عبد الكريم غلاب جمع بين النضال والصحافة والإبداع

الأوساط الثقافية والصحافية والسياسية المغربية تنعى صاحب «المعلم علي»

عبد الكريم غلاب
عبد الكريم غلاب
TT

عبد الكريم غلاب جمع بين النضال والصحافة والإبداع

عبد الكريم غلاب
عبد الكريم غلاب

«الرائعون يرحلون تباعاً»، هكذا قدم عادل بن حمزة، الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال المغربي، لخبر رحيل الكاتب والأديب والسياسي المغربي عبد الكريم غلاب، الذي وافته المنية ليلة الأحد، عن سن 98 عاماً. وأضاف: «غادرنا إلى دار البقاء صاحب (مع الشعب) الأستاذ الجليل والصحافي اللامع والكاتب والروائي عضو مجلس الرئاسة بحزب الاستقلال السي عبد الكريم غلاب صاحب روائع (المعلم علي) و(دفنا الماضي)».
نفس نبرة الحزن والأسى، بخصوص وفاة «المناضل الاستقلالي الكبير، والصحافي والأديب الأعز»، حملهما موقع جريدة «العلم»، لسان حزب الاستقلال، الذي وصف الحدث بـ«المناسبة الأليمة» و«الرزء الفادح والخطب الجلل».
من جهته، نعى اتحاد كتاب المغرب رئيسه السابق، فقال عنه إنه «كان مؤسِّساً في كل شيء، في النضال والصحافة والسياسة والأدب، إذ اجتمع فيه ما تفرق في غيره، فكان بحق مؤسسة قائمة، ومن طينة كبار رجالات المغرب الذين حاربوا في مختلف الجبهات، وتركوا بصمتهم في كل ما لامسوه وجربوه. هكذا، يمكن الحديث باطمئنان على أن الرجل صاحب «مات قرير العين»، لم يخلف وراءه مساراً حافلاً بالنضال والعطاء والإنتاج فقط، بل خلف لنا مكتبة كاملة ومدرسة قائمة، تمتد بين الإبداع والتاريخ، وبين النضال السياسي وبناء ثقافة وصحافة وطنيتين حديثتين».
وجاء في البيان، أن «اتحاد كتاب المغرب والوطن برمته، تلقيا بأسى وحزن بالغين، نبأ وفاة رئيس الاتحاد الأسبق الأديب والصحافي والمؤرخ والسياسي المغربي الكبير الأستاذ عبد الكريم غلاب، أمس الأحد بمدينة الجديدة، عن عمر ناهز 98 عاماً»، مشيراً إلى أنه ولد بفاس سنة 1919، وتلقى تعليمه الأول في المدارس الحرة، ثم في كلية القرويين ابتداء من سنة 1932، قبل أن يسافر، بعد ذلك، إلى القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) 1937، حيث التحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة (فؤاد الأول)، سنة 1940، وتخرج منها سنة 1944 (قسم اللغة العربية)؛ وأنه بدأ في نشر كتاباته الأولى عام 1936، إذ كتب أول مقال له في مجلة «الرسالة» القاهرية، وواصل التأليف في مختلف الميادين الأدبية والثقافية والنقدية والسياسية والتاريخية، هو الذي اشتهر في الصحافة بعموده الشهير «مع الشعب» بجريدة «العلم».
وتوقف بيان الاتحاد عند المسؤوليات التي تقلدها الراحل على رأس هذه المنظمة العتيدة، باعتباره ثاني رئيس لاتحاد كتاب المغرب (1968 _ 1976)، فقال: «أتت حقبة السبعينات لتحمل إلى الواجهة اسماً بارزاً في الحركة الثقافية الوطنية، هو الأستاذ عبد الكريم غلاب، فتحمل، باعتباره رئيساً جديداً للاتحاد، ترجمة توصيات المؤتمر الثاني الذي شهدت وقائعه قاعة مدارس محمد الخامس بالرباط. وتقع في صميم هذه النقلة النوعية مسألة الاستقلال