وفيق السامرائي

وفيق السامرائي
ضابط متقاعد وخبير استراتيجيّ عراقيّ

آمرلي بوابة النصر

لي ذكرى أعتز بها عن هذه المنطقة. فعلى مقربة منها شققت طريقي عندما غادرت متمردا على النظام قبل نحو 20 عاما، مشيا على الأقدام، في رحلة محفوفة بمخاطر كبيرة استمرت 30 ساعة. لذلك، كنت خلال 80 يوما من حصار آمرلي من قبل «الدواعش» أترقب خطوات إنقاذ نحو 30 ألف شخص يعيشون في قصبة وديعة محاطة بقرى سيطر عليها «الدواعش» المحليون، وغالبا ما يكون هؤلاء قساة كالمقبلين من خارج الحدود، كما حدث لجنود العراق في قاعدة سبايكر الجوية شمال تكريت.

رقصُ «الدواعش» على أنغام بايدن

مرة أخرى عاد نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الحديث عن تقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات (سنية، وشيعية، وكردية)، وكلما يتقدم الإنسان في العمر والوظيفة يفترض أن يزداد خبرة ومعرفة وتجربة وليس العكس.

استحقاقات عراقية حاسمة

عندما يتعرض بلد ما لحرب وجودية حاسمة كالتي تدور رحاها في العراق، وعندما تسود لغة «المكونات» بين السياسيين، التي تدفع بها بقوة مطالب مصالح فردية تسببت في احتقان متعدد الصفات، يصبح الحفاظ على كيان الدولة مهمة مقدسة، وتتقدم متطلبات الأمن الوطني على كل المتطلبات الأخرى، وتقع على السلطات التي تحترم وجودها مسؤولية تحريم الاستخدام الرسمي تحت قبة البرلمان لمفردات المفاصلة والتفكيك المتعددة، حيث يفترض أن تبدأ عملية الضبط والإصلاح من منبر البرلمان مباشرة. في الحالة العراقية، يعطي تهديد «داعش» في مرحلة تشكيل حكومة جديدة، فرصة لتصاعد مطالب الخصوم السياسيين وأصحاب الغرض السيئ الذين ينتهزون الفرص لتفتيت الع

لماذا استدار «داعش» عن بغداد؟

السؤال هو: هل استدار «الدواعش» عن بغداد فعلا؟ والجواب نعم من دون شك. غير أن الاستدارة لا تعني عدم القيام بعمليات إرهابية وتحريك خلايا نائمة اعتادت بغداد عليها، بل المقصود هو العمليات الرئيسة لمحاولة احتلالها أو احتلال مدن مهمة منها. وما حققه هؤلاء في الموصل وتكريت وسهل نينوى ومشارف أربيل كان أقرب ما يكون إلى السيناريوهات التخيلية وفق أهدأ الحسابات العسكرية والأمنية.

هل يوحد خطر «داعش» العراقيين؟

أخذت عمليات «داعش» في شمال العراق شكلا سافرا من عمليات التطهير العرقي والديني والطائفي لا سابق له في المنطقة العربية، وأكد بعملياته عدم استعداده للتعايش في مجتمع متعدد الثقافات، وثبتت سذاجة أفكار الذين راهنوا على أنهم قادرون على الاستفادة مرحليا من «الدواعش» ثم الانقلاب عليهم، وذاق البعثيون مرارة تصريحاتهم المؤيدة لاجتياح محافظة نينوى ومناطق مهمة من محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار، فلم يعطِ «داعش» مجرد اهتمام بسيط لتصريحاتهم، وبدأ يطالبهم بالبيعة الشاملة علنا أو التعرض للتصفية الجسدية. وارتكبت رئاسة إقليم كردستان خطأ كبيرا في توفير حاضنة آمنة لمن سموا أنفسهم ثوارا، وأخذوا يروّجون للعنف ويحد

«داعش» إلى أين؟

في المقال السابق، أشرت إلى أن فشل «داعش» المؤكد في بغداد وسامراء سيدفعه إلى تسخين الموقف في إقليم كردستان، مهما قيل عن أي شكل من خطوط التفاهم بين الطرفين، وهو ما حدث بعد يومين فقط من ذلك، حيث هاجمت قوات «داعش» وحدات البيشمركة في سد الموصل وقضاء سنجار ومنفذ ربيعة وغيرها من المواقع، وتمكنت من تحقيق نجاحات سريعة ومفاجئة على شاكلة ما حدث في الموصل، وفرضت السيطرة على مدينة سنجار وغيرها من مناطق الهجوم.

الوضع العسكري العراقي

مرت علينا معارك وحروب صعبة خلال فترة العمل في القوات المسلحة والاستخبارات العسكرية، شهد العراق خلالها سلاسل من النجاح والفشل، ولم أشعر يوما بأن مصير العراق مهدد وجوديا. ورغم الظروف المعقدة التي أعقبت سقوط الموصل على يد «الدواعش» لم تهتز صورة الثقة بقدرة العراق على تجاوز واحدة من أخطر الأزمات، وستظهر أوهام الحالمين بتفتيت العراق إلى دويلات عدة خطل أفكار الذين بنوا تصوراتهم على قواعد تفكير متخلفة لم تجلب غير المصائب والنكبات للشريحة التي يدّعون الدفاع عنها.

هل بقي لـ {الدواعش} حلفاء؟

التخلي عن ظالم معروفة هويته قد لا يكون براءة ذمة بقدر ما قد يكون تصحيح موقف لا يرتقي إلى مستوى الفضيلة. وخلال محاكمات النظام العراقي السابق، قال المدعي العام إن كل من ساهم بأي شكل في عمليات الأنفال ضد الكرد يعد شريكا، فسأله أحد المتهمين: وهل يشمل هذا من قدم الشاي يا سيادة القاضي؟ فرد عليه: نعم! ترى، هل تنطبق جريمة {الدواعش} بتهجير وقتل المسيحيين والتركمان والشبك في محافظة نينوى على من والاهم وتحالف معهم وغطى عليهم بادعاء وجود ثوار العشائر والبعثيين.. إلخ؟ وهل يكفي السكوت والتملص لتبرئة النفس، خصوصا بالنسبة للبعثيين الذين تأسس حزبهم على يد شخص مسيحي؟

هل تنسحب «دولة الخلافة» من الموصل؟

من بين ما دفعني إلى المعارضة العلنية لنظام صدام حسين قبل نحو عشرين عاما، هو إدراكي لحجم المآسي التي تترتب على قراءاته الكارثية، وعدم قدرته على قراءة المواقف واستنتاج الاحتمالات ضمن السياقات المنطقية. وها هو التاريخ يعيد نفسه في خطاب عزة الدوري نائب صدام، بإشادته بتنظيم القاعدة و«دولة الخلافة» تحديا للموقف الدولي، وهو ما جعلني أفكر في وجود مؤامرة عابرة للمحيطات، أدت إلى فيلم سقوط الموصل، الذي تعدى إخراجه اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

اقتحام بغداد

مجنونون أو جهلاء أولئك الذين كانوا يظنون أن ما حدث في الموصل وتكريت يمكنهم تكراره في سامراء وبغداد، فقد قيل لهم منذ البداية علنا إن هاتين المدينتين عصيتان عليهم، لأسباب تدخل في صلب تقدير مواقف العسكر والاستخبارات والأمن. وتغيير قواعد التفكير في هذا المجال يتطلب توقع حدوث حريق كبير لن يترك شيئا في منطقة الشرق الأوسط. وأيا كان الحاكم في بغداد، وأيا كانت الظروف والمعاناة، فإن طرق المعالجة الصحيحة لم تستنفد، وحتى إذا ما استنفدت، فالحريق لا يجلب غير الدمار الشامل، وهو خيار لا يمكن مجرد التفكير فيه. فور سقوط الموصل، بدأت مرحلة اتخاذ إجراءات دفاعية لمواجهة خطر التحرك باتجاه سامراء وبغداد.