في حقل الألغام (الحلقة الأولى) ـ «الشرق الأوسط» تنشر مذكرات أول رئيس للحكومة العراقية بعد سقوط صدام

تسلم الدكتور اياد علاوي، رئاسة الحكومة العراقية في نهاية يونيو (حزيران) عام 2004، وهي الحكومة ذاتها التي تسلمت سيادة العراق من سلطات الاحتلال التي كان يترأسها الحاكم المدني السفير الاميركي بول بريمر. وكان كل شيء في العراق منهارا، فقد حل بريمر الجيش والدولة ومعها كل المؤسسات الأمنية والمدنية. وكان على علاوي ان يبني كل شيء من جديد في ظل ظروف صعبة ومعقدة للغاية.
الرئيس السابق للحكومة العراقية علاوي روى لـ«الشرق الاوسط» عبر جلسات عدة تفاصيل واسرار مرحلة بناء دولة العراق من جديد. ذلك وان كان علاوي يسير وسط حقل من الألغام تواجهه المطبات هنا وهناك... لكنه لم يتعب، لم ييأس ولم يتخل عن مسؤولياته كرجل دولة وسياسي قدير وباني مرحلة جديدة من تاريخ العراق.

تحدث علاوي كأول عراقي ترأس الحكومة العراقية بعد إنهاء نظام صدام حسين، وعن أبرز العقبات التي واجهت القوى السياسية العراقية وعن خفايا المشروع الاميركي لتشكيل حكومة عراقية في ظل الاحتلال. وكشف علاوي عن المعارك بينه وبين الحاكم المدني الاميركي بول بريمر، بعدما وقف علاوي بشدة ضد قرارات حل الجيش العراقي ومؤسسات الدولة. وسرد علاوي كيف أنه طالب بإحالة البعثيين الذين اقترفوا جرائم ضد الشعب العراقي بدلا من تطبيق قانون اجتثاث البعث الذي اثر على كثير من عوائل الموظفين الابرياء. والصدام بين الرجلين ادى الى ان ترك علاوي بغداد الى لندن، وكيف انه (علاوي) نشر في كبريات الصحف الاميركية وجهات نظره المخالفة لطروحات وإجراءات بريمر الذي لم يتردد علاوي في إطلاق صفة الدكتاتورية عليه وقتذاك.

ويخص علاوي «الشرق الأوسط» بطرح الاسباب التي أدت الى محاربته سياسة اجتثاث البعث، قائلاً: «فكرة البعث انتهت.انا كنت عضوا في حزب البعث وتركته منذ سنوات طويلة. البعث انتهى كفكر وتنظيم لكن سياسة الاجتثاث بدأت بإعادة البعث». ويؤكد علاوي على حيازته معلومات تفيد بأن غالبية البعثيين الذين طردوا من وظائفهم التحقوا بالخلايا الارهابية للحصول على لقمة العيش. ويكشف علاوي من خلال صفحات «الشرق الأوسط»، اسم المرشح لتولي رئاسة الوزراء قبله، وكيف وقعت المسؤولية عليه. ويتحدث عن ظروف تشكيل اول حكومة عراقية بعد الاحتلال وتسلم السيادة.

واتسمت الجلسات التحضيرية للحلقات المقبلة بالصراحة بسبب طبع علاوي المباشر والواضح، مما جعله يفصح لـ«الشرق الاوسط» عن خفايا كثيرة عن فترة توليه قيادة الحكومة العراقية. وقررت «الشرق الأوسط» نشر تجارب علاوي كما رواها، من دون تدخل تحريري، الا في تغييرات بسيطة لضرورات النشر الواضح.

في اواخر شهر ابريل (نيسان) وأوائل (مايو) أيار عام 2003، بدأت اجتماعات ونقاشات مع الحاكم الاميركي العسكري الجنرال جي غارنر الذي كان قد التقى بالاحزاب العراقية الرئيسية السبعة : الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة الوفاق الوطني العراقي والمؤتمر الوطني العراقي وحزب الدعوة الاسلامي والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية والحزب الشيوعي العراقي. وعندما التقى بنا، كان من جملة الحاضرين زلماي خليل زاده السفير الاميركي الحالي لدى العراق، وكان وقتذاك يعمل في الأمن القومي مع مستشارة الأمن القومي الاميركية في حينها كوندوليزا رايس. ومن جانب الوفاق، حضرت انا وابراهيم الجنابي وعماد شبيب (اعضاء المكتب السياسي للوفاق الوطني العراقي).

وفي لقائه مع الوفاق الوطني السياسي قال غارنر انه طلب رؤيتنا للاستماع الى رأينا بتشكيل حكومة عراقية. فسألته ان كان جاداً في سؤاله ام لا، فأجاب: انا جاد في هذا الموضوع . فقلت له عندنا سؤالان حتى نستطيع الاجابة على طلبك : الاول ما هي صلاحيات وقوة هذه الحكومة التي تريدون تشكيلها، وما هي قوتها على أرض الواقع، فهل تستطيع ان تفرض بعض الصلاحيات وتدير شؤون الدولة بعد ان حلت من قبلكم ودمرتم مؤسساتها؟ والسؤال الثاني كان: ما هو ارتباط هذه الحكومة بكم وما هو دوركم فيها ؟ وواصلت كلامي قائلا له: اذا كنت تعتقد ان سياسيا عراقيا مثلي سيتلقى اوامره من ضابط اميركي فانسَ الأمر. فسألني قائلاً: كيف ستمشي الأمور اذا لم نشكل حكومة ؟ فأجبته: نحن مع تشكيل الحكومة ولسنا ضدها، ولكن من الضروري تحديد ما هي قوة هذه الحكومة على الارض وكيف ستمارس سلطاتها وصلاحياتها.

وبعد نقاش طويل مع غارنر، وصلنا تقريباً الى طريق مسدود حيث لم يكن لديه اي جواب او خطة، وعندها سألني: ما هو الحل برأيك ؟ فقلت له هناك حل واحد لا غير، وهو ان تصير سلطة عراقية وان تكون هناك صلاحيات تدريجية لهذه السلطة ثم تنتقل السيادة لها، غير هذا «ماكو اي حل (لا يوجد حل)» اما اذا كنتم تعتقدون ان بامكانكم تشكيل حكومة صورية وتأخذ اوامرها منكم، فهذا لن يتحقق.

* مشاورات وخطط لإدارة الشؤون العراقية... بأيد عراقية: وبعد أسبوع، اتصل بي خليل زاده من واشنطن على هاتف الثريا الخاص بي، وقال بالنص ان الحكومة الاميركية ترى ان رأيك هو الصحيح والواقعي، ونحن بعد حل الدولة ليس لنا سوى هذا الخيار. وأضاف ان الحكومة الاميركية عينت شخصا جديدا اسمه بول بريمر لادارة شؤون العراق وسيصل بغداد قريباً وسيتصل بك بعد 3 ايام.

اتصل بي السفير الاميركي رايان كوكر، وزارني في مكتبي وصار يبحث عن تصورنا حول السلطة. وشرح السفير ان بريمر يريد ان يكون هذا التصور واضحاً عندما يأتي، فقلت له بكل وضوح: نحن نريد تشكيل هيئة تنفيذية وسلطة إدارية وسلطة تشريعية وتشكيل دستوري. وأكدت له ان هذه هي الطريقة للتحرك الى أمام. وكنت ارسم له هنا في هذا المكتب تصورنا لهذه المؤسسات، ولم يكن هناك مجلس حكم بل كنت اخطط له بقلمي على الورق تشكيلات الإدارة والمجلس التشريعي ومجلس دستوري هو عبارة عن مجلس خبراء. واذكر ان كروكر، وهو حاليا سفير الولايات المتحدة في باكستان، قال: هل استطيع ان آخذ هذه الاوراق، التي خططت وكتبت فيها تصوري عن المؤسسات الثلاث التنفيذية والتشريعية الدستورية، فلم أر مانعا بذلك وأعطيته إياها.

وفي اليوم التالي، جاءني جون سوس، ممثل المملكة المتحدة الى المكتب، وايضاً دار الحديث بذات الاتجاه ولكن بتفاصيل وتعمق أكثر. وناقشنا نقاطا مثل ما هو عدد اعضاء كل مجلس، وماذا يعني كل مجلس، وكان في رأيي ان يكون عدد اعضاء المجلس التنفيذي 11 وألا يتجاوز الـ15 في احسن الاحوال.

وفي ذلك الوقت، كان الاخوة في القوى السياسية العراقية يعملون باتجاه تشكيل حكومة، بينما كنت اقول لهم ان مسألة تشكيل الحكومة مسألة صعبة. فكنت اكرر انه من الواجب التذكر بأن ليس عندنا شيء نبني عليه والحكومة تحتاج الى اجهزة وقضاء واموال وشرطة واجهزة أمنية وكل هذا غير متوفر لدينا.

* وصول بريمر... وبدء بوادر النزاعات:

وصل بول بريمر الى العراق يوم 12 مايو عام 2003 ليحل محل بول غارنر. وفور وصوله بدأ يناقش مقترحاتي في ادارة الاحتلال ومع القوى السياسية العراقية، المتركزة في الاحزاب السبعة. وكانت الاجتماعات المكثفة إما تعقد عندنا في مكتب حركة الوفاق او في منزل الاخ مسعود بارزاني او جلال طالباني، وكان يحضرها الاخوة مسعود بارزاني وجلال طالباني وعبد العزيز الحكيم واحمد الجلبي وابراهيم الجعفري وحميد مجيد موسى. حقيقة كنا نناقش كقوى سياسية ناضلنا ضد نظام صدام ونتساءل: هل علينا ان نشترك في الحكومة ام لا ؟ ثم استقر رأينا على المشاركة وعدم ترك العراق في مهب الريح في ظل الأوضاع التي كانت سائدة وقررنا المساهمة بخبراتنا المشتركة وتاريخنا النضالي ورؤيتنا في بناء الدولة من جديد وتسريع فترة البناء والاسراع باستلام السيادة، وكان هذا خيارنا المعقول والممكن تحقيقه.

ونتيجة الحوارات تكوّن الرأي بالشكل التالي: تشكيل مجلس حكم كسلطة تشريعية، وتشكيل مجلس وطني ما يشبه البرلمان، وان يشكل مجلس الحكم بدوره مجلسا للوزراء كسلطة تنفيذية على ان يكون تابعا لسلطة التحالف. وهنا برزت نقطتان خلافيتان، الأولى تتعلق بعدد أعضاء مجلس الحكم، حيث كان العدد المطروح من قبل قوات التحالف ما بين 30 الى 35 عضوا، بينما انا اقترحت ان يكون العدد ما بين 11 الى 15 عضو. وشرحت ان العدد اذا صار 35 فسيكون من الصعب الوصول الى قرارات، فأحياناً من الصعب ان يتفق 5 على قرار واحد. النقطة الخلافية الثانية كانت قضية مشاركة البصرة في المجلس وتمثيلها. وقد تأخر الاعلان عن المجلس لثلاثة ايام بسبب اننا كنا قد رشحنا وائل عبد اللطيف، والمرحوم عز الدين سليم، كعضوين في المجلس ممثلين عن البصرة، بينما كانت قوات التحالف قد رشحت أسماء غريبة عجيبة ما انزل الله بها من سلطان، متجاوزة مسألة تمثيل البصرة في المجلس.

ونحن في حركة الوفاق كانت لنا رؤيتنا وكان لنا تنظيم في البصرة وكانت لنا علاقات مع تنظيمات عز الدين سليم وكان وائل عبد اللطيف منتخبا كمحافظ للبصرة. وتأخر الاعلان عن تشكيل المجلس حتى ذهب جون سوس بنفسه الى البصرة والتقى مع عز الدين سليم. اما المرشحون الاخرون، فلم يكونوا مقبولين على الاطلاق ولا اريد الدخول في اسباب عدم قبولهم. ورأيت ان عدد اعضاء مجلس الحكم اذا صار 35 شخصا فسوف يتحول الى «سوق هرج (مكان مليء بالضجيج)».

* قرار الذهاب إلى لندن... والعودة ثانياً: مع تزايد التعقيد في مسألة تأسيس المجلس، قررت ان اترك كل شيء وابتعد عن العراق ولا اشارك في المجلس. ولذلك، ركبت الطائرة وغادرت الى عمان مع احد زملائي، ومن عمان اردت الذهاب الى لندن ولكنني لم اجد طائرة فسافرت الى دبي على ان اغادر من هناك الى لندن مباشرة. وغادرنا دبي الى لندن بعد منتصف الليل.

وفي لندن، مورست علي ضغوط كبيرة للعودة الى بغداد. وبالفعل لم اكن راغبا بالمشاركة في العمل في مجلس الحكم. وتم تخفيض العدد الى 25 عضوا ووجدت ان هذا العدد كبير ايضا، لكن صار إلحاح من قادة القوى السياسية ومن قيادة الحركة للعمل في المجلس فعدت ثانية الى بغداد.

وطرح موضوع البصرة مرة ثانية واصررنا على عدم قبول مرشحي سلطة التحالف. حتى اهل البصرة كانوا سيرفضون الاسماء المرشحة. والتقى السفير سوس مع عز الدين سليم ووائل عبد اللطيف وتمت الموافقة عليهما وتم تشكيل مجلس الحكم وكلف محمد بحر العلوم لادارة الجلسات كونه اكبر الاعضاء سناً، وهو سيد جليل ومناضل كبير، ولم يتم اختيار رئيس للمجلس وقتذاك.

وفي ما يتعلق برئاسة المجلس، صارت هناك عدة آراء وهي ان ننتخب رئيسا واحدا او تشكيل هيئة رئاسة من اثنين او ثلاثة، ثم استقر الرأي على ان يكون رؤساء المجلس 5 اشخاص، وهم قادة الاحزاب الرئيسية المعارضة التي كانت في الخارج، وهي حركة الوفاق والمؤتمر والحزبان الكرديان الرئيسيان (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية. ثم توسع الموضوع الى 7 اشخاص، وصار إلحاح من بعض الاخوة لان يكون لهم تمثيل في رئاسة المجلس، وبعد النقاشات تم الاتفاق على 9 اعضاء لرئاسة مجلس الحكم وتم التصويت من قبل جميع الاعضاء على ذلك. وهكذا تكونت هيئة رئاسة مجلس الحكم. وبسبب مخلفات العمل في المعارضة في الخارج تقرر ان تكون رئاسة المجلس دورية على ان يتولى كل من التسعة اشخاص الذين اختيروا لرئاسة المجلس الرئاسة لمدة شهر وحسب تسلسل الحروف الابجدية وكان اول رئيس للمجلس ابراهيم الجعفري ثم احمد الجلبي ثم انا.

* معاركي مع بريمر: كانت هناك جملة مواضيع في وقتها كنت ضدها واصطدمت مع بريمر بصددها. ومن أبرز هذه النقاط مسألة حل الجيش واجتثاث البعث، بالاضافة الى مسائل أخرى تتعلق بصلاحيات المحافظات حيث منح بريمر مجالس المحافظات شبه استقلالية على القرار المركزي. وكان هذا القرار طبعاً يمثل رأيا موجودا في وزارة الدفاع الأميركية والولايات المتحدة، لهذا انتهيت شخصياً الى ان هذه المسألة يجب ان تكتب على صفحات الصحف الاميركية. وكتبت مقالات نشرت كافتتاحيات لأهم الصحف الاميركية، مقال في «نيويورك تايمز» وآخر في «واشنطن بوست» وكلا المقالين ينددان بالسياسة الاميركية المتبعة في العراق ومنها حل الجيش ومؤسسات الدولة ومسألة اجتثاث البعث. وطالبت من خلال المقالات ان تكون مسألة اجتثاث البعث قضية قانونية وليست سياسية وان لا نسلط السيف على رقاب الناس لانهم كانوا بعثيين، فنعاقب ونفصل معلمة في النجف، او معلما في كربلاء، وآخر في البصرة، بل ان نحيل البعثيين الذين اقترفوا جرائم ضد الشعب الى القضاء.

نشر المقالات في الصحف الاميركية ولد ردة فعل لدى بريمر، خاصة اعتراضي على حل الجيش العراقي. ففي مقابلة مع الـ«واشنطن بوست» تحدثت عن تنظيم الجيش مثلاً وقلت إنه لا توجد دولة بلا جيش واذا وجد الجيش يجب ان تكون له قوات مدرعة وقوات ردع (القوات الخاصة) التي يجب ان تتحرك ضد الارهابيين والقوى المتمردة. هذه المقالات اثارت لدى بريمر استياءً شديداً، واذكر اني كنت عائداً من كوالالمبور وكنت الرئيس الدوري لمجلس الحكم فرأست وفد العراق لمؤتمر الدول الاسلامية في كوالالمبور، وكان سيعقد بعد يومين مؤتمر الدول المانحة في اسبانيا الذي كنا قد رتبنا له. وكنت في طريقي إلى مدريد لإلقاء كلمة العراق لكن مجابهة عاصفة حدثت بيني وبين بريمر.