عن السلطة الحكومية، ومن جانب آخر، اتسمت الفترة التي قاد فيها الراحل الاتحاد (ثلاثة مؤتمرات) بالتوجه نحو تفعيل دور المنظمة كأداة ثقافية تساير التطلعات الوطنية في التغيير والتحديث. خلف كاتبنا الراحل أزيد من 75 كتابا في الرواية والقصة والأدب والسياسة والفقه الدستوري وتاريخ المغرب. وفاز بجائزة المغرب للكتاب في الآداب ثلاث مرات عن رواياته، «دفنا الماضي» سنة 1968، و«المعلم علي» سنة 1974، و«شروخ في المرايا» سنة 1994. وفضلا عن ذلك، انتخب الفقيد أمينا عاما للنقابة الوطنية للصحافة المغربية عند تأسيسها سنة 1961، وجدد انتخابه في كل المؤتمرات إلى سنة 1983».
وختم البيان بالإشارة إلى حرص الأديب الفقيد على مواكبة مسار اتحاد كتاب المغرب وتطوره وعمله، ولم يبخل قط عن هيئاته المسيرة بالنصيحة والمشورة، فكرمه الاتحاد في مؤتمره الثامن عشر بما يليق برائد مؤسس، بمثل ما حرص الفقيد على حضور بعض أنشطة الاتحاد، حتى وهو يعاني من ظروف صحية صعبة، بما يكنه - رحمه الله - لهذه المنظمة التي ساهم في تأسيسها من تقدير واهتمام ورعاية، كان آخرها حضوره المشرف بمقر الاتحاد حفل تبرع الأديبة خناتة بنونة بجائزة القدس، التي منحت لها من الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، بمسقط عام 2015، باقتراح من اتحاد كتاب المغرب، لوكالة مال بيت القدس بالرباط».
ويبقى تكريم الراحل، قبل ست سنوات، ضمن فعاليات الدورة الـ33 لموسم أصيلة الثقافي الدولي، من بين أبرز المواعيد التي احتفت بتجربة مبدع «دفنا الماضي» و«المعلم علي» وكاتب «مع الشعب». واعتبر الراحل تكريمه، وقتها، بأنه «ليس تكريم أشخاص عابرين، تكريمهم قد لا يزيد ولا ينقص، ولكنه تكريم للثقافة والفكر والأدب»؛ قبل أن يضيف: «أذكر دائماً أنني لم أكن وليد نفسي، فأنا ما أعطيت لنفسي مكانتي أو عملي ولكني كنت وليد تربية وتثقيف وتعليم، فمنذ صغري كان الأساتذة مربين قبل أن يكونوا معلمين، وكانوا مثقفين قبل أن يكونوا أساتذة علم، وكان الأستاذ منهم يراعي الأطفال الذين يتعلمون عنده كما يراعي أبناءه ويعلمهم كيف يسيرون في الحياة، يعلمهم الرجولة ويعلمهم كذلك الاستمرار في العمل، ويعلمهم التواضع، ويعلمهم الانطلاق في مسيرة لا نهاية لها إلا بالموت، وهذا سر ما تمتع به كثير من العلماء والمثقفين في المغرب الذين كان من حظهم أن يتعلموا وأن يتثقفوا على يد معلمين وأساتذة وطنيين قبل أن يكونوا رجال علم، ولذلك أعتقد أنه منذ الصغر انفتح فكري على كل هذه العوالم لأنني سمعت عنها الكثير، ودهشت لأني سمعت لأول مرة، واكتشفت ما تحدث به الإخوة، واكتشفت كثيراً مما تحدثوا به، وحاولت أن أرجعه إلى مصدره الأول فوجدت أن المعلمين الأوائل كانوا مصدر كل معرفة وكل أدب. وفي نظري أنا، على الأقل، لم تعد للأدب القيمة الكبرى، أو على الأقل، ليس له القيمة الكبرى في بلادنا مثل ما هي لبلاد مستغنية عن كل شيء، ويبقى الأدب ترفاً يحتفل به الأدباء والمثقفون والكتاب المحترفون، لا، إن الأدب والكتابة في الأدب وفي الثقافة مسؤولية ورسالة، فإذا لم تكن تستطيع أن تقول شيئا لبلادك، أن تحمل رسالة لبلادك فلا داعي لأن تكون كاتباً ولا شاعراً ولا مؤلفاً ولا روائياً، عليك أن تهتم بشيء آخر، أما الأديب في بلاد مثل بلادنا فيجب أن يكون واعيا بالمسؤولية وعاملا لمصلحة الوطن وداعيا ويعيش دائما بالشعب ومع الشعب، لا أن يعيش في برج عاجي يفرض الآراء وينشر الأفكار الوهمية أو الأفكار الهيولية على الناس، لا، الأدب في بلادنا أدب رسالة، والأدباء حاملو رسالة وثقافة وعمل». وختم بالقول: «أرجو أن أكون قد وفقت في بعض ما كتبت، وكتبت الكثير، ربما فيه الغث وفيه الثمين، ولكن مع ذلك ما قصدت إلا الخير والعمل من أجل بلادي. فقد ربطت طيلة مساري بين المثقف والوطني، بين الحبس والبرلمان، ربطت بين الكاتب والمناضل من أجل البلاد والوطن، هكذا تعلمت، وهكذا سرت في حياتي، إذا قرأت آخر ما كتبت أو أول ما كتبت ستجد أن هناك خيطاً يصل بين أول ما كتبت وآخر ما كتبت، وهذا الخيط هو هذه الروح الوطنية الصغيرة التي تنفث روحها في القلم وفي الكلمة في القطعة في المقالة وهكذا، في القصة وفي الرواية في البحث وفي الكتاب».
من جهته، وصف محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة الثقافي، عبد الكريم غلاب بالمثقف الشامل، الذي يصعب حصره في خانة دون أخرى، معتبراً أنه «أثرى» المشهد الثقافي المغربي على مدى أكثر من نصف قرن، ف«أمتع وأفاد أجيالا ووجهها نحو قيم الحرية ومكارم الأخلاق»، مشيراً إلى «ما أسداه لوطنه وللفكر من عطاءات غزيرة ومميزة، ستظل شاهدة على غنى وعمق شخصيته الفذة». ثم أضاف: «السيد عبد الكريم ليس منتجا عاديا لتلك الأجناس الأدبية، ولكنه مؤصلها ومطورها ومجددها، أدخلها إلى صفحات السجل الثقافي المغربي. واستحق على كل ذلك بجدارة صفة (مؤسس الرواية المغربية الحديثة). فعمله السردي الرائد (دفنا الماضي) يعد بإجماع من درسوه، أول رواية مغربية حديثة، مكتملة الشروط الفنية. وهي المعتبرة أيضاً بمثابة وثيقة وصفت بمهارة فنية عالية، أطوار الصراع والانتقال في مجتمع، هو المغرب، يحاول أن يتخلص من أغلال الماضي وقيوده التي استحقت الدفن، لينخرط في الزمن الحاضر بمشكلاته وتعقيداته وليعانق المستقبل بآماله وتطلعاته. إلى جانب هذه القامة السامقة في دنيا الأدب، تُبهرنا في سيدي عبد الكريم غلاب قدرته الاستثنائية على الجمع والتوفيق بين متاعب العمل السياسي ومحنه، باعتباره أحد أبرز قادة حزب الاستقلال، وبين الانشغال بهموم الفكر وكأنه منقطع لها، وكذلك التأليف في عدد من الحقول المعرفية، توزعت بين النقد الأدبي والتاريخ والسياسة والاجتماع، وغيرها من القضايا التي أثارت الجدل في فترة من تاريخنا الحديث مثل المسألة اللغوية والدستورية والإصلاح القروي والسياسي ودور النخب في الحراك العربي، حيث كان المدافع بقوة الحجة والإقناع عن الرأي الصائب. ونحن إذا ما ألقينا نظرة أولى على جرد مؤلفاته المطبوعة والمنشورة، فلا بد أن يتملكنا شعور بالإعجاب بتلك الموسوعية وبالقدرات الفائقة، التي تنم عن إخلاص يندر أن يوجد مثيل له بين عموم الكتاب».



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.