يكفي أن نذكر جان جاك روسو الذي كان يوقع أعماله باسمه متبوعاً بصفة «مواطن من جنيف»، جنيف المدينة التي حافظت على استقلالها على مدى القرون وخضعت للحكم الفرنسي بعد الثورة ثم استقلت مرة أخرى لتنضم إلى الاتحاد السويسري عام 1814، دون أن تتخلى عن فرانكوفونيتها التي تجعل الفرنسيين يتباهون بابنها روسو. ولا ينبغي أن يفوت علينا هنا مفهوم «المواطنة» في كلمات روسو فقد كان المفكر الفرنسي الثقافة السويسري الانتماء يؤصل ذلك المفهوم ضمن حركة التنوير التي كان أحد كبار قادتها. ولا شك أن المنظمات الدولية الكثيرة المتجمعة في جنيف، خاصة منظمة حقوق الإنسان، اتكأت على تمكن ذلك المفهوم وأمثاله لتتخذ من جنيف مقراً لها جاعلة من تلك المدينة الأعلى بين مدن العالم في كوزموبوليتيتها وكأنها «مدينة العالم».
ومواطن من جنيف صفة تنطبق أيضاً على علم أكثر معاصرة لنا من روسو. إنه فرديناند دي سوسير، عالم اللغة الذي أحدثت نظريته في طبيعة اللغة انقلاباً مطلع هذا القرن يصعب تصور علم اللسانيات من دونها على الرغم من تقادم بعض تلك النظريات. وينظم إلى ذلك الثنائي السويسري في جانبه الفرانكوفوني جان بياجيه الذي غيرت كشوفاته في التربية ونشأة الطفل والإدراك كيفية فهمنا للمراحل المبكرة من عمر الإنسان وكيفية بناء المناهج التربوية. وتذكر لبياجيه عبارته الشهيرة حول التعليم حين قال إنه لن ينقذ مجتمعنا من التفكك سواء المفاجئ أو التدريجي سوى التعليم.
هذه الكوكبة من المفكرين والعلماء السويسريين تضم أيضاً الكاتب السويسري الألماني هيرمان هيسه الذي فاز بجائزة نوبل للأدب لعام 1946، وكذلك عالم النفس التحليلي كارل يونغ الذي يأتي، مثل هيسه، من الجانب الألماني لسويسرا كما يشير اسمه. يونغ، الذي تركت نظرياته أثرها في علم النفس والأنثروبولوجيا والفلسفة والأدب، اشتهر، ضمن أمور أخرى، بمفهوم «الوعي الجمعي» والنماذج البدئية في تحليل الذات وتاريخ الثقافات. والمعروف أيضاً أن يونغ عمل مع سيغموند فرويد على تطوير علم النفس وإن اختلفا في مرحلة تالية.
إن مما يلفت النظر في سويسرا تحديداً هو التنوع اللغوي والإثني ومدى التعايش الذي حققه سكان ذلك البلد الذي ظل طوال قرنين تقريباً متأبياً على الصراعات السياسية والاجتماعية ومحايداً أثناء الحروب محترماً من الجميع. يكفي أن نتذكر أن ثلاث لغات رئيسية تتعايش في سويسرا هي: الألمانية والفرنسية والإيطالية، إلى جانب الإنجليزية التي تفرض نفسها في كل مكان، في منظومة متناغمة يفاجأ الزائر بها حين ينتقل من مدينة إلى أخرى فتتغير لغة الناس وإشارات الشوارع وإعلانات المحلات التجارية من الألمانية شمالاً وشرقاً إلى الفرنسية غرباً إلى الإيطالية جنوباً. كأن اللغة إحدى المساحات التي يتوسلها ذلك البلد ليؤكد صلته بالجميع وانفتاحه عليهم، علماً بأن الانفتاح يظل محدوداً في ظل التطورات السياسية الأخيرة التي دفعت بالكثير من المهاجرين إلى بلاد أوروبية. فسويسرا، على نقيض جاراتها الثلاث الكبرى، ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، ظلت إلى حد بعيد بمنأى عن التدفق القادم من أفريقيا وآسيا، وتبنت في بعض كانتوناتها، أو مقاطعاتها، سياسة صارمة تجاه الإقامة وتملك العقار حفاظاً على نسيج محاط بقوى كثيرة تهدده.
هذه الجوانب من سويسرا ليست مما يتوقع أن يعرفها ناهيك عن أن يعنى بها كثير من زوار ذلك البلد الواقع في قلب أوروبا. ستظل البحيرات والجبال والمناخ إلى جانب الحرية والنظام وما إلى ذلك من نعم الحياة الغربية المعاصرة هي الأكثر أهمية للسائح بشكل عام، وإذا كان ذلك أمراً مفهوماً فإنه يظل مؤسفاً. كأننا بذلك أشبه بمن يشتري كتاباً ثميناً ليكتفي منه بمشاهدة الصور أو تأمل لون الغلاف وملمس الورق. وبالطبع فإن الأمر ليس حكراً على سويسرا وإنما على غيرها. فمفهوم السياحة نفسه جاء من التجوال والفرجة لا من التأمل والبحث والتعرف على الأعماق. ومع ذلك فقد اكتسب ذلك المفهوم بعداً معلوماتياً بظهور الأدلة السياحيين الذين يضيفون إلى متعة التجوال بعض المعرفة. لكن ذلك ينسحب بكل أسف على السياح من غير البلاد العربية، لأن السائح العربي مشغول بشكل خاص بالتسوق والجلوس في المطاعم والمقاهي أكثر منه بالتعرف على تاريخ المكان أو منجزات أهله.



نموذج لتشجير مدارس العاصمة السعودية.. زراعة 6 آلاف شجرة في مدرستين

جانب من الأعمال. (واس)
جانب من الأعمال. (واس)
TT

نموذج لتشجير مدارس العاصمة السعودية.. زراعة 6 آلاف شجرة في مدرستين

جانب من الأعمال. (واس)
جانب من الأعمال. (واس)

ضمن جهودٍ يبذلها برنامج «الرياض الخضراء» أحد المشاريع الكبرى في العاصمة السعودية الرياض، في سبيل تحسين وتطوير المرافق المدرسية وتشجيرها، أنهت «وزارة التعليم» بالشراكة مع «الرياض الخضراء»، الأحد، أعمال تأهيل وتشجير في مدرستين نموذجيتين، بزراعة أكثر من 6 آلاف شجرة وشجيرة.

ومن شأن هذه الخطوة التي أجرتها وزارة التعليم ممثّلةً بالإدارة العامة للتعليم بمنطقة الرياض، و «الرياض الخضراء»، في مدرستين نموذجيتين في حي العزيزية جنوبي العاصمة السعودية، أن تساهم وفقاً للقائمين عليها، في رفع المستوى العلمي للطلاب والطالبات وتحسين البيئة المدرسية.

تأهيل نموذجي

وجرت أعمال التأهيل في المدرستين وتحسينهما داخل وخارج الفناء المدرسي وفي الفصول الدراسية بشكل نموذجي، بالإضافة إلى تشجير الساحات الخارجية وتطوير الملاعب والجلسات الخارجية ومنطقة الانتظار في المداخل ومواقف السيارات وغيرها من أعمال التأهيل التي تتمثل في تحسين المظهر الخارجي للمباني المدرسية باستخدام مواد محلية منسجمة مع الطابع المعماري لمدينة الرياض، بالإضافة إلى اختيار الأشجار المناسبة والملائمة لبيئة المدينة، مما يساهم بحسب للقائمين عليها، في «توفير الظلال وخفض وهج الحرارة في الساحات الخارجية وحول محيط المدرسة».

سيتم تطبيق النماذج على بقية مدارس العاصمة السعودية. (واس)

الدكتور نايف الزارع المدير العام للتعليم بمنطقة الرياض، أجرى برفقة المهندس بدر الحارثي مدير عام الإدارة العامة للأمن والسلامة والمرافق بوزارة التعليم، والمهندس عبدالعزيز المقبل المدير التنفيذي للرياض الخضراء، جولة في أرجاء المدرستين مع الحضور، وذلك للاطلاع على الأعمال المنجزة، التي جاءت وفقاً لوكالة الأنباء السعودية (واس)، ضمن جهود وزارة التعليم و«الرياض الخضراء» في تحسين وتطوير المرافق المدرسية وتشجيرها بمدينة الرياض.

نموذج سيتم تطبيقه على بقية المدارس

وتعد أعمال التشجير والتأهيل في المدرستين، نموذجاً سيتم تطبيقه على بقية المدارس الحكومية للبنين والبنات في العاصمة السعودية، ضمن مسعى «الرياض الخضراء» في تحقيق أحد مستهدفات «مبادرة السعودية الخضراء» و «رؤية السعودية 2030»، بزراعة 10 مليارات شجرة داخل البلاد.

ويستهدف البرنامج الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بمبادرة من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي في مارس (آذار) 2019، في زراعة 7.5 ملايين شجرة في العاصمة السعودية، وزيادة الغطاء النباتي إلى 9 في المائة من مساحة المدينة، إلى جانب رفع نصيب الفرد من المساحة الخضراء من 1.7 متر مربع إلى 28 متر مربع، والمساهمة في خفض درجة الحرارة وتحسين جودة الهواء بتقليل التلوث والغبار.