السودان: جيش الحركة الشعبية يعلن ولاءه الكامل لقيادة الحلو

قادة التمرد يردون بعنف على عقار وعرمان... ويَسمونهما بالخيانة

قادة {الحركة الشعبيةـ الشمال}: (من اليسار) عبد العزيز الحلو ومالك عقار وياسر عرمان (غيتي)
قادة {الحركة الشعبيةـ الشمال}: (من اليسار) عبد العزيز الحلو ومالك عقار وياسر عرمان (غيتي)
TT

السودان: جيش الحركة الشعبية يعلن ولاءه الكامل لقيادة الحلو

قادة {الحركة الشعبيةـ الشمال}: (من اليسار) عبد العزيز الحلو ومالك عقار وياسر عرمان (غيتي)
قادة {الحركة الشعبيةـ الشمال}: (من اليسار) عبد العزيز الحلو ومالك عقار وياسر عرمان (غيتي)

ردت قيادة جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال، بعنف على تهديد قيادة الحركة الشعبية السابقة باتخاذ خطوات أجلتها بهدف استعادة وحدة شقي التنظيم، الذي يعاني انقساماً رأسياً منذ أشهر، وأعلنت تأييدها الكامل للرئيس المكلف عبد العزيز آدم الحلو، معتبراً أي محاولة لتجاهل قيادته خيانة لمشروع «السودان الجديد».
وتعاني الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي تقاتل الجيش الحكومي في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ 2011، من انقسامات رأسية حادة منذ مارس (آذار) الماضي، أدت للإطاحة برئيس الحركة مالك عقار وأمينها العام ياسر عرمان، وقضت بتنصيب نائب الرئيس عبد العزيز الحلو رئيسا للحركة وقائداً عاماً لجيشها.
وأصدر الحلو الثلاثاء الماضي قرارات بهيكلة جديدة للحركة الشعبية، وقيادتها العسكرية والمدنية العليا، رقى بموجبها عدداً من الضباط إلى رتب أعلى، وكلف قادة سياسيين بمناصب قيادية في الحركة، وأعاد مفصولين ومجمدين من قبل القيادة السابقة من أعضاء الحركة للتنظيم مجدداً، كما حمل المسؤولية في إبعادهم للقيادة السابقة.
وقال المتحدث باسم الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال أرنو نقولتو لودي في بيان أمس، إن «القيادة المكلفة الحالية تستمد شرعيتها من قرارات ممثلي الشعب، المسنودة بتأييد كامل من الجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال، وأي محاولة للتجاهل والتنكر والاستعلاء على قرارات الشعب تعتبر خيانة عظمى لمشروع السودان الجديد، ولمبادئ الديمقراطية».
واعتبر الجناح الذي عزلته قرارات الحلو، والمكون من الرئيس مالك عقار، والأمين العام ياسر عرمان، القرارات «مضرة بالوساطة المبذولة لإعادة توحيد الحركة، وتكريساً لهيمنة شخص واحد وإلغاء لثلاثة أقسام شكلت الحركة، وشابتها تجاوزات كبيرة في الترقيات العسكرية والتعيينات السياسية، ما يمكن اعتباره «استهتاراً» بالقطاع الشمالي والنيل الأزرق، وتمهيدا لعملية سياسية غير ديمقراطية باسم المؤتمر الاستثنائي للبصم على قرارات الرجل الواحد».
وهدد المسؤولان الذين يطلقان على نفسيهما «قيادة الحركة الشعبية الشرعية» باتخاذ خطوات كان قد أجلاها من أجل إعادة توحيد الحركة، ورأيا أن القرارات التي أصدرها الحلو أفشلت كل محاولات إعادة التوحيد، وهي تهديدات تشي باتجاه لتكوين «حركة شعبية» تابعة لعقار وعرمان، تكريساً لواقع الانفصال على الأرض.
ونقلت «سودان تربيون» أن لودي أفاد بأن القرارات، التي اتخذها رئيس الحركة، مرحلية «لسد الفراغ الناجم عن غياب المؤسسات التنظيمية القومية»، وأن الخطوات التي اتبعتها قيادة الحركة ستقود لانعقاد المؤتمر القومي الاستثنائي المنوط به إجازة واعتماد الوثائق التنظيمية الأساسية «المنفستو والدستور»، وانتخاب القيادة، وتكوين الهياكل التنظيمية في المستويات كافة.
وحذر لودي جماهير الحركة مما أطلق عليه «خطة مسبقة يقودها بعض الأفراد داخل الحركة الشعبية، ولمدة طويلة من الزمن لبناء تنظيم مواز للحركة، وحرفها عن رؤيتها وأهدافها ووسائلها المعروفة والمجربة»، وتابع موضحا: «لقد درجت هذه المجموعة على دمغ المسار التصحيحي لثورة المهمشين التي تقودها الحركة الشعبية لتحرير السودان بالعنصرية والجهوية، ومحاولة منهم لإشعال فتن قبلية ودينية بين مكونات المجتمع السوداني».
وشدد لودي على أن الانتماء لـ«مشروع السودان الجديد»، الذي تتبناه حركته، هو انتماء فردي وطوعي لـ«تحقيق الرؤى والأهداف السامية للمشروع، وليس انتماء مناطقيا أو اثنيا، كما يحاول أعداء المشروع تسويقه»، موضحا أن قرارات مجلسي تحرير إقليمي جبال النوبة - جنوب كردفان والنيل الأزرق، جاءت لإعلاء ما يحتاجه الشعب، وتابع: «إعلاء ما يحتاجه شعبنا، وتلبية لتطلعات أبناء وبنات الهامش السوداني، في مسيرة نضالهم الطويلة من أجل الحرية والعدالة والمساواة، وتقرير مصيرهم، كحق إنساني ديمقراطي، كفلته كل المواثيق الدولية والأعراف الإنسانية السامية».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم