على ضفة نهر النيل بمحافظة الجيزة، استعاد المصريون احتفالات أجدادهم بالنيل العظيم في القرية الفرعونية، أمس الأربعاء، الذي كان يوافق عيد فيضان النيل. ويرجع تاريخ عيد «وفاء النيل» إلى نحو سبعة آلاف عام، حين كان المصريون القدماء يقدمون للنيل الورود والقرابين اعترافاً بفضله، واعتباره مصدر النماء والخير لبلادهم. وتدين الحضارة المصرية القديمة للنيل بالكثير، حيث قامت على ضفتيه أعظم الحضارات في تاريخ البشرية؛ لذا كان المصريون القدماء يحتفلون به ويجعلونه رمزاً للحياة، واختاروا الإله حابي رمزاً للنيل، و«حابي» تعني جالب السعادة، وخصصوا له يوم «وفاء النيل» احتفالاً شعبياً بفيضانه.
وقالت مديرة العلاقات العامة بالقرية رندا الشيخ، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إنّ القرية الفرعونية تحرص سنوياً على الاحتفال بهذا العيد المميز لدى قدماء المصريين، «وفاء النيل»، من خلال تنظيم موكب مماثل للمواكب الملكية أثناء الاحتفال بهذا العيد يشهده زوار القرية. وأضافت: «ويتم تجسيد شخصية الملك والملكة بالزي الفرعوني، ويقومان بإلقاء الورود في النيل، ويتم حملهما على كرسي العرش، ويستمر ذلك العرض لمدة نصف ساعة، أمام الزائرين بالقرية».
وعن طقوس هذا العيد لدى الفراعنة، قالت الشيخ: «كانت من مظاهر الاحتفال إلقاء بعض الدمى الخشبية قرباناً للإله حابي من أجل أن يفيض النهر. وفي يوم الاحتفال ينزل الوالي أو الملك من قلعته برفقة العديد من الأمراء في مراكب مزينة من مصر القديمة إلى مقياس النيل، ويظل هنالك حتى يفي النيل 16 ذراعاً، لتقام بعدها الاحتفالات «ويعطي الوالي الضربة الأولى بيده بمعول من فضة في المكان المحدد، الذي تعد فيه الفتحة التي سيخرج منها الماء من السد الذي يحجزها عن قناة فم الخليج ليدخلها الماء شيئا فشيئا» كما قال الجبرتي، «ثم تلقى دمية في النيل حسب الأساطير القديمة مع حفنة من النقود الذهبية والفضية في المياه المتدفقة، ويتبعها الحاضرون بإلقاء قطع النقود والأزهار وسط قرع الطبول وابتهاج الناس بقدوم النيل ووفائه في موعده».
وعن أسطورة «عروس النيل» وما إذا كانت حقيقة، يقول د. أحمد منصور، الباحث المتخصص في علوم المصريات واللغة الهيروغليفية بمكتبة الإسكندرية، إنّ القصة المتداولة بأن المصريين القدماء كانوا يلقون بناتهم في النيل هي أكذوبة لا صحة لها، ومغالطة تاريخية كبيرة. ويؤكد الدكتور أحمد منصور الذي حصل على درجة الدكتوراه برسالته عن الفيروز في مصر القديمة: Turquoise in Ancient Egypt: Concept and Role: «على أن المصري القديم حرص على القيام بطقسة أو شعيرة إلقاء تماثيل صغيرة مصنوعة من الفيروز الحر أي الفيروز الحقيقي؛ لكي يضمن فيضانا وفيرا من المياه. وردت هذه الطقسة في بردية هاريس الأولى، حيث كانت تتم في كل من منف (ميت رهينة، محافظة الجيزة)، وفي هليوبوليس (عين شمس)». مضيفا: «في الجزء الخاص بمدينة هليوبوليس في بردية، ورد أن الملك رمسيس الثالث كان يلقي ما يقرب من 21 تمثالا صغيراً في النيل، صنع أحد هذه التماثيل من الفيروز الحر، أي الفيروز الحقيقي الذي كان الملك يجلبه من سيناء خصيصاً للأغراض الدينية».
ويشير منصور إلى أن «المصري القديم اهتم بفيضان النيل باعتباره المصدر الأول للمياه التي هي سر الحياة في مصر القديمة. وكان حريصاً على الوفاء لهذا الشريان العظيم، فلم يسع إلى تلويثه أبداً، وقد وردت العديد من النصوص التي تشير إلى نجاة المتوفى من العقاب في الآخرة بفضل عدم تلويثه لنهر النيل».
مصريون يحتفلون بـ«وفاء النيل» في القرية الفرعونية
باحث: عروس النيل أسطورة... وكانت القرابين تماثيل من الفيروز الحر
مصريون يحتفلون بـ«وفاء النيل» في القرية الفرعونية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة