السعودية والعراق يؤكدان التزامهما خفض إنتاج النفط... واستثمارات متنوعة تنتظر رجال الأعمال

اللعيبي: الأمير محمد بن سلمان حريص على الوقوف إلى جانب بغداد في المجالات كافة

جانب من لقاء وزير الطاقة السعودي ووزير النفط العراقي في جدة (واس)
جانب من لقاء وزير الطاقة السعودي ووزير النفط العراقي في جدة (واس)
TT

السعودية والعراق يؤكدان التزامهما خفض إنتاج النفط... واستثمارات متنوعة تنتظر رجال الأعمال

جانب من لقاء وزير الطاقة السعودي ووزير النفط العراقي في جدة (واس)
جانب من لقاء وزير الطاقة السعودي ووزير النفط العراقي في جدة (واس)

أكدت السعودية والعراق أمس التزامهما بخفض إنتاجهما من النفط، ضمن اتفاق «أوبك» مع كبار الدول المنتجة من غير الأعضاء فيها، وذلك بهدف كبح تخمة المعروض العالمي من الخام مقابل الطلب، فيما شددت العراق على أنه لا يوجد أي خلاف مع أطروحات السعودية حول تقليص إنتاجه من النفط.
وقال المهندس خالد الفالح، وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي، لـ«الشرق الأوسط»، إن احتمالية استمرار خفض الإنتاج مطروحة، ولم يغلق الباب على تمديد خفض الإنتاج، إذا كان هناك حاجة للأسواق لأي إجراء إضافي سواء بتمديد أو تغيير مستويات الإنتاج فستدرس في حينها ويجري الاتفاق من خلال 24 دولة.
وشدد الفالح على أن السعودية لن تتخذ إجراءات أحادية؛ ولكن من خلال التوافق بين الدول كافة لاتخاذ الإجراء المناسب في حينه، «ومن السابق لأوانه أن نتنبأ بما سيتم بعد الربع الأول من العام المقبل».
وعن تقليص صادرات المملكة إلى 6.6 مليون برميل يوميا وتأثيرها على البلاد، قال: «عملية الاستثمار في قطاع النفط في السعودية، لن تتأثر إطلاقا بهذا الاتفاق المؤقت، فالطاقة الإنتاجية للسعودية ما زالت 12 مليون برميل، ونستثمر في المحافظة على هذه الطاقة الإنتاجية، كما أن أرامكو تستمر حسب خطة استراتيجية بعيدة المدى، للاستثمار في احتياطاتها وفي الاستكشاف وتقدير الاحتياطي الكامل في باطن الأرض في السعودية».
وأوضح أن ما يحدث في الوقت الراهن من تحكم الإنتاج والصادرات تعد أموراً قصيرة المدى مرت السعودية بها على مدى عشرات السنين، من تذبذب في الإنتاج والصادرات، ولكن الاستثمار الاستراتيجي في السعودية في قطاع البترول لا يتأثر بالمتغيرات الوقتية في السوق، لافتا إلى أن «الصادرات انخفضت نسبة وتناسباً مع سقف الإنتاج ونحن ملتزمون بهذا السقف، ونفترض أن الدول الأخرى ستكون ملتزمة بالنسب ذاتها كما جرى الاتفاق، وهو ما أكده وزير النفط العراقي بالتزامهم الكامل، ومصداقيتهم عالية لدينا، والأرقام التي تحدثوا عنها سيتم التحقق منها من خلال الوكالات المستقلة التي ترصد الإنتاج والصادرات».
وعن تأثير خفض السعودية عملاءها، قال الفالح: «هناك فائض في المخزون بدأ ينخفض تدريجياً، وأعتقد أن عملاء شركة أرامكو في الأسواق كافة لديهم الفرص في تعويض أي نقص بإمدادات أرامكو لهم، عن طريق السحب من المخزونات القريبة من الأسواق بشكل عام»، موضحاً أنه «لا توجد الآن شركة في مجال التكرير تحتاج إلى بترول، وقادرة على الحصول إما من المنتجين مباشرة أو عن طريق السحب من المخزون، وتجار البترول، وهذا الإجراء شاهدناه بشكل ملموس منذ بدأت أوبك في تطبيق الاتفاق، فأثر خفض الإنتاج بدأ يؤتي ثماره من خلال الانخفاض الملموس في المخزونات، وما زالت هناك فرص لخفض المخزون في الأشهر المقبلة».
وحول التزام العراق، أكد الفالح أنه اطمأن لما سمعه من وزير النفط العراقي من صرامة الحكومة ووزارة النفط العراقية في تطبيق هذا الاتفاق، وأن مستوى الصادرات العراقية في الأشهر الأخيرة انخفض بكميات ملموسة ويمكن قياسها بما كان عليه في الربع الرابع من العام الماضي، وأن التزام العراق سيكون مائة في المائة.
وتطرق إلى أن الاتفاق الذي جرى تأكيده في «فيينا» بدخول 10 دول من خارج المنظمة هو اتفاق تاريخي، وهذا سيكون مسارا جديدا للمحافظة على التوازن في السنوات المقبلة، و«استمرار مثل هذه المنظومة يتطلب أن يكون الجميع مقتنعاً بوجود العدل بين كل الأطراف، وإن كان من تشكيك بالتزام أي دولة فسيكون بداية لانفلات هذا التحالف. والسعودية كانت وما زالت حريصة على إزالة أي شكوك، والعراق سيتمكن من رفع احتياطاته وسيكون له استمرارية في إنتاج البترول على مدى عقود».
وأكد الفالح، أن السعودية ملتزمة بدورها القيادي، وترحب بالدور العراقي في إعادة التوازن للأسواق وخفض المخزونات، موضحاً أن البيانات الصادرة ومنها الأميركية تترجم نجاح العمل المشترك بين الدول المنتجة لخفض المخزون إلى مستوى الطبيعي والعودة بالأسواق إلى الاستقرار، الذي يصب في مصلحة الدول المنتجة الكبرى مثل السعودية والعراق. وعلى المدى المتوسط والبعيد سيكون في مصلحة الدول المستهلكة، لأنه يشجع دورة الاستثمار في قطاع الإنتاج للعودة، وبالتالي لا يكون نقص وشح في الإمدادات بسبب انخفاض الاستثمار.
وعن لقاء الوزيرين مع الأمير محمد بن سلمان نائب خادم الحرمين الشريفين، قال الفالح: «التقينا أول من أمس بالأمير محمد بن سلمان، الذي أكد لنا جميعا أن القيادة في المملكة أحرص ما تكون على تنفيذ ما أطلق من مبادرات ونيات خلال اللقاءات التي جرت بين قيادتي البلدين، وكان التوجه واضحاً بأن يكون هناك خطوات تنفيذية وسريعة لفتح مجالات التعاون، سواء من خلال فتح المنافذ، وإمداد العراق بكل ما يحتاج إليه من مواد وصادرات ومواد مصنعة من السعودية، وإزالة أي عوائق وحواجز بين التبادل التجاري وتشجيع الاستثمارات السعودية في العراق على المستويات كافة من شركات القطاع الخاص، أو شركات مملوكة للدولة. وسنرى خلال أسابيع عدة تنفيذ هذه التوجيهات من قيادة السعودية على أرض الواقع التي كان أولها فتح منفذ جدية عرعر».
وفيما يتعلق بالاستثمارات السعودية في العراق، ذكر الفالح أن الخطوة الأولى وصول المنتج والصادرات السعودية إلى القطاعات الاستهلاكية المختلفة بصورة مباشرة وسريعة، وللأسف المنتجات السعودية المطلوبة والمرغوبة في العراق تمر حالياً عن طريق دول أخرى، وتصدر عن طريق هذه الدول، وهناك هامش مناولة وربح إضافي للتجار من الدول الأخرى، وهذا يفقد بعض التنافسية ويضعف حصة الصادرات السعودية في الأسواق العراقية، وفي الوقت ذاته يحرم المستهلك العراقي والشركات العراقية التي تحتاج إلى المنتجات السعودية عالية الجودة من الحصول عليها بكميات وأسعار منافسة.
وأضاف أن السعودية تعمل لحصول السوق والمستهلك العراقي على ما يحتاج إليه من بضائع ومنتجات سعودية، بأسرع وقت وأقل تكلفة وجرى الاتفاق على خطوات تنفيذية للتعجيل بذلك عن طريق فتح المنافذ وعن طريق تسهيلات من الطرفين للجمارك والتمويل وغير ذلك، وسيتبع ذلك فتح مكاتب لكثير من الشركات السعودية في السوق العراقية ومشاركة القطاع الخاص السعودي والشركات السعودية في معارض تجارية للترويج والحصول على عقود شراء في السوق العراقية، يلي ذلك تقييم الفرص الاستثمارية وهناك مشروعات كثيرة طرحت كمشروعات جديدة وبعض المصانع القائمة لتملكها وإعادة طرحها.
وأشار الفالح إلى أن حجم الاستثمارات المتوقعة في الوقت الحالي محدود جداً، وما نطمح له خلال سنوات أن يصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، فمشروعات البتروكيماويات والغاز إن تمت فهي بالمليارات، وإن أتيحت الفرصة لشركة معادن لاستغلال الفوسفات فستكون مشروعات كبرى، وهناك أيضا احتياطيات معادن كبيرة في العراق، لم تقيّم أو تستكشف، إضافة للاستثمار في القطاع الزراعي، لافتا إلى أن قطاعات أرامكو، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، وشركة سابك، ستكون جاهزة للدخول في شراكات مع العراق سواء كان ذلك بتوفير الإمدادات من المنتجات البترولية، أو الكيماوية، أو الأسمدة، أو المنتجات المعدنية التي تصنع في السعودية مثل «الحديد، والألمنيوم» وهذا على المدى القصير، أما على المدى المتوسط والبعيد فهناك الدخول في استثمارات مباشرة كبرى في السوق الواعدة في العراق بشراكة سواء مع شركات مملوكة للحكومة العراقية، أو شركات القطاع الخاص، وحتى الشركات الدولية ترغب في العمل في العراق ويمكن للشركات السعودية أن تسهم في تخفيف مخاطر الاستثمار ورفع جدوى هذه الاستثمارات.
وعن الشركات التي يمكن أن تستثمر في العراق، قال الفالح، إن سابك ومعادن والشركات الزراعية الكبرى في السعودية وأرامكو قد يكون لها فرص في مجال تجميع الغاز، وتحويله إلى منتجات بتروكيماوية، ولكن هذه بحاجة إلى بحث، كذلك شركات الخدمات البترولية وشركات الحفر وشركات مسح السيزمي، ستكون منافسة في العراق، إضافة إلى شركة طاقة التي توفر خدمات متقدمة وراقية جدا، وبأسعار تنافسية.
وشدد الوزير السعودي، على أن القطاع الخاص المحلي مهتم بالدخول بقوة للسوق العراقي، وأن يوفر للمواطنين فرصا للحصول على أفضل البضائع بجودة عالية وأسعار منافسة، وعلى المدى المتوسط فتح استثمارات يكون فيها فرص عمل للمواطنين في العراق، وجميع ذلك يصب في مصلحة البلدين ومصلحة الشعوب العربية وعودة الاستقرار للوطن العربي.
إلى ذلك، أكد المهندس جبار اللعيبي وزير النفط العراقي، أن العراق ملتزم بسياسة «أوبك» كما أن حكومة بلاده ملتزمة بالتعاون مع السعودية، ولا يوجد مجال للاختلاف. وتابع: «نحن في توافق واتفاق مع طروحات السعودية، وإن كان هناك بعض الفروقات أو الخلافات من الجانب العراقي»، موضحاً أنه يتأكد يوميا من أرقام التصدير، التي تتماشى مع منظمة «أوبك»، وأن العراق مستعد لمعالجة أي خلافات بشكل جذري وفوري، وهذا يعطي إشارة إلى أن العراق ملتزم التزاما كليا بقرار «أوبك» ولا يختلف مع السعودية أو أي دولة أخرى في هذا الشأن.
وأضاف أن الصادرات من إقليم كردستان ليس لدى العراق معلومات واضحة عنها، فهناك عدم دقة في الأرقام التي تعكس إنتاج وصادرات الإقليم، لكن في الجنوب الأرقام واضحة. وقال: «العراق بدأ التخفيض في شهر يناير (كانون الثاني)، وبدأ بنحو 75 ألف برميل. فكان هناك فروقات أكثر من 80 ألف برميل، ثم بدأنا في فبراير (شباط) بتقليص هذه الفجوة إلى أن وصلنا 90 في المائة من الحصة المحددة لتخفيض صادرات الجنوب، وهذه الأرقام تتطابق مع توجه الحكومة، قد يكون هناك فرق بين 60 - 70 ألف برميل بسبب المنطقة الشمالية»، مؤكداً أن العراق ملتزم بتخفيض 210 ألف برميل يوميا ولا يوجد مجال للشك أو الجدل فيه.
وتطرق اللعيبي إلى أن وزارته تغلبت على الفروقات، بحكم ما تمتلكه الحكومة من حصة في إنتاج نفط كركوك التي تساوي نحو 60 ألف برميل في اليوم، وجرى توجيه أحد المصافي في أربيل، ونحن الآن بعد هذه الإجراءات في مستوى 190 ألف برميل يوميا، وما تبقى سنعمل على معالجته. وعن زيارته للسعودية، قال الوزير العراقي، إنها «ناجحة بكل المقاييس، إذ التقينا الأمير محمد بن سلمان نائب خادم الحرمين الشريفين، وكان لقاء مثمرا ومتميزا ولمسنا حرص الأمير محمد بن سلمان، الكبير للوقوف بجانب العراق في المجالات كافة، التي لا تقتصر على النفط، لتشمل المجالات الاقتصادية بشتى أنواعها، ونقلت للأمير محمد بن سلمان، تحيات رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي، لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز».
وذكر أن من ضمن نتائج لقائه مع المسؤولين السعوديين، التعاون في مجالات استثمار وصناعة الغاز، وصناعة البتروكمياويات، والتبادل التجاري بين البلدين، موضحا أن مجالات الاستثمار في العراق تشمل كثيرا من القطاعات منها النفط، والزراعة، والصناعة، لافتاً إلى أنه طلب من الجانب السعودي التعاون في مجال التجارة وأن يوجد ممثلون من السعودية، في بغداد، أو البصرة لتنشيط مجالات التجارة وتبادل الزيارات بين رجال الأعمال العراقيين ونظرائهم السعوديين.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».