فوزية سلامة

فوزية سلامة

انطلاقة خارج الجسد

خطر لي اليوم أنني وأنت وكل البشر يمضون ثلث الحياة في الفراش وهم في حالة سبات عميق. فهل يمكن أن نعد تلك الساعات ساعات ضائعة تختزل حياتنا على الأرض بمقدار الثلث؟ أم أن النوم،‬ بصرف النظر عن فوائده الفسيولوجية والنفسية، هو امتداد للحياة ولكن على مستوى آخر يلعب فيه العقل الباطن دور البطولة؟ كثيرا ما أفكر في الأحلام وفي معانيها وأحاول دائما أن أستبشر بما أحلم به، وخصوصا لو أفقت من نومي وأنا في حالة ارتياح وسرور. وعلى فترات متباعدة قرأت كل ما صادفني عن الأحلام وموقعها في الخريطة النفسية للأفراد، واكتشفت أن سيغموند فرويد كان من أوائل العلماء الذين انشغلوا بالأحلام وتفسيرها ومصدرها ومعانيها.

الشيب حلو والحياة شهية

أنا بنت مدينة. أحب جلبة المدن والشوارع الواسعة، والميادين التي تتوسطها مجسمات ونوافير وحدائق. وأحب مراقبة الأمهات الشابات وهن يدفعن بعربات الأطفال وفي العيون نظرة رضا وأمل في المستقبل‫.‬ في مخيلتي عدة مدن؛ منها باريس والقاهرة وبرشلونة والرياض وروما ولندن. أخيرا، اعترتني لحظة تنوير، فإذا بلسان حالي يهتف بأنني أحب تلك المدن بالتحديد، لأن كلا منها تتميز بمبان وآثار لا تبرح ذاكرتي. فالقاهرة لا تنسى بعد ليلة مقمرة وإطلالة مسائية من شرفة الفندق على أضواء المدينة، تتوسطها الأهرام.. ومن منا زار باريس ولم يقف أمام برج إيفل؟

خلاص.. خلاص.. خلاص

للكلمات سحر لا يفوقه أي سحر. الكلمة تؤثر والمستمع يتأثر. وحين أمر الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم أن «اقرأ باسم ربك الذي خلق»، أصبح الأمر فرضا على الإنسان أن يستمع وأن يقرأ. حكايتي مع الكلمة امتدت عبر السنين. وإن صدق ما أكدته لي أمي، فأنا كنت طفلة اختصرت المسافات في السعي نحو الكلمة بحيث إنني تكلمت قبل أن يكتمل العام الأول من حياتي. ولا أبالغ إن افترضت أنني كنت أسعى نحو الكلمة والكلمة تسعى نحوي إلى أن عثرت عليّ وأسبغت عليّ نعمة لا تعادلها أخرى. أبتسم خجلا ودهشة حين أتذكر أنني كنت أراسل المجلات الأدبية وأنا في الرابعة عشرة أملا في أن أصير كاتبة.