* المواجهة مع بريمر: وعندما عدت من كوالالمبور جئت عن طريق دولة الامارات، والاخوان هناك اعطونا مشكورين طائرة عسكرية خاصة اقلتنا الى بغداد. وعند الوصول الى بغداد، وجدت الدنيا قائمة ولم تقعد، السكرتارية والمستشارون ومعاوني أبلغوني بان لي موعدا طارئا مع بريمر. وكان هذا احد اللقاءات العاصفة بيني وبينه. قلت له: اذا كانت المواضيع التي نشرت في الصحافة (الاميركية) لم تعجبك فأنا شخصيا سأنشر مقالات اقوى مما نشر بكثير، وقلت له: عليكم ان تفهموا اننا اولاً لا مشكلة لنا مع الولايات المتحدة ولكننا غير راضين عن السياسة التي تؤدي الى تدمير البلد وتفكيكه، ولا اعتقد ان هذه هي السياسة العامة التي تصب في مصلحة الولايات المتحدة الاميركية. وحتى اذا كانت هذه السياسة تصب في مصلحة الولايات المتحدة، فنحن ضدها جملة وتفصيلاً، وليس من حقك ان تعترض. فرد بريمر قائلاً: لقد احرجتني كثيراً في مقالاتك وتصريحاتك التي تقول فيها نحن لا نريد هذا ونحن نريد ان نعمل كذا.وانا بالمناسبة لم اكن اتحدث عن هذه المواضيع مع الادارة الاميركية والادارة البريطانية فقط، بل مع قادة دول عربية واسلامية وأحثهم على تبني وضع العراق والمشروع الوطني العراقي الذي يقضي الى تشكيل قوات مسلحة ووزارة دفاع واجهزة أمنية. وكنت اتحدث مع القادة العرب بشكل مستمر للضغط على الولايات المتحدة للتراجع عن مسألة اجتثاث البعث التي تحولت من سيف سياسي مسلط على رقاب البعثيين وغير البعثيين وضرورة التعامل معها قضائياً.

بعد هذا اللقاء مع بريمر دعيت لزيارة الولايات المتحدة، وكنت ما ازال في رئاسة مجلس الحكم وقتذاك. صارت عندي اجتماعات هناك وكنت قد جهزت نفسي بأنه سيحدث صدام آخر، وتوقعت ان بريمر نقل كلاما سلبيا عني وان هناك حالة استياء من المقالات التي نشرتها. وكنت مستعدا لمواجهة هذا الموضوع لانني كنت مؤمنا به تماماً كشخص وكحركة وفاق.

وصار حديث مع الاميركيين حول الحملة التي قدناها ضد حل الجيش ومؤسسات الدولة، ولنا الفخر في حركة الوفاق الوطني العراقي اننا قدنا هذه الحملة.

ونتيجة الاجتماعات والنقاشات مع المسؤولين في الادارة الاميركية توصلت الى ضرورة تشكيل وزارة الدفاع، بالرغم من بريمر، وتشكيل جهاز المخابرات الوطني العراقي. حاول بريمر الاعتراض على هذه التشكيلات لكن قناعة تولدت في اميركا وبريطانيا وفي الدول العربية الصديقة لدعمنا وصارت الموافقة على تشكيل وزارة الدفاع.

وفي مجلس الحكم كنت العضو المنتخب المسؤول عن الملف الأمني. لهذا بدأنا نناقش في اللجنة الأمنية مسألة تشكيلات وزارة الدفاع وتشكيل جهاز المخابرات الوطني العراقي وشكلت هذه الاجهزة قبل انتقال السيادة الى العراقيين وتم تعيين وزير للدفاع وكان رئيس الوزراء وقتذاك هو بريمر نفسه.

وكان هناك استياء من بريمر عندما وجد ان الموقف المعكوس هو الذي انتصر عليه وعلى قراراته، وهي اعادة تشكيل وزارة الدفاع والمخابرات. ومن جملة الامور التي هاجمتُ الحاكم الاميركي فيها هي فكرة تسمية الجيش بـ«الدفاع المدني» التي اقترحها هو. وخلال لقاءاتي في الولايات المتحدة قلت لهم لا يتناسب مع كرامة العراق ان يسمى جيشه بالدفاع المدني، والمعروف ان اختصاصات الدفاع المدني هي إطفاء الحرائق ومساعدة الناس في الكوارث، مع اعتزازنا بالمهمات التي يؤديها الدفاع المدني. عندما انتقلت لنا السيادة اتخذنا قرارا بتسمية الجيش العراقي والحرس الوطني ثم اتخذت قرارا فيما بعد بتحويل الحرس الوطني الى الجيش العراقي.